في مقال كتبته مجلة فورين بوليسي حول تقرير عن التنافس الخفي بين الإمارات والسعودية جاء فيه: كادت الحرب في غزة على وشك البدء و حينها كانت المنطقة تشهد على ما يبدو نوعا من السلام النسبي. ويمكن رؤية معظم التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في هذا المجال في تحالف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ تحالف يضم الصداقة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الإمارات محمد بن زايد. وقد اتحدت هاتان الدولتان في مواجهة توسع القوة الناعمة لدولة قطر في العالم العربي، وأيضاً من خلال التقارب مع الصين وروسيا، تخلتا عن سياسة التقارب طويلة الأمد مع الولايات المتحدة واتجهتا نحو سياسات أكثر استقلالية.[1]
لكن هناك خفايا تدور خلف ستار هذا التحالف وهي أقرب للمنافسة غير المعلنة، حيث تحاول كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تولي قيادة العالم العربي، وتتنافسان مع بعضهما البعض على عدة جبهات جيواقتصادية.
جذب الاستثمارات
أولا وقبل كل شيء، هناك منافسة لجذب رأس المال الأجنبي وهو طموح أي دولة تحاول تطوير وضعها الإقتصادي. وتعود المنافسة بين هذين البلدين في هذا المجال إلى عام 2009؛ عندما عارضت أبو ظبي إنشاء مقر للبنك المركزي لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض وأدى ذلك في النهاية إلى عدم تنفيذ خطة إنشاء هذا البنك. ومن عام 2012 إلى عام 2022، منحت المنافسة الصحية مع السعودية الإمارات الفرصة لتحقيق التفوق في المنطقة في سباق جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام الماضي (2022).ودفعت الضغوط التي مارستها السعودية لنقل مقرات شركاتها الكبرى من دبي وأبوظبي إلى الرياض الإمارات إلى تقديم تسهيلات أكبر للمستثمرين مما انعكس بشكل أفضل على تدفق الاستثمارات وهو ما يجعلها تحقق رقما قياسيا في عام 2022 بلغ 23 مليار دولار. [2]
ويقول مراقبون إن السعودية وضعت ضغوطا على الشركات الكبرى لكي تنتقل وتصبح هي مركز الاستثمارات، لكن النتيجة جاءت مختلفة عما توقعته الرياض بأن زادت الاستثمارات الذاهبة إلى الإمارات والتي بلغت 23 مليار دولار مقابل 7 مليارات للسعودية. وهذا يعني أن دولة الإمارات العربية المتحدة اجتذبت رؤوس أموال أكثر بـ 3.5 مرة من المملكة العربية السعودية مقارنة بحجم اقتصادها. كما أن حوالي 70% من الشركات متعددة الجنسيات تختار دبي لإقامة مقرها الرئيسي في الشرق الأوسط.[3]
من ناحية أخرى، تسبب ارتفاع أسعار النفط نتيجة الحرب في أوكرانيا في نمو الاقتصاد السعودي بنسبة 8.7%، وهو أعلى نمو مسجل بين دول مجموعة العشرين، وأرسلت الكثير من رؤوس الأموال إلى بنوك الرياض. كما حذرت المملكة العربية السعودية الشركات الأجنبية العاملة في الخليج العربي من أنها إذا لم تنقل مقرها الرئيسي إلى المملكة العربية السعودية، فمن المحتمل أن تقطع الرياض علاقاتها مع هذه الشركات.
أهمية الطاقة والنفط
لقد أدت سياسات الطاقة التي تنتهجها المملكة العربية السعودية (أكبر مصدر للنفط في العالم) والإمارات العربية المتحدة (المصدر الخامس) إلى تكثيف هذه المنافسة. وفي صيف 2021، دخلت الرياض وأبو ظبي في صراع جديد حول خطة السعودية المقترحة في أوبك+، والتي دعت إلى تمديد تخفيضات إنتاج النفط. كانت الإمارات العربية المتحدة ضد هذه الخطة، وعلى الرغم من توصل الأطراف في النهاية إلى حل، فقد ترددت شائعات لاحقًا بأن أبو ظبي كانت ضد هيمنة المملكة العربية السعودية على أوبك + وقد ناقشت البلاد مغادرة منظمة أوبك سابقاً، حسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال نقلاً عن مسؤولين إماراتيين لم تسمهم.[4]
المكانة العالمية
تخوض كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة منافسة على المكانة العالمية وتستخدمان استثمارات استراتيجية لزيادة قوتهما الناعمة. فهي تستضيف تجمعات دولية لجذب المستثمرين والقادة الأجانب، فضلا عن تقديم حلول للتحديات العالمية. وتعقد السعودية مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، وتستضيف الإمارات اجتماع منتدى الاستثمار العالمي التابع للأمم المتحدة. واستضافت أبوظبي معرض إكسبو 2020، وسيقام معرض إكسبو 2030 في الرياض. كما يستضيف كلا البلدين اجتماعات كبيرة مثل مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ ومؤتمر منظمة التجارة العالمية. وتستثمر الرياض بشكل خاص في الأحداث الرياضية وتقيم أيضًا مهرجانات موسيقية كبرى وتمثل هذه الإجراءات جهود الرياض وأبو ظبي لتغيير صورتهما العالمية وجذب الدعم الدولي.
ومن ناحية أخرى، أعلن محمد بن سلمان في عام 2016 عن خطة رؤية السعودية 2030؛ طريق طموح يهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي. وفي قلب هذه الرؤية يقع مشروع نيوم الضخم، وهو مشروع بمليارات الدولارات يهدف إلى تحويل المملكة العربية السعودية إلى مركز رئيسي للبنية التحتية والنقل والتكنولوجيا والأعمال التجارية والمالية في المنطقة. كما خصصت الرياض أكثر من 100 مليار دولار لتحويل نفسها إلى مركز لوجستي بحري وجوي، وفي قلبه مشروع طيران "الرياض للطيران". وسيشمل ذلك تحدي موانئ الإمارات العربية المتحدة من خلال استثمار كبير في ميناء جدة الإسلامي، الذي من المقرر أن يكون أحد أكبر الموانئ وأكثرها ازدحامًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
قضية فلسطين
نقطة الخلاف الأخرى بين الإمارات والسعودية هي "قضية فلسطين وإسرائيل". وكانت قد اعترفت الإمارات بإسرائيل عام 2020، لكن السعودية لم تنضم إلى معاهدة إبراهيم. وعززت تل أبيب وأبو ظبي علاقاتهما الثنائية من خلال التوقيع على اتفاقية تعاون اقتصادي شامل لكن حرب غزة مؤخراً تسببت في إيقاف عملية "تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل" التي كانت تجري بوساطة الولايات المتحدة وأصبحت الآن في حالة مجهولة.
خلاصة القول، مع تزايد الصراع بين السعودية والإمارات، فمن المرجح أن تسعى الدولتان إلى تعزيز علاقاتهما مع موسكو وبكين وحتى طهران من أجل مواجهة بعضهما البعض. وهذا بدوره يمكن أن يضعف فعالية الاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة ويدفع البيت الأبيض إلى إعادة النظر في أهمية الشرق الأوسط. ومن هذا المنطلق، لا ينبغي افتراض أن تحالف أبو ظبي والرياض مع السياسات الأمريكية في المنطقة أمر مؤكد وغير قابل للتغيير. "تمامًا مثل البداية المفاجئة لحرب غزة، لذلك التنافس بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يمكن أن يتحدى مقولة بأن الشرق الأوسط سيصبح أكثر سلامًا".
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال