باكو مطرقة الناتو في القوقاز 576

باكو مطرقة الناتو في القوقاز

قبل سنوات ومنذ توقيع الاتفاقيات الأولية بين باكو وحلف الناتو عام ١٩٩٤ كانت بداية التعاون العسكري والتعليمي والدبلوماسي بين الطرفين التي مهدت الطريق لتغييرات جذرية في ميزان القوى في المنطقة وأعادت تعريف العلاقات الجيوسياسية في منطقة القوقاز كمجال نفوذ تقليدي لروسيا.


ولاحقًا في أوائل عام ٢٠٠٨ استمر هذا التعاون في إطار برنامج الناتو لتعزيز التطوير الدفاعي مع التركيز على إصلاحات قطاع الدفاع، وبرامج مكافحة الإرهاب والتعاون العلمي. ونتيجةً لذلك شهدنا تعاونًا رمزيًا بين الناتو وباكو لسنوات، ونشهد الآن خطوات جديدة من حكومة باكو لتعميق التعاون مع الناتو.[1] وفي إطار هذا التعاون العميق التقى رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف يوم الخميس الماضي في باكو بممثلي ١٥ دولة عضوًا في الناتو وناقش الطرفان تطوير التعاون الدفاعي وأمن الطاقة وتجهيز الجيش وتحديثه ودور جمهورية أذربيجان في مهام الناتو.[2]


تجدر الإشارة هنا إلى أن الاجتماع الأخير يجب تقييمه بالتأكيد على أنه أكثر من مجرد حدث دبلوماسي عادي أو برنامج تطوير روتيني وأن حضور ممثلي الناتو من الدول الأوروبية والولايات المتحدة في هذا الاجتماع يُعدّ دليلاً على عزم الغرب الراسخ على تعميق التعاون العسكري والاستخباراتي والتقارب العسكري الأمني على الحدود الجنوبية لروسيا وفي الوقت نفسه الحدود الشمالية لإيران.


أدت التطورات الأخيرة في باكو ونتائج هذا الاجتماع إلى جانب تعزيز الوجود الأمني ​​الغربي في منطقة حساسة إلى عواقب أمنية على توازن القوى الإقليمي وستؤدي هذه العواقب في نهاية المطاف إلى اتساع أجواء التنافس بين روسيا وحلف الناتو في القوقاز. تجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين موسكو وباكو وخاصة بعد إسقاط طائرة الخطوط الجوية الأذربيجانية في أدنى مستوياتها.[3]


ومن بين العواقب الاستراتيجية الأخرى لهذه التطورات يمكن أن نذكر أيضاً التحدي الذي يواجهه النفوذ الروسي التقليدي في القوقاز. بعد سنوات من الوجود الروسي القوي في تلك المناطق سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر ينبغي أن نتوقع رد فعل موسكو المحتمل على هذا الوجود.[4]


يُقدّر العديد من الخبراء أن الإجراءات الأخيرة لحلف الناتو في باكو ستُغيّر جذريًا معادلات توازن القوى في المنطقة، وإذا لم تُتّخذ إجراءات في الوقت المناسب لمواجهة تطور سياسات الغرب الطموحة فسيتم تمهيد الطريق لإعادة تعريف العلاقات الجيوسياسية. ووفقًا لكونستانتين سيوكوف الخبير العسكري الروسي: "إذا ركّز الناتو جهوده في جنوب القوقاز أولًا، لن يعود بحر قزوين "بحر سلام" وثانيًا، ستزداد التهديدات المختلفة بما في ذلك التهديدات الإرهابية والعسكرية بشكل كبير في هذه المنطقة. لذلك تتطلب إجراءات باكو ردًا مناسبًا من موسكو".[5]


من ناحية أخرى تُوصف التفاعلات والتعاون الأخير بين روسيا ودول أخرى حليفة أو مستقلة في المنطقة والعالم بأنه نوع من نظام متعدد الأقطاب جديد غير متوازن. ورغم أن نفوذ روسيا في المنطقة قد تراجع نوعًا ما مقارنةً بالماضي بسبب برامجها العسكرية المكثفة وتورطها في النزاعات، إلا أنها لا تزال القوة المهيمنة في القوقاز من خلال وجودها العسكري ونفوذها الاقتصادي وعمق نفوذها السياسي. ولا تزال البلاد تتمتع بقواعد قوية في أرمينيا وحول جورجيا وأجزاء أخرى من القوقاز.


يعتقد العديد من الخبراء والمحللين أن أحد الأهداف الرئيسية لحلف الناتو في تطويره الصامت هو تشكيل اتفاقية غير مكتوبة تُسمى "الناتو التركي"، وسيكون هدفه الرئيسي احتواء إيران والصين وروسيا من خلال إنشاء منطقة عازلة تركية في آسيا الوسطى. من هذا المنظور ومع توسع التعاون بين جمهورية أذربيجان وحلف الناتو ستصبح حدود الناتو مع روسيا وإيران أقرب.


تستغل باكو الفراغ الذي يتركه انشغال إيران وروسيا عن منطقة القوقاز لتُقدّم مع حلف الناتو مشروعًا لن تكون نتيجته بالتأكيد ما توقعه أيٌّ من اللاعبين الإقليميين، وسيُسبّب في نهاية المطاف مشاكل وأزمات جديدة. والآن و بدون شك يُمكن اعتبار الوجود المتزايد للغرب في هذه المنطقة الحساسة وتوسّع مساحة التنافس بين روسيا وحلف الناتو في القوقاز بدايةً لتكثيف المنافسة الجيوسياسية الجديدة. حيثُ تعرّض أمن القوقاز للخطر بحجة تطوير باكو للقطاع العسكري ومع وجود الناتو وزيادة التعاون وإجراء التدريبات المشتركة ووجود خبراء وقوات استخباراتية وأمنية وعسكرية غربية، سنشهد مراحل تحوّل جزء من القوقاز إلى منطقة خاضعة للسيطرة الكاملة للتحالف الغربي وستكون باكو في أيدي الناتو بمثابة المطرقة التي سيلوح فيها الغرب بوجه خصومه.



نويد دانشور


[1] https://www.trtrussian.com/article/cdc504a9d6f6

[2] https://vz.ru/news/2025/11/6/1372040.html

[3] https://www.newsweek.com/russia-azerbaijan-aliyev-putin-2103182

[4] https://www.newsweek.com/russia-alarmed-new-nato-presence-on-doorstep-11009345

[5] https://vz.ru/world/2025/11/7/1372190.html

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال