يعاني الشعب السوداني منذ سنوات طويلة من أوضاع صعبة ومعاناة متواصلة، فالحروب والصراعات المستمرة داخل البلاد تسببت في تدهور الوضع الإنساني وزيادة نسبة الفقر والجوع والأمراض بين المواطنين. ومع الصراعات الأخيرة التي وقعت بين العسكريين، والتي تم دعمتها الدول الخارجية بالأموال الأجنبية، تفاقمت هذه المشكلة بشكل أكبر.
في الحقيقة تشير التقارير الحديثة إلى أن هناك ملايين الأشخاص في السودان يعانون من انعدام الأمن الغذائي ونقص حاد في المياه النظيفة والأدوية والرعاية الصحية الأساسية. وعلى الرغم من جهود العديد من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، فإن الوضع لا يزال يتفاقم ويتفاوت بين مناطق مختلفة في البلاد. علاوة على ذلك، فإن الفقر والجوع ليسا المشكلات الوحيدة التي يواجهها السودانيون. بل إن هناك أيضاً مشاكل أخرى تتعلق بالنزاعات القبلية والجماعات المسلحة المتطرفة وانتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من المشاكل الأمنية والسياسية التي تؤثر سلباً على حياة المواطنين.
في الآونة الأخيرة، شهدت البلاد تصاعدًا في العنف والتوترات السياسية، مما أدى إلى نزوح الآلاف من الأشخاص وتفاقم الأوضاع الإنسانية. وتشير التقارير إلى أن أكثر من 8.5 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية في السودان، بما في ذلك 2.5 مليون نازح داخلي و700,000 لاجئ وهذه الأرقام مرجحة للصعود، ويشير مدير الطوارئ الإقليمي بمنظمة الصحة العالمية ريتشارد برينان، إن السودان يعاني من أزمة كبيرة على المستوى الصحي أدت إلى نقص الامدادات الطبية وعدم قدرة الأطباء على الوصول إليها، بسبب تعرض المستشفيات والطرق إلى الهجمات العسكرية. [1]
في ذات السياق يمكننا تحليل الوضع بدقة أكثر من وجهة نظر أخرى بعيدة عن الصراعات الأخيرة، حيث يعد السودان من البلدان التي تعاني من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية منذ فترة طويلة. الحرب الأهلية التي استمرت لعقود، والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان تسببت في تدهور الوضع الإنساني للشعب السوداني. وعلى الرغم من جهود المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، فإن الوضع لا يزال صعباً ويتفاوت بين مناطق مختلفة في البلاد. وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة، وما زاد من معاناة السكان هو برودة المواقف العربية والدولية اتجاه الصراع والإكتفاء بتصريحات رنانة حول تهدئة الوضع وإعلان الرغبة في الدخول كوساطة لحل الأزمة، مما يدل على أن كل دولة تنظر من بعید وتعيد حساباتها لعلها تحصل في النهاية على مکاسب خاصة وتحقق أهدافها الخفية وراء تطورات الأحداث. [2]
والجدير بالذكر، أنه في عام 2019، شهد السودان انتفاضة شعبية أدت إلى إطاحة الرئيس السابق عمر البشير. ولكن، بعد ذلك، قاد الجيش الانقلاب ضد الحكومة المدنية المنتخبة، مما أثار حركة احتجاجات واسعة من قبل الشعب السوداني. ومنذ ذلك الحين حتى الآن، تشهد البلاد صراعات مستمرة بين العسكريين والمتظاهرين المدنيين، مما أدى إلى تدهور الوضع الإنساني في البلاد. كذلك أدى انتشار فايروس كورونا إلى سوء الأوضاع الإنسانية في البلاد بسبب تفشي الفايروس بشكل كبير، وأدت أزمة كورونا إلى ارتفاع الأسعار ونقص في المواد الغذائية والمستلزمات الطبية. وقد أجبر هذا التدهور المزيد من الناس على اللجوء إلى المخيمات الاجتماعية والمراكز الإنسانية للحصول على المساعدات الأساسية. وكل ذلك كان له تأثير عكسي على تطور الوضع الإنساني وخاصة توالي لك الأزمات وراء بعضها وصولاً إلى الصراعات الحالية التي فاقمت الوضع لدرجة كبيرة وأصبح من الصعب تقدير الإحصائيات الأخيرة حول تشريد السكان وعدد اللاجئين والضحايا بدقة. وتشير البيانات الرسمية أن نسبة البطالة في السودان ازدادت 19%، و وصلت نسبة البطالة بين الشباب حوالي 34% وبين الخريجين 48% وبين النساء 45%، وفقاً لنشرات رسميةـ [3]
علاوة على ذلك، فإن تدهور الوضع الاقتصادي في السودان له تأثير كبير على المناطق الريفية والبعيدة، حيث يعتمد العديد من السكان على الزراعة والثروة الحيوانية لتأمين معيشتهم. ومع تدني الأسعار وارتفاع التكاليف، وانعدام الأمن والإستقرار صار من الصعب على المزارعين والمربين الحفاظ على مزارعهم ومواشيهم، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية.
في السياق ذاته يحاول المجتمع الدولي أن يتدخل للمساعدة في تحسين الوضع الإنساني في السودان، وذلك بتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية الضرورية لتلبية احتياجات الشعب السوداني. و أيضاً يتعين على الحكومة السودانية أن تراعي التزاماتها لتحسين الوضع الإنساني والسياسي داخل البلاد. وبالنظر إلى الصراعات الأخيرة، يتوجب على الدول الأجنبية والمنظمات الدولية أن تتحلى بالشفافية والمسؤولية في دعمها لأي جانب في هذه الصراعات، وعدم التورط في توزيع الأسلحة أو المال بطريقة غير قانونية أو غير شفافة. والملاحظ أنه مؤخراً تم الإبلاغ من قبل معظم الدول لجميع سفاراتهم في السودان أن يسرعوا بإجلاء رعاياهم بالسرعة القصوى، وهذا مؤشر لمستقبل عارم بالفوضى ولايبشر بحل سريع، و خاصة في ظل ما ذكرناه سابقاً حول ردود فعل تلك الدول اتجاه الأزمة وفشل المساعي الدولية بالسيطرة على الوضع لإبقاء الهدنة مستمرة؛ كالهدنة الأخيرة التي تم خرقها بعد أن بدأت بوساطة أمريكية وسعودية[4]. وهنا لايسعنا القول إلا ان كل هذه الصراعات والنزاعات يبقى ضحيتها الشعب السوداني و والوضع الإنساني المزري في البلاد يوماً بعد يوم.
حسام السلامة
[1]https://www.youtube.com/watch?v=wvGmgWKwrTg&ab_channel=AlJazeeraArabic%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A9
[2]https://www.youtube.com/watch?v=4XR_35UvJtg&ab_channel=AlJazeeraArabic%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A9
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال