أُشّبهُ اسرائيل بكيسِ فحمٍ ، مِنْ أينَ ما مسكتّهُ أتّسختْ يداك . كُّلُ من تعاون معها توّرط ، وندمْ و هوى، إمّا في السقوط و إماّ في الخضوع و الارتهانْ . وتتوقف سرعة السقوط او الارتهان على سرعة وحجم وعمق التعاون ، و العلاقة بينهما طرديّة ، كُلّما هرّول مُسّرعاً نحوها المتعاون، عجّلَ في ساعة سقوطهِ او أرتهانه.
والشاهدُ على ماكتبناه، هو حال السلطة الفلسطينية، المرحوم ياسر عرفات ماتَ مسموماً بعد حصار، و اكثر من حصار، بالوقت الذي قدّمَ لاسرائيل خدمة تأريخية ،لا تُقّدر ! وهذه الخدمة هي اعتراف ” أهل المُلك ” بملكية اسرائيل للوطن الفلسطيني .
وكذلك ،حال السلطة الفلسطينية في عهد الرئيس ابو مازن ،الرجل مضى بتوسيع التعاون مع اسرائيل أمنياً ، و مارست اسرائيل ،في عهده ،سياسة اقتضام تدريجي للقدس والضفة الغربية ، واصبحَ الرئيس لا حول و لا قوة ، و فقدَ الكثير من رصيدهِ الشعبي ، واصبحَ مُتردداً في اجراء الانتخابات الفلسطينية ،خشيّة خسارتها لصالح حماس و الفصائل الاخرى .
وَقَعتْ دولة الامارات العربية المتحدة ،اليوم في الورطة ، ورطة الاعتراف باسرائيل ، و السباق مع الزمن من اجل التعاون معها . وستمارسُ اسرائيل مع الامارات سياسة الابتزاز الناعم ، وممارسة مختلف الضغوطات و وسائل الاستنزاف المعنوي و الاقتصادي .
اسرائيل تدركُ بأنَّ العلاقات مع الامارات ليست كالعلاقات مع جمهورية مصر العربية ، ولا تلك التي أقامتها مع المملكة الاردنية الهاشمية ! اسرائيل ،في كلا الحالتيّن ( مصر و الاردن ) ، أعطت قبل أن تأخذْ : انسحبت من اراضي مصرية و اردنية ، و حصلت ،مقابل ذلك ، على سلام بروتوكولي ،رسمي ، وليس شعبي ، وعلى تعاون محدود وعند الضرورة بخصوص القضية الفلسطينية .
اسرائيل في علاقاتها الخليجية الرسمية، و المحدودة حالياً ،مع الامارات و البحرين ، تُفكّر و تخطط كي تأخذ دون ان تعطي شيئاً ! ماذا ينتظر الاماراتيون او غيرهم من اسرائيل ؟ هل ينتظرون انسحاب اسرائيل من اراضي اماراتية ترزح تحت الاحتلال ؟ ام ينتظرون اطلاق سراح اسرى او انهاء حالة حرب ؟
تفكّرُ اسرائيل ان تنتفعُ مادياً و اقتصادياً من دول الخليج ، وتفّكرُ استخدام الجغرافية الخليجية كساحة عمل استخباراتية و عسكرية ضّدَ كلُّ من يطالب بالحق الفلسطيني ، ويدافع عن هذا الحق . تُفكّر اسرائيل بتوظيف هذه الجغرافية الخليجية لممارسة اعمال استخباراتية وارهابية ضّدَ ايران ، و ضّدْ ايّ دولة تعارض المصالح الاسرائيلية والاطماع الاسرائيلية في المنطقة .
حروب اسرائيل في المنطقة كانت مع العرب ، وحالة العداء هي مع العرب ، حتى و إنْ ابرمت اتفاقات و معاهدات سلام مع بعض الدول العربية . و اسرائيل تحتل ليس فقط فلسطين ،و انما اراضي اخرى للعرب .
لم ولن تُقدمْ اسرائيل على محاربة ايران ، لم ولن تُقدم اسرائيل على خلق عدواً آخر في المنطقة ، مُقتدر ، و قوي وبحجم ايران .
اصدقاء و حلفاء اسرائيل ، كبار او صِغار ، أصبحوا ،بحكم،نزعة الهيمنة و الاستعلاء والتخطيط الصهيوني ، ذيول لا سرائيل ، و ها هو الغرب ،امريكا او اوربا ، يعانون من عقدة السطوة والهيمنة الصهيونية على مقدراتهم ، حتى بعض النُخب الامريكية و الاوربية يكتبون علناً بانَّ القرار السياسي لعلاقات دولهم الخارجية اصبحَ مُرتهناً لمصلحة اسرائيل .
لنتصّوّر كيف سيكون حال الامارات ؟
ادركت المملكة العربية السعودية مخاطر الانزلاق في هذه الورطة ، و تحمّلت الكثير في عهد الرئيس ترامب ، واغتنمت فرصة خسارتهِ الانتخابات ، لتتخذ موقفاً تجاه تأسيس علاقات رسمية مع اسرائيل ،مناسباً و تاريخ وقدرات و موقع المملكة عربياً و اقليمياً و دولياً .
ارسلت المملكة رسائل الى اسرائيل ، و الى كُّل من يعينهم امر ” التطبيع مع اسرائيل ” سواء من خلال تصريحات رسميّة دالّة ، تؤكد على الحق الفلسطيني وحّل القضية وفقاً للقرارات الدولية ، وتتحدث ايضاً عن رغبتها في علاقات جوار متوازنة و مستقرّة مع ايران، وكأنها تقول لاسرائيل ” السعودية غير معنيّة بايّ حلف او عداء ضّدَ ايران ” ، او سواء من خلال اجراءات عملية تجاه عبور الطائرات الاسرائيلة سماء المملكة .
وستستقبل المملكة سلطان عُمان ،غدا يوم الاحد ،بتاريخ ٢٠٢١/٧/١١، و قد سبقَ الزيارة تصريح لوزير خارجية السلطنة ،يقول فيه بانَّ عمان لن تكْ البلد الثالث المطّبع مع اسرائيل ، الامر الذي يدّلُ على ان موضوع التطبيع سيكون في جدول اعمال اللقاء ، ويدّلُ ايضاً على تماثل وجهة نظر المملكة والسلطنة تجاه التطبيع .
كما ان تصريحات السيد وليد بخاري ،سفير المملكة في لبنان ، خلال حضوره احتفالية العلاقة المئوية المارونية السعودية ،بتاريخ ٢٠٢١/٧/٩، تدّلُ ايضا على عزم المملكة لتفعيل دورها تجاه محيطها العربي المضطرب ، حيث أكّدَ السفير على وحدة جميع اللبنانين ، وعلى الانفتاح على المكونات اللبنانية ، وعلى حرص المملكة على وحدة لبنان . لم نقرأْ في التصريح ايّة اشارة سلبية صريحة او ضمنيّة تجاه مكوّن او دولة .
تشهد و تراقب المملكة الآن فشلَ سياسة وضغوطات الرئيس السابق ترامب تجاه المنطقة وتجاه قضية فلسطين:
جمّدَ الرئيس بايدن صندوق الاستثمار الابراهيمي ، ومشاريعه المشتركة بين الامارات و اسرائيل ، والذي بدأَ بمبلغ ١١ مليار دولار ،قرار اغاضَ الامارات وبدّدَ سعيها وجعلها في حيرة ،كما اغاضَ اسرائيل . تصريحات امريكية رسميّة حول ضرورة تفعيل حلّ الدولتيّن ، و اجراءات امريكية نحو تشكيل وفد تفاوضي لاعادة الحياة بمشروع حّل الدولتيّن .
لم تلزم الصمت اسرائيل ازاء التوجّه السعودي،و لم تتوقف عن اطلاق تصريحات او تبنّي مواقف دالة عن غطرستها واستخفافها بالمملكة وعن صناعة الفتن ، حيث نشرت الصحف الاسرائيلية تقريراً لمركز الابحاث القومي الاسرائيلي ،يدعو اصحاب القرار في اسرائيل على ” الزام ” المملكة بأنَّ تعيد المملكة علاقاتها مع الرئيس بشار الاسد ،لأنَّ الدور الخليجي في سوريا سيخدم المصالح الاستراتيجية الاسرائيلية ، و يحد من نفوذ ايران ( المصدر ، راي اليوم الالكترونية ،تاريخ ٢٠٢١/٧/١٠ ) .
يحاول الاعلام الاسرائيلي و الصهيوني ايهام الراي العام العربي ،بانَّ التوجهّ السعودي تجاه سوريا و تجاه امن واستقرار المنطقة ،و انهاء حرب اليمن ، كان بايعاز من اسرائيل ، و أنَّ سياسة دول الخليج مرتهنة في تل ابيب .
ادركت المملكة بأنَّ حجمها و دورها و مكانتها العربية و الاسلامية مقومات ذات بُعد عربي و اقليمي و دولي و استراتيجي ، وهذه المقومات لا تسمح اطلاقاً بالوقوع في الفخ الاسرائيلي .لا يمكن للمملكة ان تصبح مرتهنة لكيان ، موصوف دولياً ، مغتصب و مُحتلْ .
تتضرر المملكة كثيرا ،ولا تنتفع امراً ،إن هي اقدمت ، كما تورّطت الامارات ،على علاقات رسمية مع اسرائيل .
د. جواد الهنداوي
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال