خلال العقود الأخيرة، وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بذلت الولايات المتحدة الأمريكية جهوداً كبيرة لتعزيز هيمنتها في الساحة العالمية وزيادة المنافع الناجمة عنها، حيث أرادت أن تُعرف كقوة عظمى وحيدة في "التجمع العالمي". ومع ذلك فقد بدأت في السنوات الأخيرة تظهر علامات تدل على انحدار هذه الهيمنة. يُعَدّ بروز قوى جديدة في مجال العلاقات الدولية ومحاولاتها لتشكيل نظام دولي متعدد الأقطاب من جهة، والاتجاه نحو نوع من التوجهات اليمينية المتطرفة داخل الولايات المتحدة، والذي تجلى بفوز ترامب في عام 2016 من جهة أخرى، جميعها علامات تعكس تراجع الولايات المتحدة.
سرعة انحدار الولايات المتحدة ضمن أجواء الانتخابات الرئاسية
بينما لا يزال هناك 100 يوم فقط حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، اعترف جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة، بخجل بفشله المبكر وهرب من ساحة قضاة الرأي العام من خلال انسحابه من المنافسات الرئاسية.
لكن بايدن لم يخسر فقط في الداخل، بل أضعف أيضاً بشكل كبير من مصداقية الولايات المتحدة خارج الحدود. إن الهفوات المتعددة التي ارتكبها جعلت واشنطن تبدو بهذا القدر من عدم المصداقية حتى أن مؤيديه لم يكونوا مستعدين لدعمه. الولايات المتحدة، من خلال شن الحروب الواسعة، حولت العالم عملياً إلى أداة لممارساتها السياسية الطموحة، والآن لا يريد الأمريكيون أو شعوب العالم أن يستمر رمز هذه السياسات، وهو رئيس الولايات المتحدة في الحكم لأربع سنوات أخرى.
ورغم أن المرشحين الآخرين في هذه المنافسات لا يتمتعون بسجل أفضل من بايدن، إلا أن انسحاب الرئيس القائم يُعَدّ رمزاً لقبول البيت الأبيض الهزيمة أمام شعب هذا البلد.
من المؤكد أن انحدار قوة الولايات المتحدة على المستوى العالمي قد بدأ منذ سنوات، لكن لا شيء يمكن أن يُظهر العار والإرهاق في الهيكل السياسي لهذا البلد مثل انسحاب بايدن الإجباري من ساحة الانتخابات. [1]
اعتراف ترامب بانحدار الولايات المتحدة
على الرغم من أنه قد تم مناقشة انحدار الولايات المتحدة بشكل متكرر داخل البلاد وخارجها، فإن اعتراف المرشحين للانتخابات الرئاسية بهذه القضية يُظهر أن الوضع في البلاد قد بلغ من الخطورة ما يُجبر الحديث عن انحدار الولايات المتحدة على الظهور في المناظرات الانتخابية. وكان ذلك واضحاً عندما قال دونالد ترامب في المناظرة الانتخابية التي أُجريت مع جو بايدن: "في جميع أنحاء العالم، لم نُعد نحظى بالاحترام كدولة. هم لا يحترمون قيادتنا لم يعد لديهم احترام للولايات المتحدة." وأضاف أيضاً: "لقد أصبحنا مثل دولة من دول العالم الثالث" [2]
وكان الرئيس السابق للولايات المتحدة قد اعترف سابقاً بسقوط الهيمنة العالمية للدولار، قائلاً: "إن الولايات المتحدة تتجه بسرعة نحو الجحيم ولم نعد قوة عظمى، رغم أننا ما زلنا نملك هذه القوة، إلا أنها تتجه نحو الانهيار." كما أعلن دونالد ترامب، الرئيس السابق للولايات المتحدة في حوار مع نشرة "فوكس بيزنس" الأميركية أن تراجع مكانة الدولار كعملة احتياطية في العالم "يعد حدثا أكبر من خسارة أي حرب".[3]
إجبار أمريكا على التخلي عن الهيمنة العالمية
لقد أصبحت نظرية انحدار أمريكا مقلقة للسياسيين الأمريكيين لدرجة أن "داوجلاس ماكغريغور"، مستشار حكومة دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة السابق قال في مقابلة مع قناة يوتيوب "ديب دايف": "لا تزال واشنطن تعتقد أننا نفس البلد الذي كان في عام 1991، وما زالت تعتقد أن روسيا ضعيفة. في حين أننا فقدنا السيطرة ولا أحد يثق بنا وهذا يعني أن الولايات المتحدة بحاجة إلى نهج جديد للتعامل مع بقية العالم."
وأضاف: "يجب أن نقول بوضوح أنه طالما لم يتم الهجوم المباشر علينا أو على مصالحنا الاستراتيجية الحيوية لن نستخدم القوة العسكرية." وأردف هذا المسؤول الأمريكي السابق: "لقد ملّ العالم بأسره من استخدام القوات المسلحة الأمريكية لأسباب جيدة وسيئة. يجب على واشنطن أن تتخلى عن هذه الهيمنة العسكرية العالمية بسبب القيود المالية." [4]
خلاصة القول
منذ سنوات أصبحت الولايات المتحدة وبسبب السياسات التي طبقها رجال الدولة في هذا البلد تتجه نحو مسار الانحدار والانهيار، وهو أمر اعترف به تقريباً جميع السياسيين الأمريكيين، بما في ذلك ترامب رئيس الولايات المتحدة السابق. في مثل هذه الظروف ومع بقاء حوالي 100 يوم حتى الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة وقد قبل بايدن هزيمته المبكرة أمام ترامب، سيكون الخيار أمام الشعب الأمريكي بين السيء والأسوأ، إذ إن ترامب أو أي شخص يكون خلف بايدن لا يمكن أن يكبح هذا الانحدار، وبدون شك سيؤدي استمرار هذا الاتجاه إلى مواجهة واشنطن بأزمات داخلية وعدم استقرار.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال