بريطانيا تُثير الحرب! 263

بريطانيا تُثير الحرب!

مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية أعلنت بريطانيا دعمها الكامل لأوكرانيا. لطالما كانت الحكومة البريطانية سبّاقة في تقديم الدعم المالي والعسكري واللوجستي لأوكرانيا، ويبدو أن الجذور التاريخية للنزاع الروسي البريطاني لم تُغيّب لندن عن نهجها. في أحدث الإجراءات عرض قصر باكنغهام وحكومة ستارمر قرضًا بقيمة 2.7 مليار دولار تقريبًا لأوكرانيا. وخلافا للتكهنات الأولية بأن هذا القرض سيُنفق على الشؤون المدنية، سيُنفق القرض بالكامل على النفقات العسكرية وتوفير الذخيرة لأوكرانيا. سيُدفع هذا القرض لأوكرانيا من أرباح الأصول الروسية المجمدة في بريطانيا، الأمر الذي قد يُسفر عن عواقب وخيمة وتكاليف باهظة على الأطراف المشاركة في الحرب، وكذلك على بريطانيا.[1]


لطالما سعت الحكومة البريطانية بصفتها من أوائل الداعمين لأوكرانيا منذ الحرب إلى تعزيز قوتها العسكرية. تُشدد هذه الدولة دائمًا على ضرورة إنفاق المساعدات المالية التي تُقدمها على الشؤون العسكرية أكثر من البنية التحتية، ومنطقها هو أنه ما دامت سماء أوكرانيا غير آمنة، فإن الإنفاق على البنية التحتية يُعدّ إهدارًا بل وعديم الفائدة. ولكن من أين يأتي هذا الرأي، ولماذا تسعى لندن للحصول على دعم عسكري لأوكرانيا؟ يُوضح هذا السؤال في الواقع النهج الرئيسي لبريطانيا تجاه قضية الحرب.[2]


في الواقع، هناك نقطة ربما لا تحظى باهتمام كبير في وسائل الإعلام والدوائر الإخبارية وهي اقتصاد الحرب. هذا يعني أن توفير الأسلحة والخدمات اللوجستية للحرب سيكون دائمًا باهظ التكلفة، ويمكن للدول التي تُقدم هذه التكاليف أن تُنمّي اقتصاداتها. وحاليا تُدرك بريطانيا التي تُواجه مشاكل اقتصادية عديدة منذ عدة سنوات جيدًا أن إحدى طرق الخروج من هذا المأزق الاقتصادي هي تعزيز المصانع العسكرية واللوجستية في البلاد.


يبدو أن بريطانيا تسعى إلى تحقيق عدة أهداف مهمة من خلال منح هذا القرض. أحدها هو دعم النمو الاقتصادي لهذا البلد المُثقل بالأزمة الاقتصادية. إنهم يُقرضون حكومة زيلينسكي ويدفع الأوكرانيون نفس القرض للشركات العسكرية البريطانية لتزويدها بالأسلحة. سيؤدي هذا إلى تسليح أوكرانيا بالمعدات العسكرية وتعزيز الاقتصاد البريطاني. خاصة وأن الاستياء من أداء الحكومة في المملكة المتحدة قد تزايد، وحكومة ستارمر تحاول تحسين الوضع.


إلى جانب ذلك لا تزال بريطانيا تحاول إبقاء روسيا متورطة في الحرب لإضعاف منافسها التقليدي في أوروبا قدر الإمكان وتقليل المخاطر المحتملة لانتشار الحرب، على الرغم من أن هذا يمثل خطرًا كبيرًا وقد يجبر روسيا على الرد بشكل أكثر قسوة، وبالتالي يؤدي إلى تصعيد التوترات، خاصة في هذه المرحلة من الحرب عندما تكون مسألة السلام ونهاية الحرب على المحك، تحاول روسيا زيادة قوتها التفاوضية من خلال ممارسة المزيد من الضغط على أوكرانيا.

و الآن تُدرك بريطانيا هذا الأمر، فتسعى إلى تقوية أوكرانيا لكسب تنازلات أقل من روسيا. لكن يبدو أن توفير المعدات والتعقيدات القانونية في سداد القروض لأوكرانيا لن يُحقق هذا الهدف، بل إن دعمها لأوكرانيا حتى نهاية الحرب ما هو إلا دعاية داخلية ودولية. هذا الموقف مهم للحكومة البريطانية التي تسعى جاهدةً إلى مواصلة تقديم نفسها كشريك استراتيجي لدول العالم، ولذلك يُمكن تفسير جزء من جهودها في هذا الصدد على أنها سعيٌّ من حكومة لندن إلى تعزيز مكانتها الدولية حتى لو أدى ذلك إلى تأجيج الحرب في أوكرانيا وقتل الأبرياء حتى مع تزايد خطابات نهاية الحرب.


في الواقع تحاول الحكومة البريطانية القول إن أوكرانيا قادرة على مواصلة الحرب بدون الولايات المتحدة، وأن ذلك سيحدث بدعم مالي من الدول الأوروبية. لا شك أن هذا كذب لكن النوايا البريطانية تبدو أكثر تعقيدًا من ذلك.


فبالإضافة إلى سعيها لتحقيق النمو الاقتصادي وزيادة نفوذها السياسي في النظام الدولي، تسعى الحكومة البريطانية، مع مخاطر دفع فوائد على الأصول المجمدة، إلى إيجاد طريقة للتفاوض مع إدارة ترامب لتخفيف الضغط الاقتصادي والجمركي عليها.


في نهاية المطاف، فإن نهج بريطانيا في تقديم القروض للحكومة الأوكرانية يصب في مصلحة بريطانيا وسياساتها طويلة الأجل في النظام الدولي أكثر من كونه دعمًا دائمًا لا لبس فيه لدولة منخرطة في حرب. تؤدي لندن دورها على أكمل وجه وهي تدرك أنها قد لا تحقق أهدافها الرئيسية. ومع ذلك ترى حكومة ستارمر أن تكاليف الفشل لن تكون باهظة بالنسبة لبريطانيا. في المستقبل فقط سنتمكن من فهم مدى مهارة لندن في لعب هذه اللعبة المحفوفة بالمخاطر.




أمين مهدوي



[1] Financial Assistance to Ukraine Bill - Hansard - UK Parliament

[2] UK to move with EU on Russian frozen assets, Starmer says | Reuters



لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال