تعتبر الخدمة العسكرية الإجبارية، من المشاكل الأساسية والخطيرة التي يواجهها الكيان الصهيوني في المجال العسكري.
لم تقبل الجماعات المختلفة الخدمة العسكرية الإجبارية، وتنتشر هذه المعارضة بناءً على الإحصائيات التي نشرتها المؤسسات الصهيونية، وبالنظر إلى الطبيعة العسكرية للکيان الصهيوني، ولكون الجيش هو أساس جميع مؤسسات الحكم لهذا الکيان، فإن التجنيد الإجباري يعتبر أحد أركانه.
من ناحية أخرى، تواجه الخدمة العسكرية الإجبارية حوادث ومخاوف وجودية، وتخلق أزمةً في عائلات المهاجرين في الأراضي المحتلة. والآن، مع معارضة بعض المجموعات للتجنيد الإجباري، بدأت بعض العائلات التي أرسلت أبناءها للتجنيد في الجيش، مواجهة قضية التجنيد الإجباري.
وفقًا لقانون التجنيد الإجباري المطبق حاليًا في الکيان الصهيوني، بعد سن 18 عامًا يجب أن يذهب الأولاد للتجنيد الإجباري لمدة 32 شهرًا على الأقل. کما يجب على الفتيات أيضًا قضاء عامين في الخدمة العسكرية الإجبارية بعد سن 18 عامًا.
وبعد انتهاء الخدمة العسكرية الإجبارية، يتم وضع جميع هؤلاء الجنود في قوات الاحتياط حتى سن 45، ويتم استدعاؤهم في أوقات الطوارئ والحرب اعتمادًا على وحداتهم العسكرية.
نظرة على المجموعات التي لا تذهب للخدمة العسكرية الإجبارية في المجتمع الصهيوني:
1. الحريديم
الفئة الأولى من المعفيين من الخدمة العسكرية الإجبارية في الکيان الصهيوني، هم طائفة من المتدينين المتطرفين المعروفة باسم "الحريديم".
هذه الجماعة، التي تولي اهتمامًا خاصًا بتفاصيل الديانة اليهودية، تصف واجب اليهودي أن يكون في خدمة الدين اليهودي. لذلك، يصفون الحضور بدوام كامل في المدارس الدينية وإجراء البحوث الدينية أو أداء الطقوس، كخدمة وطنية أو "خدمة عسكرية". ولهذا السبب، يرفضون الذهاب إلى الخدمة العسكرية المعتادة، والتي يذهب الآخرون إلى الثكنات للقيام بها.
کما يقولون إن دراسة التوراة والتعليم الديني هو الدعم الروحي لـ"إسرائيل"، ويعتبرون أنفسهم يلعبون دورًا أساسيًا في الحفاظ على الهوية اليهودية والتقاليد الدينية في المجتمع الصهيوني.
2. الفلسطينيون المقيمون في الأراضي المحتلة عام 1948
كانت الخدمة العسكرية للفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1948 - ممن يحملون جنسية الکيان الصهيوني - محظورةً حتى عقود قليلة مضت، لأنهم وُصفوا بأنهم جزء من أحد أعداء "إسرائيل"، أي الشعب الفلسطيني.
لكن في الوقت الحالي، وفقًا لقانون الخدمة العسكرية، لا توجد خدمة عسكرية إلزامية للشبان الفلسطينيين الذين يعيشون في أراضي 1948، بل الذهاب إلى الخدمة العسكرية اختياري، ويمكن لأي منهم الذهاب إلى الخدمة العسكرية إذا رغب في ذلك.
من بين الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1948، يذهب معظم سكان ما تسمى المناطق البدوية مثل النقب إلى الخدمة العسكرية. هؤلاء الناس يواجهون احتجاجات قوية من قبل الجالية الفلسطينية التي تعيش في الأراضي المحتلة، ويعتبر هذا العمل من جانبهم خيانةً من قبل المجتمع.
وفي هذا السياق، أعلنت "الحركة الإسلامية" في شمال فلسطين المحتلة، بقيادة الشيخ رائد صلاح، حظر الخدمة العسكرية في جيش الکيان الصهيوني في فتوى، وكذلك منعهم من الصلاة على موتاهم في مساجد الحركة الإسلامية.
3. الدروز
في عام 1956، وافق الکيان الصهيوني، من خلال اتفاق مع قادة الدروز في فلسطين المحتلة، على وجود أفراد هذه الطائفة في الجيش، مقابل منح بعض الامتيازات للدروز. لكن معظم أتباع الطائفة الدرزية يعتقدون أن هذا الاتفاق لم ينجح في التنفيذ.
ولهذا السبب، تشكلت في السنوات الأخيرة مجموعات شعبية بين الدروز، تمنع شباب الطائفة الدرزية من الذهاب إلى الخدمة العسكرية. هذا على الرغم من أن الخدمة العسكرية إلزامية للدروز، وأن عدم الذهاب إلى الخدمة العسكرية له تبعات قانونية عليهم.
المجموعات المذكورة أعلاه تغلبت على هذه المشكلة من خلال تقديم الدعم القانوني للشباب الدروز الذين لا يذهبون إلى الخدمة العسكرية، وبتقديم محامين ذوي خبرة لمساعدة الشباب الدروز. وقد تسببت تصرفات هذه الجماعات في زيادة مستوى معارضة الذهاب إلى الخدمة العسكرية الإجبارية، إلى أكثر من 60 في المئة في السنوات الأخيرة.
زيادة المعارضة للخدمة العسكرية
حسب دراسة أجرتها جامعة "حيفا" بخصوص معارضة الخدمة العسكرية الإجبارية، فإن حوالي 65٪ من الدروز يرفضون الالتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية. وهناك دراسة مماثلة في جامعة "هرتسليا"، ذكرت أن هذا الرقم هو 54٪.
وفي إحصائية أخرى أجرتها لجنة المراقبة الحكومية في كنيست الکيان الصهيوني عام 2020، يتزايد عدد المعفيين من الخدمة العسكرية الإجبارية. وارتفع هذا الرقم من 7.9٪ في 2018 إلى 11.9٪ في 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى 13٪ في 2023.
في عام 2020، أفادت صحف الکيان الصهيوني باستمرار تناقص عدد الملتحقين بالجيش. وأعلنت وسائل الإعلام هذه أنه على الرغم من تقليص الفئة أعلاه، إلا أن عدد الراغبين في الخدمة في قطاع الحاسبات والمعلومات قد ازداد، بسبب ابتعادهم عن الوحدات القتالية في الجيش.
على الرغم من أن الجماعات المعارضة للخدمة العسكرية الإجبارية في الکيان الصهيوني هي أقلية، إلا أن هناك تيارات بين اليهود الذين يعيشون في الأراضي المحتلة ترفض أداء الخدمة العسكرية.
في عام 2017، أعلن 63 فتى وفتاة من اليهود في رسالة إلى "نتنياهو"، رئيس وزراء الکيان الصهيوني آنذاك: "نحن، عشرات الشباب، نوقع هذه الرسالة للتعبير عن معارضتنا للانضمام إلى الجيش. وهو الجيش الذي ينفذ سياسات حكومة عنصرية، وينتهك أبسط حقوق الإنسان، ويفرض قانونًا على الإسرائيليين وآخر على الفلسطينيين الذين يعيشون على أرضهم".
في الوقت الحاضر، هناك مجموعتان من بين الدروز تدعمان بجدية عدم ذهاب الشباب الدروز للخدمة العسكرية الإجبارية. وفي هذا الإطار، فإن مجموعة "اعترض، شعبك يساندك" و"نحن حماة الأرض لا حُماة الحدود"، رفعت مستوى معارضة الخدمة العسكرية إلى أكثر من 65٪ مع ضمانات قانونية للشباب الدرزي.
بين الفلسطينيين الذين يعيشون في أراضي عام 1948، حولت فتوى "الحركة الإسلامية" في الشمال الخدمة العسكرية من شذوذ اجتماعي إلى خطيئة دينية، تحريمها أقوى بكثير من التحريم الاجتماعي. في الوقت نفسه، عززت هذه الفتوى الدينية الحاجز الاجتماعي بشكل كبير.
وفي المجتمع الصهيوني، أثارت مسألة الخدمة العسكرية وعدم ذهاب جماعات دينية مثل "الحريديم" للخدمة العسكرية، الكثير من الجدل في الأشهر الأخيرة، والتيارات اليسارية والليبرالية تتابع هذا المطلب بأن "الحريديم" يجب أن يكونوا حاضرين أيضًا في الخدمة العسكرية أو الخدمة المدنية.
کما قامت مجموعة من النساء اليهوديات – اللاتي أبناؤهن على وشك الذهاب إلى الخدمة العسكرية - بإنشاء منظمة إنسانية، وبهذه الطريقة فإنهن يتابعن عدم الموافقة على تعديلات قانون تعميم الخدمة العسكرية الإجبارية.
رأس سهم هجوم هذا التيار هو تجاه الحريديم، وطالب بالخدمة العسكرية للحريديين. وحضرت مجموعة من هؤلاء النسوة كنيست الكيان الصهيوني وطالبت بمتابعة طلبهن، وأعلنت في صفحة بعنوان "أمهات على الجبهة" على مواقع التواصل الاجتماعي: "لقد أرسلنا أحباءنا إلی الخطر حتى يتم تنفيذ ما اتفقنا عليه مع الحكومة، لكن إذا تم تعديل قانون التجنيد الإجباري، فسنمنع أبناءنا من الالتحاق بالجيش".
إن متابعة مشروع قانون تعديل قانون التجنيد في حكومة الكيان الصهيوني - والذي حدث بسبب وجود الأحزاب الحريدية - تخلق موجةً جديدةً ضد هذه الحكومة، التي موضوعها التجنيد الإجباري. ويتحول التجنيد الإجباري من قضية غير مهمة إلى قضية مسببة للأزمة، والتي تتجلى أيضًا في الاحتجاجات الأسبوعية.
يبدو أن على نتنياهو أن يعدّ نفسه لأزمة جديدة، خلقت بالنسبة له صراعاً بين المجتمع والحكومة. إذا اختار نتنياهو الموافقة على مشروع قانون الإصلاح العسكري لمنع انهيار الحكومة، فسيخسر المجتمع، وإذا اختار المجتمع، فستتجه الحكومة نحو الانهيار.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال