النهوض الكبير للتنين ! 495

النهوض الكبير للتنين !

أجرى جيش التحرير الشعبي الصيني في الشهر الماضي اختبارًا صاروخيًا مهمًا ومعقدًا والذي كان عرضًا للقوة العسكرية لهذا البلد أمام جيرانه. لقد لفتت تعقيدات هذا الاختبار واستخدام جميع الإمكانيات اللوجستية، والتي تم استخدامها لأول مرة في هذا الاختبار، انتباه المحللين والخبراء في الدول الكبرى. في الواقع أظهرت الصين أنها ليست بطيئة في مسار التقدم العسكري بل إنها تقترب بسرعة من منافسيها.

استعراض القوة
تسعى الحكومة الصينية إلى أن تبرز نفسها كقوة نووية كبيرة في العالم. بالإضافة إلى ذلك تسعى لزيادة مستوى ردعها من خلال إظهار قدرتها وإمكاناتها العسكرية. كان الاختبار الأخير هو الاختبار الجدي الأول للصين في إطار محاكاة هجوم عسكري، مماثلاً لنهج الولايات المتحدة وروسيا والهند. في الواقع، أظهرت الصين تقدمًا خطوة في مجال القدرة على الردع وزيادة قوتها العسكرية.[1]

أهمية هذا الاختبار
تكمن أهمية هذا الاختبار في أن الصين استغلت بشكل جيد قدراتها اللوجستية لإدارة هذا الإطلاق. لقد راقبوا عملية التوجيه والإشراف على الصاروخ حتى وصوله إلى الهدف من خلال الأقمار الصناعية والقواعد الأرضية والسفن. هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر في تاريخ المناورات العسكرية الصينية. كما أن استخدام الرأس الحربي التجريبي يدل على دخول الصين في مرحلة جديدة من التدريبات العسكرية. بعبارة أخرى، تسعى الصين من خلال هذا الاختبار لزيادة قدرتها على المساومة أمام منافسيها، وكما تُظهر أنها قد حققت مستوى موثوقًا به في قدرتها العسكرية.[2]

الحذر والحتياط الكبير
رغم أن الحكومة الصينية تعد واحدة من القوى الكبرى اقتصاديًا وعسكريًا في العالم، إلا أنها لا تزال تحافظ على نهجها الاحتياطي في الشؤون العسكرية. في الحقيقة لقد أظهر استخدام جزيرة هاينان هذا الحذر من جانب الصين. واختارت الصين مسارًا للإطلاق والاختبار لا يتجاوز مجال جيرانها ومنافسيها لتجنب إنشاء مشكلة دولية. بالإضافة إلى ذلك فإن اختيار الإطلاق من منصة في جزيرة يدل على قدرة الصين على المناورة في مختلف أراضيها.[3]

مشكلة مهمّة أخرى تتعلق بأسباب اختيار جزيرة هاينان هي مسألة الحفاظ على السرية العسكرية في الصين. لقد اختاروا مسارًا بسيطًا تقريبًا لا يحتاج إلى حسابات معقدة للإطلاق، كما أن الصاروخ المستخدم هو من الجيل الأقدم للصواريخ الصينية، ولم يستخدموا جيلهم الجديد من الصواريخ في هذا الاختبار. يظهر هذا الإجراء من الصين بوضوح أنهم يسعون بحذر نحو مزيد من التقدم في الصناعات العسكرية. ومع ذلك فإن الصين ليست غافلة عن أدوات الدبلوماسية؛ فهم يدركون تمامًا أن تكرار الاختبارات الصاروخية يمكن أن يُعتبر من قِبل المنافسين تحديًا أو إجراءً عدائيًا. وإذا حدث ذلك فإن مسار الدبلوماسية والاقتصاد بالنسبة للصين سيتعرض لتحدٍ كبير، مما يعني تقليل قدرتهم وقوتهم الاقتصادية. لذا تسعى الصين إلى تحقيق توازن بين قوتها العسكرية وقوتها الدبلوماسية للوصول إلى أهدافها بعيدة المدى.

هل سينجحون؟
تسعى الحكومة الصينية إلى أن تصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم، وكذلك إلى أن تُصبح أكبر دولة تمتلك ترسانة نووية. للوصول إلى هذه الأهداف تحتاج الصين إلى النمو والتطوير في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية. وتدرك حكومة هذه البلاد الظروف المعقدة للنظام الدولي وتتحرك خطوة بخطوة نحو التقدم. في الواقع لا تسعى الصين إلى استفزاز منافسيها وقد أكدت دائمًا أن جميع الإجراءات العسكرية واللوجستية تتم في إطار بناء هيكل دفاعي. كانت الحكومة الصينية قد أخبرت الولايات المتحدة بشأن اختبارات صاروخية مهمة، مثل تلك التي حدثت في سبتمبر الماضي. بعبارة أخرى لا تسعى الصين إلى زيادة مستوى التوتر مع الولايات المتحدة وغيرها من حلفائها بل تسعى لتحقيق أهدافها في إطار زمني طويل.

بينما تسعى الولايات المتحدة في الوقت نفسه لمنع حدوث ذلك، فهي تستخدم أدوات اقتصادية وعسكرية وسياسية متنوعة لمنع نمو الصين وتطورها، وتحاول منع تحقيق أهدافها. وتتبع الولايات المتحدة سياسة إنشاء تحالف منطقة الهند-المحيط الهادئ (بما في ذلك الهند واليابان وأستراليا وبعض الدول الأخرى)، كما تضغط سياسيًا نحو استقلال تايوان وتجر الصين إلى قضايا السلامة الإقليمية بهدف السيطرة عليها واحتوائها. و يتعين علينا أن نرى هذه السياسة إلى أي مدى ستحقق النجاح والاستقرار لهم .

امین مهدوي


[1] euronews.com
[2] reuters.com
[3] usnews.com
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال