في الأيام الأخيرة وفي ظل تصاعد النفوذ والهجمات العسكرية الأوكرانية على مناطق من غرب روسيا، ودفاع القوات المسلحة الروسية لاستعادة أجزاء من محافظة كورسك التي تعرضت للاعتداءات والهجمات من قبل الجيش الأوكراني، بدأت المناورات المشتركة بين روسيا ومنغوليا المعروفة باسم "سلنغا"، والتي تُعتبر مناورات ضد الإرهاب وتُعقد سنويًا منذ عام 2008، في منطقة جنوب شرق روسيا.
تُقام المناورات المعروفة باسم "سلنغا-2024" بهدف مكافحة الإرهاب الدولي وذلك في الذكرى الخامسة والثمانين لانتصار القوات المشتركة السوفيتية-المنغولية على اليابان خلال معركة نهر خالخين غول. [1]تشارك في هذه المناورات وحدات من القوات البرية والفضائية والقوات الخاصة من البلدين، بحضور مئات من العسكريين، بالإضافة إلى مشاركة الطائرات المقاتلة. [2]تعتبر هذه المناورات ذات أهمية عسكرية، كما أنها تمثل رمزًا لعزم روسيا على الاستعداد الدائم في جميع مجالات الدفاع في جغرافيتها الواسعة، وخاصة في مجال نفوذها التقليدي.
لكن بعد عدة دورات من إقامتها ما الذي يجعل هذه المناورات المشتركة أكثر بروزاً من غيرها؟
يجب أن نذكر في البداية أن وزير الدفاع الروسي السابق أعلن العام الماضي عن إجراء حوالي 20 مناورة عسكرية للقوات المسلحة الروسية في عام 2024، بهدف الاستعداد الكامل لتنفيذ المهام المتعلقة بحماية المصالح الوطنية وضمان الاستجابة السريعة للتغيرات في الأوضاع العسكرية-السياسية الخاصة، ومن بين هذه المناورات تُجرى واحدة من أهمها بمشاركة القسم الشرقي من القوات المسلحة الروسية داخل حدود منغوليا.[3]
ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من قرب أولان باتر من الصين، إلا أننا شهدنا نوعًا من الابتعاد عن روسيا في السنوات الأخيرة، وحتى مؤخرًا شهدنا في الحكومة الجديدة المستقرة في أولان باتر توجهًا نحو الولايات المتحدة. يمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى زعزعة التوازن في هذه المنطقة، حيث تسعى واشنطن بشكل واضح إلى إبعاد موسكو عن لعبة القوى الكبرى، والتأثير في الجمهوريات المتبقية من الاتحاد السوفيتي في إطار الاقتراب من حدود روسيا من خلال جذب المسؤولين المنغوليين، مما يهدف إلى تغيير التوازن لصالحها في هذه المنطقة. إن استمرار إقامة مناورات "سلنغا" يأتي في ظل جهود حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، ويعكس اهتمام روسيا المستمر في الحفاظ على مكانتها التقليدية في هذه المنطقة. وفقًا لآراء العديد من الخبراء فإن إجراء هذه المناورات بالتزامن مع انشغال روسيا وقواتها المسلحة في الجبهات القائمة في أوكرانيا، وكذلك عمليات استعادة المناطق التي تعرضت للاعتداء في محافظة كورسك - التي شهدت أكبر هجوم على الأراضي الروسية منذ بدء العمليات العسكرية الخاصة في فبراير 2022، بمشاركة آلاف من القوات الأوكرانية والتوغل في الحدود الغربية لروسيا - يدل على استعداد روسيا في المجالات العسكرية والدفاعية واللوجستية.
على الرغم من أن هذه المناورات تتضمن التدريب اللازم لمكافحة الجماعات الإرهابية وطرق التصدي لنفوذها، وتأمين الحدود باستخدام أحدث المعدات والأسلحة العسكرية إلا أن الولايات المتحدة وحلف الناتو يشعران بالقلق من مشاركة أي دولة في التدريبات والمناورات العسكرية مع روسيا، نظرًا لأن روسيا في حالة حرب مع أوكرانيا. إن إقامة هذه المناورات ومشاركة دول مختلفة في هذه البرامج تعكس عمق التخطيط الاستراتيجي الروسي. في الوقت نفسه تعتبر هذه المناورات المشتركة تهديدًا للولايات المتحدة وأوروبا لأنها تهدف إلى تعزيز القوات العسكرية والمعدات والأسلحة.
من خلال إجراء هذه المناورات وغيرها من المناورات المشتركة مع دول أخرى، ترسل روسيا رسالة مفادها أنه على الرغم من الحرب المكلفة مع أوكرانيا، فإن تركيزها الرئيسي لا يزال على الدفاع عن وحدة أراضيها، وأنها تتمتع بشروط استقرار عسكري.
في الختام، يجب الإشارة إلى أن دور منغوليا في النزاعات المستمرة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة وروسيا قد زاد أهميته. حيث إن الدول الغربية باعتبارها منغوليا دولة قريبة منها، تقدم دعمًا أكبر في المجالات الاقتصادية والصحية لهذا البلد الآسيوي، بهدف تنفيذ جزء من استراتيجياتها في مواجهة روسيا أو حتى الصين. ولكن في الواقع فإن الواقعية لدى المسؤولين في أولان باتر أدت في النهاية إلى تقارب أكبر لهذا البلد مع روسيا، ومن أبرز مظاهر هذا التقارب هو استمرار إقامة مناورات "سلنغا" في خضم العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا. نتذكر أن رومان زهورافليف، نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون آسيا، قد صرح بأن العلاقات بين موسكو وأولان باتر "دائمًا ما كانت قريبة وودية، وتستند إلى تاريخ طويل من التعاون وأن روسيا دائمًا ما تعتبر تعزيز العلاقات في جميع المجالات مع منغوليا كدولة صديقة من أولويات سياستها الخارجية".[4]
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال