تظهر المواقف السياسية لدولة الإمارات تجاه الأزمات الدولية، مثل النزاع في أوكرانيا والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تبايا واضحا في الاستراتيجيات والأهداف. فبينما تسعى الإمارات إلى لعب دور الوسيط الإيجابي في الأزمة الأوكرانية، تبرز توجهات مختلفة تماما ومعادية في تعاملها مع القضية الفلسطينية.
الموقف الإماراتي من أوكرانيا
ففي موقف لافت أكد رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، أنه مستعد لدعم الجهود الرامية إلى تحقيق السلام في أوكرانيا.
كما أكد أن الإمارات عازمة على مواصلة العمل في هذا الاتجاه ومستعدة لبذل أي جهود لحل الأزمات لصالح تحقيق السلام ولصالح الجانبين.
وأشاد بوتين في وقت سابق بالشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لجهودهما في التوسط بشأن الحرب الروسية الأوكرانية.
وقال بوتين لضيفه الإماراتي الذي استقبله في مقرّ إقامته في ضواحي موسكو وفق ما نقل التلفزيون الروسي الرسمي "اسمحوا لي بأن أتقدّم منكم بالشكر على مساهمتكم في حلّ مشاكل إنسانية، بما في ذلك تبادل الأسرى".
وأوضح في افتتاح هذا اللقاء غير الرسمي الذي ينوي خلاله أيضا التطرّق مباشرة إلى النزاع في أوكرانيا "أشير بذلك أيضا إلى عملية التبادل الأخيرة".
وكانت موسكو وكييف أعلنتا عن تبادل 95 سجين حرب من كلّ طرف إثر مناقشات جرت مباشرة برعاية الإمارات العربية المتحدة.
وسبق للبلدين أن تبادلا مئات الأسرى منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، إثر صفقات مبرمة بواسطة الإمارات أو السعودية أو تركيا.
الموقف الإماراتي من غزة
على النقيض، يتسم الموقف الإماراتي تجاه القضية الفلسطينية بطابع عدائي. فبينما تواجه إسرائيل عزلة إقليمية ودولية بسبب ما تقوم به من مجازر في فلسطين ولبنان، تتعاون دولة الإمارات مع تل أبيب لوضع "خطة غزة لما بعد الحرب" بهدف تعزيز الرؤية الإسرائيلية.
وكشف مسؤولون أمريكيون أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن يدرس خطة تعتمد على أفكار طورتها إسرائيل والإمارات، ومن المقرر تقديمها بعد الانتخابات الرئاسية، وفقًا لموقع Axios.
وأفاد الموقع بأن العديد من المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية يشعرون بالقلق من أن هذه الخطة قد تؤدي إلى تهميش رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وحكومته، وهو الاتجاه الذي تدفعه إسرائيل والإمارات.
في ظل غياب اتفاق بشأن تبادل الأسرى أو تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، قد تُعتبر خطة "اليوم التالي" جزءًا إيجابيًا من إرث إدارة بايدن في هذا الصراع.
ويشير بعض المسؤولين الأمريكيين، بما في ذلك بلينكن، إلى أن التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار يبدو غير ممكن قبل نهاية إدارة بايدن، لذا تعتبر الخطة الإسرائيلية الإماراتية "خطة بديلة" قد تساعد في رسم مسار للخروج من الحرب.
ومع ذلك، يعتبر مسؤولون آخرون في وزارة الخارجية أن هذه الفكرة غير حكيمة، وأنها تخدم فقط مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومن المحتمل أن يرفضها الفلسطينيون.
وقد ناقشت إدارة بايدن وإسرائيل والإمارات أفكارًا مختلفة بشأن خطط محتملة منذ عدة أشهر، حيث شارك رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في هذه المناقشات.
في يوليو/تموز، اجتمع مستشار بايدن لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكجورك ومستشار وزارة الخارجية توم سوليفان في أبوظبي مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد.
وفي اليوم السابق للاجتماع، قدم الإماراتيون مقترحهم في مقال رأي كتبته المبعوثة الخاصة لـ«أبوظبي اليوم» لانا نسيبة.
تضمنت الخطة نشر بعثة دولية مؤقتة في غزة لتقديم المساعدات الإنسانية، وفرض النظام، وإرساء الحكم الرشيد. كما اقترح الإماراتيون إرسال جنود إلى غزة بشرط الحصول على دعوة رسمية من السلطة الفلسطينية بعد إجراء إصلاحات.
في الواقع، يسعى الإماراتيون لتهميش محمود عباس، الذي يعتبرونه فاسدًا وغير قادر على أداء مهامه، واستبداله بشخصيات جديدة.
أحد المبادئ الأساسية في الخطة هو اعتمادها على رؤية حل الدولتين. بينما أعرب الإسرائيليون عن إعجابهم ببعض جوانب الخطة، إلا أنهم يعارضون الجوانب السياسية، خاصة مشاركة السلطة الفلسطينية.
وتجددت المناقشات حول الخطة في الأسابيع الأخيرة، حيث التقى ديرمر وأبز مع بلينكن على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
طلبت أبوظبي وديرمر من بلينكن مساعدتهما في سد الفجوات المتبقية بين إسرائيل والإمارات بشأن الخطة، وتحويلها إلى خطة أمريكية بعد انتخابات نوفمبر.
تظل هناك فجوة تتعلق بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس كلفتة للفلسطينيين، وهو ما يعارضه الإسرائيليون بشدة.
تتعلق الفجوة الرئيسية بين إسرائيل والإمارات بدور السلطة الفلسطينية، حيث ترغب الإمارات في تعيين شخصية فلسطينية للمساعدة في قيادة الانتقال في غزة.
وأشار مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إلى أن الإسرائيليين لا يفكرون في أي دور للسلطة الفلسطينية إلا على المدى الطويل. وأكد مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية أنه إذا تم تقديم خطة، فستتضمن أفكارًا من إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة لتحقيق توافق أوسع في المنطقة.
شيطنة المقاومة
هذا وتناولت بعض التقارير المنتشرة نشاط الإعلام الإماراتي في شيطنة المقاومة الفلسطينية وتلميع صورة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد استشهاد رئيس حركة حماس يحيى السنوار. حيث يشير النشاط إلى عدم تعليق الإمارات رسميًا على الحادث، مما يعكس التوتر بين دعم المواطنين للقضية الفلسطينية وموقف الحكومة العدائي تجاه حماس.
وتناولت بعض المقالات في الصحف الإماراتية، مثل صحيفة الاتحاد، الأحداث في غزة بشكل يساوي بين الجلاد والضحية، حيث تعتبر الصحيفة أن المقاومة تلقي بالشعب الفلسطيني في "المهالك". بينما توجد مقالات أخرى تعبر عن موقف رسمي يدعو لوقف إطلاق النار ودعم قيام دولة فلسطينية.
وتظهر الصحف الإنجليزية، مثل ذا ناشيونال، توازنًا أكبر في تناول القضية، مع انتقادات لقيادة السنوار، لكنها لا تدعم الاحتلال بشكل مباشر. بينما تعكس صحيفتا البيان والخليج، الصادرتان من دبي، مواقف أقرب إلى دعم المقاومة واعتبارها حركة تحرر وطني.
جلب المرتزقة
كما كشفت مصادر دبلوماسية أن دولة الإمارات تمول جلب مرتزقة من دول أفريقية، خاصة من إثيوبيا، للقتال مع الجيش الإسرائيلي في حروبه على غزة ولبنان. تستغل الإمارات علاقاتها مع الحكومة الإثيوبية لدعم إسرائيل بتجنيد المرتزقة.
تعتبر الإمارات الحروب الإسرائيلية مصلحة استراتيجية، وتحث تل أبيب على مواصلة القتال ضد حماس وحزب الله. الجيش الإسرائيلي يعتمد على مرتزقة متعاقدين مع شركات خاصة، مثل "ريفن" و"غلوبال سي إس تي"، التي تتلقى دعمًا ماليًا من الإمارات.
في الختام يمكن القول إن السياسة الخارجية الإماراتية تُظهر تباينا واضحا في تعاملها مع الأزمات، حيث تتبنى موقفا مرنا وبناءً في الأزمة الأوكرانية، في المقابل، يتسم الموقف الإماراتي تجاه القضية الفلسطينية بتعقيد شديد وطابع عدائي للمقاومة خاصة حركة حماس، إذ تسعى أبوظبي لتعزيز الموقف الإسرائيلي عبر دعم خطط تهدف إلى إعادة تشكيل الوضع في غزة بعد الحرب، متجاهلة دور السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة وداعمة لخطط تتوافق مع الرؤية الإسرائيلية. هذا التباين يعكس أطماع الإمارات للعب دور دنيء في أهم قضايا المنطقة، سواء من خلال التدخل المباشر أو عبر دعم سياسات قد تثير الجدل.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال