الهجمة الثقافية الأمريكية وفرض الأنماط الغربية على الشعب الأفغاني 20

الهجمة الثقافية الأمريكية وفرض الأنماط الغربية على الشعب الأفغاني

تُعتبر الولايات المتحدة البلد الرائد في وضع السياسة لممارسة السلطة والهجمة الثقافية علی بلدان عديدة، ومن الأمثلة على ذلك نفوذها في أمريكا اللاتينية قبل الحرب العالمية الثانية واليابان وأوروبا بعدها، حتى أن العديد من المحللين الثقافيين يرون انهيار الاتحاد السوفييتي نتيجة للمساعي الثقافية الأمريكية ونفوذها في العالم. ودفعت هذه التجاربُ وهزيمةُ الاتحاد السوفيتي في أفغانستان الولاياتِ المتحدة إلى إقبال كبير على استخدام الثقافة كأداة تخدم أهدافها وتعززها، بصرف النظر عن هيمنتها العسكرية.
وكما نعلم، يشكّل الشباب فئة متميزة في المجتمع الأفغاني وبالتالي فإن النفوذ الثقافي في هذا البلد له أهمية مزدوجة بالنسبة للولايات المتحدة. ولذلك، وضعت الولاياتُ المتحدةُ أيضا، طیلة السنوات العشرين من وجودها العسكري في أفغانستان، استراتيجيةَ التأثير الثقافي أو الإمبريالية الثقافية على جدول أعمالها، بل في صميم سياستها الخارجية، واصفة إياها بتطوير البنية التحتية الثقافية في أفغانستان. هكذا اتخذت الولايات المتحدة تدابير في مختلف المجالات الثقافية في أفغانستان، سنناقشها أدناه:
• المبالغة والكذب حول الدور الثقافي للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (بالإنجليزية: USAID)‏
وفقا للوكالة (USAID) أنشأت الولايات المتحدة 4500 مدرسة جديدة في أفغانستان منذ عام 2012، وساعدت على زيادة فرص حصول ثلاثة ملايين فتاة أفغانية على الدراسة منذ عام 2008. وبناء علی تقارير الوكالة، ارتفع عدد الطلاب المسجلين من 900 ألف طالب في عام 2001 إلى أكثر من 9.5 مليون طالب في عام 2020، فیما 39٪ منهم من الفتيات. في حين أنه وبحسب إعلان اليونيسيف، فإن 40 في المائة فقط من المدارس الأفغانية تقع في مبان دائمة، وبقية الفصول الدراسية تُعقد في ملاجئ اليونيسيف أو المدارس الميدانية.
وتدّعي وكالة (USAID) أنها أطلقت 31 برنامجا جديدا لطلاب الدراسات العليا في مرحلتي البكالوريوس والماجستير بالجامعات الأفغانية.
لكن العديد من وسائل الإعلام، فضلا عن الناشطين الثقافيين داخل أفغانستان، أثاروا شكوكا وانتقادات خطيرة حول إحصاءات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ففي عام 2016، على سبيل المثال، أُعلن أن المدارس التي بُنيت وفقا للوكالة كانت مباني غير منتهية وغير مستعملة وأحيانا مباني خيالية وغير واقعية، وبسبب فساد عشعش في الوكالة، فإنها لا توجد إلا على الورق.
• الجامعة الأمريكية في أفغانستان (AUAF)
تقبل الجامعة الأمريكية في أفغانستان طلابا في تكنولوجيا المعلومات والعلوم السياسية والإدارة ويرأسها دبلوماسيون أمريكيون سابقون، وقد تأسست في عام 2006 بميزانية سنوية قدرها 28 مليون دولار. كما خصصت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية 40 مليون دولار إضافية لتمويل الجامعة لمدة خمس سنوات. وكانت الجامعة سابقا تحصل على 60٪ من ميزانيتها من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، غیر أنها تخلت مع مرور الوقت عن التزامها بالتمويل وأعلنت في نهاية المطاف عن عدم وجود التزام طويل الأجل بدعم الجامعة.
في حين تبلغ الرسوم الدراسية للجامعة 10,000 دولار سنويا، وهي تكلفة مذهلة لبلد معدم مثل أفغانستان. وتقدم السفارة الأمريكية في أفغانستان منحا دراسية لـ 150 طالبا من طلاب الجامعة كل عام، أهمها منحة فولبرايت (برامج التبادل الثقافي للولايات المتحدة) للطلاب الأجانب، حیث يعمل في أفغانستان على نطاق واسع منذ خمسينات القرن الماضي لتدريب جيل جديد من القادة الأفغان بالطرق الأمريكية، والتي كُشفت، مع هروب أشرف غني من كابول، عن نتيجتها.
ویغادر أكثر من 95٪ من خريجي الجامعة البلاد بعد الانتهاء من دراستهم ولن يعودوا إلى أفغانستان. وبهذه الطريقة، ستوجه الولايات المتحدة ضربة قاضية للبنية الثقافية والاجتماعية الأفغانية باستقطاب الشباب الأفغان نحو ها بعد إغرائها.
• المنظمات غير الحكومية الأمريكية في أفغانستان
وجود المنظمات غير الحكومية (NGO) في أفغانستان كان استراتيجية ثقافية للولايات المتحدة للتأثير على سكان من مختلف طبقات المجتمع الأفغاني. وقد ظهرت معظم هذه المؤسسات في أفغانستان منذ عام 2002 فصاعدا وبدأت عملها في المجالات الاقتصادية والقانونية والتعليمية والصحية والتنموية والثقافية وحتى العسكرية والأمنية. وبحلول عام 2020، كان هناك ما يقرب من 110 منظمات غير حكومية وحکومیة دولية نشطة في أفغانستان.
وكثيرا ما تدعو المنظمات غير الحكومية الأمريكية في أفغانستان الشباب المتعلمين، ولا سيما النساء، إلى الانشغال بالعمل بكل سهولة وسرعة. وكان ارتفاع الأجور، وفي كثير من الأحيان الدفع بالدولار، فرصة لسكان أفغانستان الذين يعانون من الفقر في الغالب.
وتفرض المنظمات غير الحكومية أنماطا ثقافية غربية علي الشعب الأفغاني في شكل توفير حزم المساعدات، بما في ذلك الغذاء والدواء والقرطاسية للطلاب، كما تجعل الأسر الأفغانية المتلقّیة للمعونات تعتمد عليها. وتحتوي حزم القرطاسية، التي غالبا ما تُهدی للأطفال الأفغان، على صور للأبنیة الأوروبية والغربية المزخرفة التي لها تأثير عليهم سواء أحبوها أم لا.
وأضر ترويج اللغة غير الرسمية بالهيكل الثقافي في أفغانستان من قبل المنظمات غير الحكومية الأمريكية. إذ إن الشرط الرئيسي لأنشطة الأفغان في هذه المؤسسات كان طلاقة هذه اللغة، وبالتالي امّحت الهوية الوطنية الأفغانية تدريجيا من أذهان الناشطين في هذه المؤسسات.

• أثر وسائل الإعلام وقدرتها التحكمية
كانت أميركا تعتزم كسر العديد من القيم والمعتقدات التقليدية للمجتمع الأفغاني واستبدالها بأنماط ثقافية جديدة وحديثة. وکانت وسائل الإعلام، وخاصة الإذاعة والتلفزيون، أدوات مهمة لهذا التفكيك الثقافي. ولهذا السبب، شهدنا النمو المتسارع لقنوات الإذاعة والتلفزيون، فضلا عن انتشار أجهزة استقبال الأقمار الصناعية في أفغانستان. تُعد قناة ” طلوع” (Tolo TV) من أهم القنوات التلفزيونية وأكثرها مشاهدة في أفغانستان، وقد تم إطلاقها بالتعاون مع وكالة (USaid) وكان هدفها الأساسي ترويج القيم الحديثة وخاصة القيم الأمريكية.
ومن بين الأهداف الرئيسية لوسائل الإعلام تعزيز ثقافة تتعارض مع المعتقدات الدينية والأيديولوجية للشعب الأفغاني، وخلق الشكوك حول المعتقدات والقيم، وإلهاء الناس بالحياة اليومية ومنعهم عن التفكير العميق.
وهكذا، فإن الفقر المدقع للشعب الأفغاني، والافتقار إلى الحكومة والمؤسسات الحكومية القوية، وإلى تنفيذ القوانين القائمة أو دعمها، إضافة إلى تزايد الفساد، كلها مجتمعة وفّرت فرصة لا مثيل لها للمحتلين الأمريكيين وحلف شمال الأطلسي لاستغلال الظروف المهيمنة علی أفغانستان، في إطار تغطية الخدمات التعليمية والثقافية أو المنظمات غير الحكومية النشطة بمختلف القطاعات، لفرض النهج السياسي الأمريكي والبرامج الثقافية على الشعب الأفغاني.

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال