تمر علينا هذه الأيام الذكرى السنوية الرابعة لإعلان الانتصار التاريخي الكبير على عصابات “داعش” الإرهابية في العراق، وهو يواجه العديد من التحديات الكبرى التي لا بد من اجتيازها بنجاح، حتى لا يتبدد ما تحقق في الأمس بفضل الكثير من التضحيات التي قدمها مختلف أبناء الشعب العراقي، بسبب الحسابات الآنية، والمصالح الضيقة، والاختلافات والخلافات السطحية العابرة.
لا شك أن التضحيات الجسام في مواجهة عصابات “داعش” طيلة عدة أعوام، كانت من أجل صون عزة وكرامة وأمن واستقرار العراق والعراقيين، والحفاظ على حرماتهم ومقدساتهم، بل وأكثر من ذلك تجنيب دول المنطقة وشعوبها شرور ودموية تلك العصابات، وبالفعل كان للانتصارات العراقية الدور الاكبر في منع وصول “داعش” الى دول أخرى.
ولا شك أن هناك جملة عوامل ساهمت مجتمعة في تحقيق الانتصار الناجز بالكامل بعد أكثر من ثلاثة أعوام ونصف من اجتياح “داعش” مدينة الموصل ومدن أخرى.
ولعل فتوى الجهاد الكفائي للمرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد علي السيستاني، مثلت العامل الرئيسي في قلب موازين القوى، وتحويل نكسة العاشر من حزيران-يونيو 2014 الى انتصار شامل ونهائي في العاشر من كانون الاول-ديسمبر 2017. وما بين هذين التاريخين، كانت الوقائع والأحداث تتحرك باتجاهات الوصول الى يوم النصر النهائي، عبر انجازات وانتصارات متلاحقة في كل الميادين والجبهات، اشتركت فيها قوات الجيش والشرطة الاتحادية ومكافحة الارهاب والحشد الشعبي والحشد العشائري وقوات البيشمركة.
في واقع الامر، بقدر ما الهبت فتوى السيد السيستاني الحماس في نفوس آلاف الشباب ليشكلوا الحشد الشعبي المقدس، فإنها ساهمت في اعادة الروح الى جسد المؤسستين العسكرية والأمنية، ليكون الجيش المنسحب والمنكسر والمهزوم أمام عصابات “داعش” في صيف عام 2014، هو صانع النصر الى جانب العناوين والتشكيلات الأخرى في شتاء 2017.
العامل الرئيسي الثاني الذي ساهم في تحقيق النصر التاريخي الكبير هو الحشد الشعبي، الذي وصف بالمقدس، من قبل مختلف أبناء الشعب العراقي، لما قام به من دور مشرف في استعادة هيبة الوطن وحماية المقدسات، وصيانة الحرمات. ولولا الحشد لما استعاد الجيش معنوياته وحماسه، وبالتالي، هيبته ومكانته الوطنية اللائقة.
ومن الطبيعي جدًا أن يكون للحشد الشعبي حيز كبير من مساحة إحياء الذكرى السنوية الرابعة للانتصار الشامل على عصابات “داعش” الارهابية بعد سلسلة من المعارك والملاحم البطولية استمرت أكثر من ثلاثة أعوام،. ولا شك أن إفراد حيز كبير للحشد الشعبي في إحياء ذكرى الانتصار يرتبط أساسًا بالدور المشرف الذي اضطلع به في تحرير الكثير من المدن والمناطق من رجس عصابات “داعش” ومن ثم الحاق الهزيمة النكراء بها. وهذا ما شهد به القاصي والداني، وأقر به العدو قبل الصديق.
وقد قدم الحشد الشعبي الذي تأسس على ضوء فتوى الجهاد الكفائي للمرجع السيستاني آلاف الشهداء والجرحى في مختلف القواطع والجبهات، في ذات الوقت الذي تعرض فيه الى شتى صنوف الاستهداف المادي والمعنوي من قبل جهات خارجية وداخلية، وما زال ذلك الاستهداف قائمًا ومتواصلًا لا سيما مع وجود استحقاقات عديدة، من بينها إنهاء الوجود الأجنبي من البلاد نهاية العام الجاري، وتشكيل حكومة جديدة، وفق برنامج حكومي يعكس طموحات وتطلعات الشعب ويضمن المحافظة على الثوابت والمبادئ الوطنية، تلك الثوابت والمبادئ التي شددت عليها مختلف القوى السياسية الوطنية في أكثر من مناسبة وفرصة.
وبالرغم من بعض الأخطاء والسلبيات التي رافقت مسيرة الحشد طيلة أعوام، إلا أن حجم المنجز كان كبيرًا ويستحق الاشادة والتثمين والتقدير، فقد اضطلع الحشد بمشاركات فاعلة ومحورية في كل المعارك ضد تنظيم “داعش” في الموصل وصلاح الدين والانبار وديالى، فضلًا عن دوره الأساس في حماية العاصمة بغداد والعتبات والمراقد الدينية في كربلاء المقدسة والنجف الأشرف وسامراء.
أما العامل الثالث في تحقيق النصر، فقد تمثل بالدعم الذي قدم للعراق، لا سيما من قبل الجمهورية الاسلامية الايرانية، التي كانت حاضرة في مجالات مختلفة، كالاستشارات العسكرية، والاسناد والدعم اللوجيستي، الى جانب التعاون الامني والاستخباراتي. ولا يخفى الدور الهام والأساسي لقائد فيلق القدس الشهيد القائد الحاج قاسم سليماني في دعم العراق والفصائل المقاوِمة ودحر “داعش”.
وعلى عكس أطراف اقليمية ودولية، وفرت الكثير من الظروف والمناخات المناسبة للارهاب في العراق ودول أخرى في المنطقة، فإن ايران لم تتأخر في المساهمة بإمكانياتها وخبراتها العسكرية وغير العسكرية في التصدي للارهاب الداعشي، انطلاقًا من شعورها بأن التهاون في مواجهة الارهاب، أيًا كانت عناوينه ومسمياته، سوف يؤدي الى استفحاله، وبالتالي اغراق المنطقة والعالم في الفوضى والاضطراب والدماء والخراب.
ومن دون شك، قدم العراق الكثير من التضحيات البشرية والمادية في حربه ضد تنظيم “داعش”، وهذه الحرب خلفت آثارًا سلبية كبيرة على البنى التحتية وعلى مختلف مفاصل الحياة، الأمر الذي يتطلب وضع خطط ومشاريع مدروسة بدقة، وتظافر كل الجهود والطاقات لمحو تلك الآثار السلبية.، ولعل محاربة الفساد الاداري والمالي بصورة جادة وحقيقية أمر في غاية الأهمية، لأن الفساد يمثل الوجه الآخر للارهاب الدموي، وبموازاته لا بد من انهاء الوجود الأجنبي بكل أشكاله ومظاهره من أرض البلاد، واستعادة السيادة الوطنية الكاملة برًا وبحرًا وجوًا، وهذا يعد استحقاقًا وطنيًا مهمًا لا يجوز التهاون فيه تحت أي ظرف من الظروف، كما أكدت بعض القيادات والزعامات السياسية في كلمات وبيانات لها بذكرى تحقيق الانتصار.
فالحؤول دون عودة “داعش”، لا يتحقق إلا بضمان جلاء كل القوات الاجنبية – وتحديدا الاميركية – لأن استمرار وجودها هو الذي يهيئ الظروف والأحوال لعودة الارهاب الداعشي وغير الداعشي، وهو الذي يهيئ الأرضيات لبقاء الفساد والفوضى، واستفحال الأزمات السياسية، وتفاقم المشاكل المجتمعية.
عادل الجبوري
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال