تداعيات وانعكاسات كبيرة طالت الساحة العربية، ولا سيما المحيط الفلسطيني بسبب الحرب العدوانية التي يشنها كيان الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة، فقد وصل تأثيرها إلى مصر والأردن والعراق وسوريا ودول الخليج الفارسي والمغرب العربي، وكان لليمن نصيب كبير في هذه الحرب التي أعلن الدخول فيها دفاعاً عن الفلسطينيين إن لم تتوقف المجازر الإسرائيلية بحقهم.
لماذا اليمن
مع تنامي القوة العسكرية لحركة أنصار الله، وتعزيز استراتيجية الردع لديهم، وفق أسس ودعائم متينة، صار بإمكان اليمن أن يكون لاعباً شديد التأثير خارج الجغرافيا اليمنية، وحتى لمسافات بعيدة وصلت إلى الأراضي الفلسطينية، فقد أعلنت حركة "أنصار الله" اليمنية في العاشر من أكتوبر الماضي، أنها ستشارك بهجمات صاروخية وجوية و"خيارات عسكرية أخرى" إسنادًا للفصائل الفلسطينية في مواجهة الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
وانتقل اليمن إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة تنفيذ التهديد، إذ أعلنت حركة "أنصار الله"، في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، "بدء اتخاذ إجراءات عملية للتعامل المناسب مع أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر"، مشيرة إلى أن "العمليات ضد إسرائيل، لن تتوقف حتى يتوقف عدوانها على غزة"، المستمر من الـ7 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وأكدت أنصار الله أن عمليات استهداف السفن المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية من أي جنسية مستمرة، هذا التأكيد جاء بعد تنفيذ عملية نوعية ضد سفينتين مرتبطتين بكيان الاحتلال في 18 ديسمبر الماضي،
إذ ورد في بيان صادر عن الحركة أن "القوات البحرية في القوات المسلحة اليمنية، نفذت عملية عسكرية نوعية ضد سفينتين لهما ارتباط بالكيان الصهيوني الأولى سفينة "سوان أتلانتك" محملة بالنفط والأخرى سفينة "إم إس سي كلارا" تحمل حاويات وقد تم استهدافهما بطائرتين بحريتين، وأن عملية استهداف السفينتين جاءت بعد رفض طاقميهما الاستجابة لنداءات القوات البحرية اليمنية".
يسعى اليمنيون إلى استهداف السفن المرتبطة بكيان الاحتلال فقط، ولن تكون أي سفن أخرى لصالح أي بلد كان مستهدفة أبداً، وذلك لرفع ذريعة الأمريكي والإسرائيلي بأن اليمن بات يشكل تهديدا للملاحة في البحر الأحمر، أو أن اليمن يريد إغلاق الممرات المائية الاستراتيجية، وبالتالي يشكل تهديدا أمنياً واقتصادياً، ويجب ردعه وثنيه عن تلك الأفعال،
لكن اليمن يؤكد باستمرار أنه واضح الأهداف بهذا الخصوص، إذ أكد البيان السابق أن "القوات المسلحة اليمنية، تجدد طمأنتها لكافة السفن المتجهة إلى كافة الموانئ حول العالم عدا الموانئ الإسرائيلية، بأنه لن يصيبها أي ضرر وأن عليها الإبقاء على جهاز التعارف مفتوحًا، وأن الممرات الملاحية في البحر الأحمر والبحر العربي في أمان ولا خطر على سفن أيّ دولة.
وأشار المتحدث باسم "أنصار الله"، محمد عبد السلام، عبر حسابه على منصة "إكس"، إلى أن "قرارها مستثني السفن التابعة لكيان العدو أو تلك المتوجهة إلى موانئه، وأن التخويف بشأن الممرات الملاحية بغير ذلك دعاية أمريكية مغرضة ومجافية للواقع تسعى إلى بناء جدار دولي يحمي إسرائيل في البحر بعد سقوط جدرانها الإسمنتية أمام طوفان الأقصى".
نتائج لا تحمد عقباها
أخذت الهجمات اليمنية على السفن الإٍسرائيلية، واستهداف الكيان بالصواريخ والطائرات المسيرة حيزا واسعا في إعلام كيان الاحتلال، وذلك لتيقنهم من وجود تهديد حقيقي للكيان قادم من اليمن، إذ يعد البحر الأحمر ممرًا رئيسيًا للسفن المتجهة من الشرق الأقصى والصين والهند ودول الخليج الفارسي إلى ميناء إيلات الذي يعد أكبر ميناء تستخدمه قوات الاحتلال لاستيراد السيارات وفيه 3% من إجمالي حركة البضائع في الكيان.
لذا بدأت التحركات الإسرائيلية لمحاولة التحشيد ضد اليمن، من أجل القضاء على مساهمته في جهود ردع كيان الاحتلال عن الاستمرار في إجرامه، إذ قال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، إن تل أبيب أبلغت الولايات المتحدة والقادة الأوروبيين، بأنه إذا لم يتحرك العالم ضد هجمات "أنصار الله" اليمنية على السفن في البحر الأحمر، لأنها قضية دولية، فإنها ستتحرك عسكريا إزاء ذلك، مضيفا أن هذا الموقف نقله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، والمستشار الألماني أولاف شولتس.
وبعد هذه التهديدات الإسرائيلية، أكد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في 18 من ديسمبر الماضي، "موقف أمريكا بدعم إسرائيل، والدفاع عن أمنها"، إذ قال عقب لقاء جمعه مع نتنياهو، إن "واشنطن تدعم جهود تحرير كل المحتجزين في غزة"، مشيرا إلى أن أمريكا تقود قوة عمل متعددة الجنسيات لدعم حرية الملاحة بالبحر الأحمر.
وفي 31 ديسمبر الماضي هاجمت طائرات تابعة لسلاح البحرية الأمريكية، ثلاثة من أصل أربعة قوارب، استخدمها اليمنيون لمهاجمة سفينة الحاويات "ميرسك هانغتشو" في البحر الأحمر، وفق بيان للقيادة المركزية الأمريكية على منصة "إكس، إذ أعلنت حركة أنصار الله استشهاد وفقدان 10 من مقاتليها بنيران القوات الأمريكية في البحر الأحمر، وكان هذا الاشتباك هو أول اشتباك ناري مباشر يسفر عن ضحايا بين البحرية الأمريكية ومقاتلي أنصار الله.
لتعلن الولايات المتحدة بعد ذاك الاشتباك ولا سيما بعد تشكيل القوة البحرية الجديدة لحماية الملاحة في البحر الأحمر، ضمن ما سمته عملية "حارس الازدهار" الانتظام التدريجي لحركة السفن، حيث أعلن القائد الأعلى للقوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، براد كوبر، أن قرابة 1200 سفينة تجارية عبرت البحر الأحمر، منذ إطلاق عملية "حارس الازدهار"، دون أن تتعرض لهجوم من قبل اليمنيين.
وعادت مؤخرا حركة أنصار الله لتؤكد بناء على مآلات الوضع والتغيرات الاستراتيجية الحاصلة "أن إصرار الولايات المتحدة على الاستمرار بدعم الكيان الصهيوني سيحدث انفجاراً في المنطقة"، إذ قال رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام: إن “تصريحات المسؤولين الأمريكيين عن تطورات البحر الأحمر وكأنها تهديد لمصالح العالم محاولة أمريكية لصرف الأنظار عن المذابح الإسرائيلية بحق أهل غزة وهذا ما يجب أن يتوقف عنده كل العالم”.
تحالف محكوم عليه بالفشل
فشلت أمريكا في اقناع الدول العربية الحليفة لها بالانضمام إلى تحالفها حيث رفضت السعودية والإمارات، المشاركة في هذا التحالف، لأنها على يقين من أنها بتعاونها مع الولايات المتحدة في الهجوم على اليمن، ستغرق في مستنقع كبير. وسيصبح مرور البحر الأحمر الذي يقع في مرمى المقاومة اليمنية غير آمن بالنسبة لهم.
كما أن الحلفاء الأوروبيين مترددون بسبب التكلفة الكبيرة التي ستترتب على مشاركتهم. على ما يبدو لا يوجد تنسيق بين أعضاء التحالف البحري الأمريكي. وهذا الافتقار إلى التماسك أيضاً جعل التحالف غير قادر على تحقيق أهدافه في البحر الأحمر.
بشكل عام إن دعم الشعب اليمني لأنصار الله هو دعم واسع وشامل. ويعتبر هذا الدعم أحد العوامل المهمة التي جعلت أنصار الله خلال حرب اليمن قادرة على تحقيق نجاح كبير، وهم الآن يدعمون ويدافعون عن شعب غزة المظلوم ويتصدون للتحركات الأمريكية أيضاً.
يمكن التنبؤ بأن خطة أمريكا لمواجهة اليمنيين محكوم عليها بالفشل. خاصة وأن اليمنيين متشددون جداً في مواقفهم وفي الدفاع عن سكان غزة، ويمنعون حركة جميع السفن التي تتوجه إلى الأراضي المحتلة ويصرون على مجابهة أي تحالف ضدهم مهما كانت قوته.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال