تأثير تطبيع العلاقات بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا على المنطقة 1950

تأثير تطبيع العلاقات بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا على المنطقة

مع ظهور حكومات مستقلة في القوقاز خلال السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الأولى وانهيار إمبراطورية نيكولاس الثاني والثورة الروسية في عام 1917، نشأ التنافس على كاراباخ وكذلك النزاعات الحدودية والعرقية والتاريخية في بعض البلدان ومناطق مثل جبال زانجيزور وحتى في ناختشيفان، كما وقعت صراعات شرسة بين جمهورية أرمينيا الأولى وجمهورية أذربيجان واستمرت حتى يومنا هذا. وبهذه الطريقة تم تقديم منطقة جنوب القوقاز باعتبارها واحدة من أكثر المناطق توتراً في العالم، وهو ما يرجع جزئياً إلى الصراع الطويل الأمد بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان حول منطقة ناجورنو كاراباخ.

لكن إذا أردنا الحديث عن وجود كاراباخ، علينا أن نتذكر أن كاراباخ هي الجزء الشرقي من أرمينيا، معترف بها من قبل المجتمع الدولي كجزء من أراضي جمهورية أذربيجان، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية كانت أجزاء كبيرة منها تحت سيطرة الأرمن الذين يعيشون في كاراباخ بدعم من الحكومة الأرمنية. دخلت أرمينيا وجمهورية أذربيجان لأول مرة في الحرب على منطقة ناجورنو كاراباخ الانفصالية في عام 1988، وأخيرا استعادت حكومة باكو في السنوات الأخيرة ناجورنو كاراباخ، التي كانت تحت سيطرة الأغلبية الأرمنية منذ التسعينيات. ومع ذلك، فإن خلافات الماضي العميقة الجذور وتدخل الجهات الفاعلة الأخرى من خارج المنطقة حالت دون تحقيق سلام دائم وفقا للمبادئ الدولية وحقوق جميع أطراف النزاع. وفي هذا السياق، تقول وكالة أنباء "سبوتنيك" بأن أرمينيا وأذربيجان كانت بينهما خلافات طويلة الأمد بشأن قره باغ، وأخيرا، في سبتمبر من العام الماضي، وبعد فترة من العمليات العسكرية المكثفة لعدة أيام، سيطرت أذربيجان عمليا على هذه المنطقة، وغالبية السكان الأرمن فروا من هذه المنطقة إلى أرمينيا.

ورغم أن جمهورية أذربيجان تمكنت من بسط سيادتها في هذه المنطقة ورفع علمها في مدينة خانكندي (ستيباناكيرت) وسط كاراباخ، إلا أنه بعد هذا الهجوم، خلقت الفرص عملياً لتسريع عملية تطبيع العلاقات المتوترة و واجهت العلاقات بين الطرفين تحديات خطيرة. لكن في النهاية اتفقت أرمينيا وجمهورية أذربيجان على أنه بعد ثلاثة عقود من الصراع حول السيطرة على منطقة ناغورنو كاراباخ، اتخذتا "تدابير محددة" لتعزيز الثقة والسلام بين البلدين، وعلى أساس ذلك صدر بيان مشترك في ديسمبر الماضي، وبعد نشر المحادثات بين حكومتي البلدين، أكدت يريفان وباكو عزمهما تطبيع العلاقات فيما بينهم. ورغم أن محادثات السلام بين يريفان وباكو خلال السنوات الماضية، والتي عقدت بشكل منفصل بين روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لم تحقق تقدماً كبيراً، إلا أن قادة أرمينيا وجمهورية أذربيجان أعربوا عن أملهم في التوصل إلى سلام شامل. ومن المنتظر أن يؤدي الاتفاق بين البلدين إلى تطبيع العلاقات على أن يتم التوقيع عليه في المستقبل القريب.

المهم في هذه المرحلة ما سيكون نتيجة تطبيع العلاقات بين البلدين في المنطقة. لأنه إذا تم تنفيذ المطالب الأنانية وغير القانونية لحكومة إلهام علييف، والتي بدعم واضح من تركيا من أجل فرض تغييرات جيوسياسية، وخاصة إنشاء ممر زانغزور الوهمي، فقد يتسبب ذلك في بعض الصراعات والتحديات للمنطقة. لكن في المقابل استبعدت طهران أي مبرر للذهاب في مغامرة "ممر زانزور الوهمي" من خلال تقديم مشاريع موازية مثل ممر آريس وممر الخليج الفارسي-البحر الأسود من أرمينيا.

تجدر الإشارة إلى أن موقف إيران في أزمة جنوب القوقاز، والذي اعتمد دائما على السلام بين البلدين، يرتكز على أربعة مبادئ أساسية، أوضحها قائد الثورة الإسلامية الإيرانية في خطاب ألقاه يوم 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2020. أولاً، ينبغي تحرير الأراضي الأذربيجانية المحتلة من قبل أرمينيا، وثانياً، ينبغي الحفاظ على أمن الأرمن دائماً، ثالثاً، لا ينبغي أن تتغير الحدود الدولية، وأخيراً، أن الإرهابيين والجواسيس الذين دخلوا هذه الحرب من الدول المسيئة بما في ذلك النظام الصهيوني والولايات المتحدة، ليس لديهم الحق في أن يكونوا قريبين من حدود إيران. وفي هذا الصدد قال سماحته لأردوغان خلال لقائه مع الرئيس التركي في 19 تموز/يوليو 2022: إذا كانت هناك سياسة لقطع الحدود بين إيران وأرمينيا فإن الجمهورية الإسلامية ستعارضها، لأن هذه الحدود هي طريق لعلاقة تمتد لعدة آلاف من السنين. وتبين هذه المسألة أن المبدأ الأهم الذي طالما أخذته الجمهورية الإسلامية الإيرانية في عين الاعتبار هو الحفاظ على أمن إيران في هذا الصراع.

ومع ذلك، فإن السيناريوهات المحتملة الأخرى المحيطة بتطبيع العلاقات بين جمهورية أرمينيا وجمهورية أذربيجان، إذا كانت مبنية على التقيد الصارم بالمبادئ والقواعد الدولية، وخاصة فيما يتعلق بالسيادة والسلامة الإقليمية واستقرار الحدود الدولية، يمكن أن تضمن في نهاية المطاف استقرار العلاقات وتحقيق السلام والتنمية والتقدم في المنطقة.

وفي النهاية، تجدر الإشارة إلى أنه بعد تطبيع العلاقات بين هذين البلدين، لم يتم انتهاك أي من المبادئ الأساسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى الآن. ولعدة سنوات لم يجرؤ نظام باكو على الانضمام إلى الحدود الدولية، رغم الهتافات الكثيرة لأن القوات المسلحة الإيرانية كما حدث في التسعينيات أو خلال عملية "الوعد الصادق" العظيمة، والتي نفذت في 13 أبريل من هذا العام بعملية قوية في الأراضي المحتلة الخاضعة لسيطرة نظام الاحتلال، ستكون مستعدة للرد بشكل مناسب على الدول التي ترغب في تغيير الحدود الدولية في شمال إيران.

نويد دانشور
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال