681
بعد تورطه طيلة فترة حكمه في قضايا سياسية وفساد كبيرة، قدّم نتنياهو مؤخرًا طلبًا مكتوباً بأكثر من مئة صفحة إلى رئيس النظام الإسرائيلي، طالبًا فيه العفو الرئاسي. وقد رافق هذا الإجراء موجة من ردود الفعل المتباينة داخل الكيان وخارجه وهذا يُظهر أهمية قرار الرئيس بشأن كيفية إدارته لهذه القضية.
يتمتع الرئيس في الدستور الإسرائيلي بصلاحيات واسعة للعفو، ويمكنه العفو عن الشخص المُدان. ومع ذلك في هذه القضية تحديدًا قُدّم نتنياهو طلب العفو قبل مراجعة إجراءات المحكمة وإعلان الحكم، مما زاد من تعقيد المسألة. في الواقع لم يُقدّم مثل هذا الطلب من قبل، وهناك قضية واحدة فقط تتعلق بجهاز الأمن الداخلي للنظام في الماضي البعيد. لذلك يواجه هرتسوغ قرارًا صعبًا بشأن ما يجب فعله.
لقد أقسم رئيس النظام على اتخاذ قرار يراعي مصالح الجميع ويتجنب السياسة. وقد أثير هذا الموقف في الوقت الذي أيَّد فيه الرئيس الأمريكي ترامب أيضًا مقترح العفو عن رئيس الوزراء واصفًا إياه بنفس الوقت بأنه لعبة سياسية واحتيالية.[1]
وقد أثار طلب العفو موجة من الآراء المتباينة في الأراضي المحتلة. فقد أيدت جماعات اليمين المتطرف والجماعات المؤيدة لنتنياهو هذا الإجراء وهذا الطلب، معتبرةً إياه اختبارًا للصلاحيات الرئاسية التي يمكن أن تمنع الضعف السياسي. من ناحية أخرى، تعتبر جماعات المعارضة الأمر قضية تهدف إلى إضعاف القانون والتهرب من المسؤولية. وقد خلقت هذه القضية أرضيةً لتكثيف الثنائية القطبية في مجتمع النظام الصهيوني، وكاد الناس أن يواجهوا بعضهم البعض على جانبين متعارضين مما سيؤدي على الأرجح إلى تصعيد التوترات وزيادة التكاليف على الحكومة.
إلى جانب تلك الاحتجاجات والدعم، يعدّ مواقف ترامب عاملًا آخر في هذه الثنائية القطبية. إذ يعتبر البعض هذا الإجراء انتهاكًا لاستقلالية صنع القرار في الهيكل الداخلي، ويعتبره البعض الآخر دليلًا على صحة مسار عمل رئيس الوزراء. لكن ما اتضح خلال هذه الفترة هو أن هذا الإجراء أدى إلى تصعيد التوترات وانتشار ثنائية القطبية في المجتمع الصهيوني. حتى أن استطلاعات الرأي التي أُجريت تُشير إلى وجود ثنائية قطبية كبيرة، حيث عارض أكثر من 45% العفو بينما أيده أكثر من 35% بينما لم يتخذ البقية قرارًا بعد.[2]
من ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن عملية طلب العفو تتم على النحو التالي: يُقدم الطلب إلى وزارة العدل والنائب العام، الذي يقدم رأيه الاستشاري إلى الرئيس بناءً على القضية، ويتخذ الرئيس قرارًا بناءً على هذا الرأي. في غضون ذلك وبالنظر إلى حقيقة أن القضية لم تنتهِ بعد، ومن ناحية أخرى، ادعاء بيبي ببراءته وأن هذه القضايا تهدف إلى الإضرار بصورته السياسية فقد زاد هذا من تعقيد الوضع. تعتقد المعارضة أن عملية العفو وقبولها لن تنتهك القانون ولن تؤدي إلى إضعاف مؤسسة الديمقراطية إذا تنحى نتنياهو عن السلطة واستقال.
في الواقع، تعتقد المعارضة أنه يجب أن يواجه عواقب قراراته وأفعاله، وبهذه الطريقة لن يتم إساءة استخدام مؤسسة السلطة. وإلا فإن العفو دون مراعاة عواقبه سيؤدي إلى إضعاف القانون والمؤسسات القانونية كالقضاء، وسيُصبح هذا القرار بدعة في التاريخ السياسي للنظام الإسرائيلي، مما قد يُشكل خطرًا بالغًا على المستقبل، ويُمهد الطريق لتهرب واسع النطاق من مسؤولي الحكومة من عواقب أفعالهم وقراراتهم. إذا تم العفو عن بيبي فسيكون ذلك المسمار الأخير في نعش الديمقراطية الإسرائيلية.[3] وهذا يعني بداية تحدٍّ، وربما صراع كبير داخل الأراضي المحتلة، وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وفي نهاية المطاف إلى تدمير مؤسسات الدولة هناك.
يبدو أن لعبة الشطرنج السياسية لنتنياهو قد دخلت مرحلة جديدة وحساسة بدعم من زعيم أكبر دولة داعمة لإسرائيل وهي الولايات المتحدة. وإذ يؤكد نتنياهو أن عفوه يتماشى مع المصالح الوطنية، ويُمهّد الطريق لقيادته الحكيمة في المستقبل، يواجه أيضاً تحديات مختلفة فهو يحاول تصوير هذا الإجراء على أنه تضحية من جانبه لتخفيف الضغط على الرئيس لمنحه العفو.
من ناحية أخرى، يزيد دعم ترامب المباشر الضغط على النظام وإذا لم يُعفى بيبي فقد تواجه العلاقات بين الجانبين تحديات. لذلك سيبدو أي قرار يُتخذ أكثر ضررًا بالمجتمع المدني، والشخص الوحيد الذي يسعى للاستفادة من هذه التوترات والغموض هو رئيس الوزراء، الذي يبدو أنه لا يكترث كثيرًا بمصالح الحكومة أو الشعب، ويحاول النأي بنفسه عن الهاوية. وكل هذا باسم الأمن والتضحية والإيثار من أجل الشعب، حيث يمكنه الاعتماد على آراء الطبقة الرمادية التي لم تتخذ قرارًا بشأنه بعد وبدعم يتجاوز 50%، يمكنه الحصول على القبول والنفوذ اللازمين للضغط على الرئيس. يجب أن نترقب ونرى ما إذا كان مسار اللعبة في السياسة الداخلية سيكون مواتيًا ومصحوبًا بانتصار لرئيس الوزراء أم أنه سيُهزم.
أمين مهدوي
[1] Israeli leader Netanyahu requests a pardon to end his ongoing corruption trial | AP News
[3] Israel's Netanyahu seeks pardon in years-long corruption trial | Reuters
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال