بعد تاريخ 7 أكتوبر وعملية طوفان الأقصى، بدأت إسرائيل حربًا واسعة النطاق ضد فلسطين. وقد أزالت هذه الحادثة القناع عن وجه إسرائيل ومؤيديها، وكشفت الوجه الحقيقي لهم حول المعايير المزدوجة لحقوق الإنسان في الغرب وباتت أكثر وضوحاً من ذي قبل.
أمريكا وسخريتها بحقوق الإنسان
لقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها إحدى الدول الرائدة في مجال حقوق الإنسان، إظهار نفسها كداعم لحقوق شعوب العالم والدفاع عنها ضد المضطهدين. لقد تعرض هذا النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة دائمًا لانتقادات من قبل الدول المستقلة لأنها تطبق معايير مزدوجة وأن حقوق الإنسان هي أداة ضغط سياسي أكثر من كونها قضية إنسانية، والتي تستخدمها الولايات المتحدة متى أرادت.
لكن هذا الاعتقاد لم يكن موجودا عند الشعب الأمريكي، وربما حتى عند معظم الشعب الغربي، وكانوا يعتقدون أن حكومة الولايات المتحدة تدين دولة على أساس معايير حقوق الإنسان فعلاً. لكن الحرب في غزة غيرت كل هذه المفاهيم.
وفي هذه الحرب الوحشية، لم تتمكن حتى وسائل الإعلام من إخفاء مستوى الإجرام والعنف الإسرائيلي. وفي الواقع قبل هذه الحرب، كان الإعلام قادراً على تضليل الجمهور الغربي ولم يكن أحد يلاحظ هذه السرية. لكن هذا الحال لم يستمر في حرب غزة، ولم تستطيع إسرائيل إخفاء الاجرام والعنف المستخدم من قبلها. إن هذه الأعمال الإجرامية التي قامت بها إسرائيل، والتي نفذت بدعم كامل من القوى الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، هي تأكيد كبير و واضح على الدور البارز الذي تلعبه الولايات المتحدة في قتل الشعب الفلسطيني. إن الدعم الشامل وعدم وجود خط أحمر لكل عمل معادٍ للإنسانية تقوم به إسرائيل لتوفير الأسلحة لتدمير مدن وبيوت وخيام اللاجئين الفلسطينيين، لن يكون ممكناً لولا الدعم الأمريكي لإسرائيل.
في الواقع، يمكن رؤية الدعم الشامل للولايات المتحدة من خلال الأرقام، حيث تم إرسال أكثر من 27000 قنبلة إلى إسرائيل بأحجام وقياسات مختلفة بقدرات تدمير كبيرة دون قيود أو ضوابط على استخدامها. و تأمين آلاف الصواريخ وعدد كبير من القنابل المضادة للخنادق، إلى جانب الدعم اللوجستي المكثف للنظام، كل ذلك يُظهر أن أمريكا تقف خلف إسرائيل وتدعمها بكل مايلزم لاستمرار الحرب، بغض النظر عمن هو رئيسها [1]. فمن خلال إرسال أسلحة غير محدودة إلى إسرائيل تكون الولايات المتحدة قد أعطت الإذن بعمل أي فعل إجرامي وقدمت الدعم السياسي لتصرفات هذا النظام الوحشية. ورغم أن بلينكن حاول مراراً رفض الاعتراف بأن بلاده تتخذ سياسات ومعايير مزدوجة، [2] إلا أن كل كمية المعدات المرسلة والدعم المادي والمعنوي يشير إلى سلوك أميركا تجاه إسرائيل ودعمها لجرائم الحرب والقتل الوحشي.
وبالإضافة إلى ذلك لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة، وهي النظرة العنصرية الضمنية لتصرفات الغرب، وخاصة تجاه أمريكا. في الواقع فإنهم يدعمون الإبادة الجماعية المرتكبة في فلسطين لأن العديد من السياسيين الغربيين لديهم وجهة نظر مناهضة للعنصرية تجاه غير البيض. ولذلك فإنهم لن يتأثروا كثيراً بقتل النساء والأطفال الفلسطينيين، لأن القيم الإنسانية المحددة لهم لا تتحدد إلا في سياق العرق الأبيض. بالإضافة إلى ذلك، سيكونون سعداء للغاية لأن الفلسطينيين والعرب يتقاتلون ضد بعضهم البعض ولن يتوانوا عن توفير الأسلحة لاستمرارية هذه الحرب. وتكشف هذه النقطة عن النظرة العنصرية لدى بعض القادة الغربيين. لأن القضية المهمة بالنسبة لهم ليست حياة البشر، بل المصالح المالية والسياسية. ويمكن رؤية هذه القضية في مواقف ممثلي الكونجرس ومجلس الشيوخ الأمريكي. حيث يعطون كافة الحقوق لإسرائيل بغض النظر عن الأسباب الحقيقية للأحداث ويدعمون عنفها وقتل الأبرياء. وبالإضافة إلى النظرة العنصرية، و يجب أن نذكر أيضًا الدوافع الدينية للغربيين، حيث يدعمون الصهاينة بكل الطرق، لكنهم يغيرون القضية لصالح الشعب الفلسطيني. تعتبر هذه القضايا مؤشرًا جيدًا لجذور وجهات النظر المعادية للفلسطينيين في الغرب، والتي لديها معايير مزدوجة فيما يتعلق بحقوق الإنسان[3].
ومن ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن هذا المعيار المزدوج قد تأكد لدى جميع شعوب العالم اليوم. ويمكن ملاحظة ذلك في الاحتجاجات المدنية الواسعة النطاق التي قام بها الناس في الغرب والشرق، وخاصة في أوروبا وأمريكا. هذه الحادثة قضية مهمة للغاية وتعني أن الناس أصبحوا أكثر وعيا من ذي قبل، كما أنهم لم يعودوا ينظرون إلى القضية الفلسطينية من وجهة نظر وسائل الإعلام الغربية الرسمية. وهذا يعني أن الحكومات الغربية تتعرض الآن لضغوط أكبر حول تطبيقها لقضايا حقوق الإنسان وأن الناس لن ينسون سلوكهم المزدوج هذا. في الواقع لم تعد حقوق الإنسان الآن سلاحًا و ذريعةً بيد الغرب وخاصة أمريكا، بل أصبحت وسيلة وأداة قديمةً وغطاءً استخدموه مقابل الدعم الشامل لإسرائيل.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال