انقلاب خاطف في القارة الأفريقية 352

انقلاب خاطف في القارة الأفريقية

خلال الأيام الأخيرة أثار خبر الانقلاب في غينيا بيساو مجددًا مسألة عدم استقرار الحكومات في القارة الأفريقية. و تُعدّ مسألة عدم استقرار الحكومات في القارة السمراء قضيةً تُعاني منها دول هذه المنطقة منذ عقود. واجهت غينيا بيساو انقلابًا بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية(١)، وبعد هذا الحادث أُغلقت حدودها وأُقيل الرئيس الحالي سيسوكو. ووفقًا لخبراء أمنيين قد يكون الانقلاب في غينيا بيساو بداية حرب بالوكالة في هذا البلد وبدايةً لعدم الاستقرار في غرب أفريقيا. ستتناول هذه الدراسة الأبعاد السياسية والأمنية للانقلاب في غينيا بيساو.


القصة ليست مجرد تغيير في السلطة في دولة أفريقية صغيرة:

يجب تحليل هذا الحدث في سياق "الصراع الكبير بين الصين والولايات المتحدة على النفوذ في أفريقيا"، إن الصراع الدائر اليوم بين القوى الكبرى في أفريقيا هو حرب بالوكالة للسيطرة على مواردها والوصول إلى الجغرافيا السياسية للقارة السمراء. إن النظام الذي رسمته الدول الغربية للدول الأفريقية بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد قابلاً للاستمرار، والدول الشرقية عازمة على ضم الدول الأفريقية إلى صفها خلال الفترة الانتقالية للنظام الدولي الجديد، ولهذا السبب من المتوقع أن يكون الانقلاب في غينيا بيساو حدثًا هامًا.


إن انسحاب غينيا بيساو من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) وانضمامها إلى الكتلة "الشرقية" يعني الانضمام إلى تيار ابتعد تدريجيًا عن نفوذ الولايات المتحدة وفرنسا على مدى السنوات القليلة الماضية، ويتجه نحو التعاون مع الصين وروسيا والنظام متعدد الأقطاب.


الانقلابات أداة لإعادة توزيع السلطة في الحرب الصينية الأمريكية:

إن عدم الاستقرار في وسط وغرب القارة الأفريقية، والذي تجلى في الانقلابات التسعة الأخيرة في هذه المنطقة هو قضية فرضتها دول من خارج المنطقة، وفي هذا الصراع تكمن النقطة المهمة في استفادة الشرق والغرب من بعضهما البعض. يمكن للدول الأفريقية بفضل ثرواتها الممنوحة من الله، أن تكون أدوات قوة لدول ذات نفوذ عالمي. تُعد هذه القضية حيوية للغاية بالنسبة لدول المنطقة لدرجة أن الأنظمة الأفريقية الراسخة تخضع بسهولة لتغييرات سياسية عنيفة وعلى حساب هذه الدول نفسها، وعادةً ما تكون للجيوش الأفريقية الكلمة الفصل في إعادة توزيع القوة هذه.


لماذا تتفوق الجبهة الشرقية في أفريقيا؟

بالنسبة للصين فلديها استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتجارة دون شروط سياسية.

ولدى روسيا وضع وفر نموذج أمني أقل تكلفة وأكثر فعالية للدول الهشة.

وأما بالنسبة لأمريكا وفرنسا فقد تراجعت المصداقية بسبب الفشل في السيطرة على الإرهاب والمشاكل الاقتصادية الداخلية.

في الواقع يبدو تفوق الدول الشرقية في القارة الأفريقية منطقيًا للغاية، لأن هذه الدول لا تؤمن بتفوقها المتأصل على شعوب الدول الأفريقية، ولا توجد عقلية سلبية تجاهها في اللاوعي لدى الدول الأفريقية. وقد أدت هاتان النقطتان إلى أن تتجه هذه الدول الأفريقية نحو النظام الشرقي أكثر من احتضانها للنظام الغربي الذي نقش تاريخه الطويل من العبودية والقتل والنهب بعمق في أذهان الشعوب الأفريقية.


التبعات الجيوسياسية للانقلاب في غينيا بيساو:

على الرغم من صغر حجم غينيا بيساو، إلا أن انخراطها في موجة الاستشراق يُخلّ بالتوازن التقليدي للغرب في خليج غينيا، ويُعزز دائرة النفوذ الصيني الروسي في غرب أفريقيا. مع تشكيل حكومة جديدة في غينيا، ثمة احتمال لحدوث تغيير جذري في الدول المجاورة، وسرعان ما ستمتد موجات الاستشراق إلى معظم دول منطقة وسط أفريقيا، وستسقط الحكومات غير المستقرة التي اعتمدت كليًا على مساعدة الأجهزة الأمنية الغربية، الواحدة تلو الأخرى لأن تأثير انقلاب في دولة أفريقية واحدة سينعكس على جيرانها.


باختصار، تجدر الإشارة إلى أن الانقلاب في غينيا وقع في وقت كانت فيه الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا تسعى إلى دعم الحكومات القريبة منها في هذه المنطقة. ونظرًا لأن الدول الأفريقية غير المستقرة تعتمد كليًا على القوة العسكرية ودعم الدول الغربية ولا تتمتع بشرعية شعبية، فهناك احتمال لانقلاب في هذا الوضع الهش. إن الانقلاب في غينيا بيساو لن يكون الانقلاب الأول أو الأخير في القارة السوداء وعلينا أن نراقب الانقلابات الأخرى في القارة الأفريقية.



أمير علي يگانة


1.https://www.aljazeera.com/news/2025/11/27/guinea-bissau-military-appoints-general-as-transition-president-after-coup



لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال