الولايات المتحدة تحدد مستقبل أوروبا! 38

الولايات المتحدة تحدد مستقبل أوروبا!

ها نحن في الأيام الأخيرة من الماراثون الكبير للانتخابات الأمريكية حيث سيختار الشعب الأمريكي مسار مستقبل بلاده. لكن قراراتهم لا تؤثر فقط على مستقبل الولايات المتحدة، بل قد يكون لها تأثيرات عميقة على مستقبل المجتمع الدولي بأسره. في هذا السياق ستكون أوروبا والصين الأكثر تأثراً باختيار الرئيس الأمريكي الجديد.

ترامب والعلاقات الباردة مع أوروبا!
لقد كان دونالد ترامب الذي شغل منصب رئيس الولايات المتحدة لفترة واحدة يدير العلاقات مع أوروبا بناءً على المصالح الاقتصادية. كان يعتقد أنه لا ينبغي إعطاء أوروبا "مقعداً مجانياً" بل يجب على الأطراف الأوروبية دفع مقابل الخدمات التي تتلقاها من الولايات المتحدة. في الواقع كان رأي ترامب مختلفاً تماماً عن باقي القادة الأمريكيين. فقد كان لدى القادة السابقين وكذلك الرئيس بايدن بعده نظرة متفاوتة تجاه أوروبا. كان يُنظر إلى أوروبا على أنها شريك استراتيجي ضمن الإطار الجيوسياسي الأمريكي، وكان الهدف هو جعل أوروبا جزءاً من الكتلة الدفاعية والاقتصادية الغربية. كما كانت هذه العوامل هي السبب وراء تأسيس الناتو الذي تعرف الولايات المتحدة من خلاله كجزء من التكتل الغربي.

في هذا الإطار تم تشكيل علاقات وثيقة وتنسيق عالي بين أوروبا وخاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حيث كانتا القوتان الكبريان اللتان تتعاونان بشكل وثيق نحو تحقيق أهداف استراتيجية مشتركة، من بين ذلك سياسة احتواء الصين ومواجهة روسيا.

لكن مع مجيء ترامب تغير هذا المنظور تماماً إذ كان يسعى لتحقيق مصالح اقتصادية وتنمية اقتصاده الوطني. وقد أدى هذا التوجه إلى نشوء خلافات وقضايا ومشاكل مختلفة، خاصة في المواضيع الأمنية، وكان ترامب يعتقد أن على أوروبا أن تتحمل تكاليف أمنها ولا ينبغي على الولايات المتحدة أن تتحمل جميع تكاليف أمن أوروبا. في المرحلة التالية اتجه ترامب لوضع قوانين تجارية جديدة مع أوروبا لدعم السوق الاستهلاكية والإنتاجية الأمريكية. كل هذه الإجراءات أدت إلى خلق رؤية جديدة في أوروبا للتفاعل مع الولايات المتحدة. وفي ذلك الوقت عملت أوروبا على تقييد علاقاتها الاقتصادية مع الصين لكسب ود ترامب لكنها تبدو مهيأة لعدم تكرار ذلك في المرحلة الجديدة حتى لو تولت كامالا هاريس الرئاسة.

هل أوروبا مستعدة!
يبدو أن أوروبا استعدت لجميع السيناريوهات المحتملة. لقد وضعت في البرلمان والمجلس الأوروبي برامج متنوعة للتفاعل مع الولايات المتحدة والصين. وبذلك يُعتقد أن أوروبا تسعى لتعزيز دورها كفاعل مستقل في النظام الدولي. في الواقع يسعى القادة الأوروبيون إلى وضع مصالحهم في المقدمة لكن السؤال هو: هل تمتلك أوروبا القدرة على تحقيق ذلك؟ بعبارة أخرى تسعى أوروبا لتوازن علاقاتها مع الصين والولايات المتحدة، ولن تظل هذه المرة خاضعة تمامًا لأمريكا.

من جهة أخرى تعتمد أوروبا على الولايات المتحدة في المجال العسكري والأمني، وبعد حرب أوكرانيا أصبحت تعتمد عليها أيضًا في مجال الطاقة. لذا سيكون من الصعب على أوروبا ببساطة تحقيق توازن العلاقات مع قوى عظمى مثل الولايات المتحدة والصين. لقد تمكنت الولايات المتحدة من خلال استراتيجيات طويلة الأمد وموجهة، من زيادة اعتماد أوروبا عليها بصورة أكبر والحفاظ على قدرتها على التأثير على هذه الكتلة المهمة.

كما يبدو أن أوروبا تحاول تقليل اعتمادها الاستراتيجي على الولايات المتحدة من خلال تنويع مصادرها، بدءًا من مشروع الجيش الأوروبي إلى مشروع أوروبا الخضراء، مما يمكن اعتباره سعيًا نحو الاستقلال الكامل عن الولايات المتحدة لتعزيز قدرتها التفاوضية. ولكن يبدو أن الطريق نحو هذا الاستقلال طويل ومليء بالتحديات، مما سيتطلب من أوروبا تكبد تكاليف كبيرة. في هذا الصدد لن تظل الولايات المتحدة وخاصة تحت قيادة ترامب بلا تحرك وإنما ستواصل نشاطها، ومن المحتمل أن تمر أوروبا بفترة من العزلة العالمية لا مثيل لها في السابق، وهو ما قد يؤثر على اقتصاد ومستقبل القارة الأوروبية بشكل دائم وطويل الأمد. يبقى أن نرى من سيكون اختيار الأمريكيين وما سيكون موقفهم العملي تجاه أوروبا.

امین مهدوي
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال