لم تتمكن ألمانيا بعد رحيل المستشارة السابقة آنجيلا ميركل من الوصول إلى قائد موحد وقوي رغم كل المحاولات التي بذلها السياسيون وقادة الأحزاب السياسية. وقد تجلى هذا الفراغ القيادي في نتائج الانتخابات البرلمانية الوطنية والمحلية في البلاد حيث لم تتمكن أي من الأحزاب من تحقيق أغلبية ساحقة.
بينما كانت الحكومة الألمانية مشغولة بتحضير الميزانية لعام جديد إلى البوندستاغ (البرلمان الوطني)، تعرضت ألمانيا لصدمة كبيرة بعد إقالة وزير المالية بواسطة المستشار شولتز[1] وكان لهذا الحادث أهمية خاصة لأنه بإقالة وزير المالية انهار الائتلاف الحاكم بقيادة السيد شولتز مما يعني أن الحكومة يجب أن تحصل على ثقة جديدة من البوندستاغ لمواصلة عملها. والآن لم تعد الحكومة الألمانية حكومة أغلبية بل أصبحت حكومة أقلية تعمل بشكل هش حتى الحصول على ثقة جديدة.
يبدو أن المستشار مدرك بعدم كفاءة حكومته ويسعى إلى إجراء انتخابات مبكرة أي قبل حوالي 6 أشهر من موعدها المحدد. ومع ذلك فإن بعض أحزاب المعارضة وقادتها مثل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا يدعون لإجراء انتخابات في وقت أقرب بكثير. ويعتقدون أن فترة شولتز كمستشار قد انتهت وأن ألمانيا بحاجة إلى قيادة حقيقية وديناميكية جديدة.
ومن بين الأشخاص الذين يتمتعون بفرص كبيرة لتولي منصب المستشار يوجد روبرت هابك من حزب الخضر وفريدريش ميرتس زعيم المعارضة المحافظة.[2] حيث يكمن قلق "هابك" في أنه في ألمانيا المقسمة اليوم سيكون من الصعب تشكيل حكومة ائتلاف وطني وإذا لم تتوصل الأحزاب إلى توافق فقد تجد البلاد نفسها في أزمة سياسية كبيرة وصعبة.
أما بالنسبة لميرتس فالوضع مختلف قليلًا فهو يتمتع بدعم جيد ويسعى للوصول إلى منصب المستشارية كي يتمكن من المساعدة في إنعاش ألمانيا. ويعتقد أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال مجموعة من السياسات الراديكالية حتى خارج إطار الأعراف الدولية لتعزيز القوة الاقتصادية والسياسية لألمانيا. يعبر عن رأيه بأن الحدود الألمانية يجب أن تُغلق أمام اللاجئين ولا يثق كثيرًا في المعاهدات العالمية المتعلقة بتغير المناخ كما يُظهر اهتمامًا كبيرًا بالاقتصاد الرأسمالي.
في الواقع يبدو أن وجود ميرتس قد يكون حدثًا جديدًا لألمانيا لأنه سيكون في نفس فترة ترامب وعلى الرغم من بعض الانتقادات التي وجهها للرئيس المنتخب الأمريكي في فترة سابقة إلا أنه يعتقد الآن أنه يمكنه إقامة علاقات جيدة معه.
يبدو أن ميرتس يسعى أيضًا إلى كسب دعم التيارات اليمينية المتطرفة. وهو يعرف جيدًا أنه إذا تمكّن من الحصول على تأييدهم فإنه سيمتلك ورقة رابحة نحو الوصول إلى منصب المستشار. ورغم ذلك يجب الانتباه إلى أن ألمانيا دولة تستقبل المهاجرين وأن السياسات المعادية للهجرة أو التمييز قد تتحول إلى أزمة اجتماعية جدية وكبيرة في البلاد. إضافة إلى ذلك تعتبر ألمانيا نفسها ملتزمة بدعم شامل لأوكرانيا وغياب الحكومة فيها سيكون قضية مهمة لأوكرانيا أيضًا. علاوة على ذلك يؤمن ميرتس أنه يجب دعم أوكرانيا بالكامل وهو موضوع قد يصبح محط خلاف بين ألمانيا والولايات المتحدة في عهد ترامب. لذلك سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما هي خطط ميرتس في حالة وصوله إلى المستشارية فيما يتعلق بهذه القضايا والحوار مع الولايات المتحدة.
لذا يبدو أن أحد الأعمدة الرئيسية للاتحاد الأوروبي يتجه نحو مواجهة تحدٍ داخلي كبير جدًا وهو تحدٍ سيكون له آثار عميقة على ألمانيا وعلى الاتحاد الأوروبي بكامله أيضًا. يمكن أن يؤثر هذا الحدث سلبًا على قوة الاتحاد الأوروبي ككتلة واحدة، ويزيد من الخلافات بين أعضائه وبشكل خاص يبدو أن الوضع الاقتصادي داخل الاتحاد الأوروبي ليس مشجعًا للغاية وأن السياسات الاقتصادية للحكومة الألمانية ستتركز أكثر على القضايا الوطنية والمحلية بدلاً من القضايا المتعلقة بالاتحاد الأوروبي نفسه.
أيضًا تواجه ألمانيا في حال إجراء انتخابات جديدة قضية اختلاف الآراء الحادة. حيث أن الشعب لا يحمل الكثير من الآمال بالسياسيين من الأحزاب المختلفة، مما يعني أنه ربما لن يتم تشكيل أغلبية حاكمة وفي هذه الحالة سيكون تشكيل حكومة ائتلافية مشكلة جدية بنفس الطريقة التي حدثت مع شولتز. والآن يجب الانتظار ورؤية ما هي خطط المستشار الحالية وهل سيتجه نحو إجراء انتخابات مبكرة أم لا، وفي النهاية أي الأحزاب ستنال تأييد الشعب الألماني لتولي قيادة البلاد في المستقبل.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال