أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن صاروخا أطلق من مدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة يوم الاثنين الماضي صوب المستوطنات المحاذية. يأتي هذا بينما داهمت قوات الاحتلال منازل لعائلات أسرى وأسرى محررين وشهداء في بلدات وأحياء عدة بمدينة القدس المحتلة.
وقال جيش الاحتلال، في بيان نشره بحسابه على تويتر، "أُطلق صباح اليوم صاروخ من منطقة مدينة جنين لكنه سقط داخل الأراضي الفلسطينية، دون أن يشكل خطرا على المستوطنات القريبة". وأشار الجيش إلى أن قواته انتشرت في مكان إطلاق الصاروخ، وتجري عمليات تمشيط للمنطقة، وتقوم بالتحقيق في الحادث الذي لم يسفر عن وقوع إصابات.
وفي وقت سابق من يوم الاثنين الماضي، نشرت جماعة فلسطينية على قناتها بتطبيق "تليغرام" مقطع فيديو قالت إنه لعملية إطلاق صاروخين من محافظة جنين تجاه مستوطنة "رام أون" الإسرائيلية. وزعمت قناة "كان" الإسرائيلية أن "كتيبة العياش" التي نشرت الفيديو مرتبطة بكتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي لم تعلق حتى الساعة. ويظهر الفيديو صاروخين معدين للانطلاق في منطقة زراعية، وبجوار أحدهما لافتة كُتب عليها "كتيبة العياش- قصف مغتصبات غلاف جنين، في مرج بن عامر بصواريخ قسام 1، الاثنين 26 يونيو/حزيران 2023، والقادم أعظم.. الضفة درع القدس"
وقالت القناة العبرية الرسمية إن الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية يتحققون حاليا من الفيديو. وفي 24 مايو/أيار، قالت القناة ذاتها إن الجيش عثر بقرية نزلة عيسى قرب جنين على قاذفة استخدمت بإطلاق صاروخ بدائي الصنع تجاه مستوطنة "شاكيد". وأوضحت القناة آنذاك أن عملية الإطلاق "كانت فاشلة". ولم تعلن أي من الفصائل الفلسطينية مسؤوليتها عن إطلاق الصاروخين اليوم الاثنين، ولا الصاروخ الأول في مايو/أيار الماضي.
وفي سياق متصل، داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منازل لعائلات أسرى وأسرى محررين وشهداء في بلدات وأحياء عدة بمدينة القدس المحتلة، واستولت على ممتلكات وأموال خاصة بالعائلات وقال رئيس لجنة أهالي الأسرى الفلسطينيين في القدس إن عمليات الدهم شملت منازل في العيسوية، وجبل المكبر، وحي الثوري، والصوانة، ورأس العامود. وأكد أن قوات الاحتلال استولت على ممتلكات وأموال ومركبات خاصة بالعائلات وعبثت بمحتويات داخل المنازل بدورها، استنكرت وزارة الأسرى والمحررين اقتحام الاحتلال لهذه المنازل، ووصفت الأمر بأنه سلوك همجي. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن سبب أعمال الدهم تعود لتلقي تلك العائلات أموالا من السلطة الفلسطينية.
وفي وقت سابق وبعد تعرض الجيش الإسرائيلي للإحراج في جنين ومستوطنة عيلي، تصاعدت الدعوات بشكل حاد في إسرائيل، لتنفيذ عملية عسكرية واسعة في الضفة، لكن في المقابل، يبدو أن الجيش الإسرائيلي ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أكثر تحفظاً على فكرة تنفيذ عملية عسكرية واسعة لأسباب متعددة، فما هي سيناريوهات الرد الإسرائيلي على ما يحدث في الضفة.
وأصبح الجيش الإسرائيلي في موقف محرج بعد تفجير مقاومين فلسطينيين في جنين لعبوة ناسفة خرّبت مدرعة إسرائيلية وأعطبت سبع عربات، حسب اعتراف الجيش الإسرائيلي؛ ما أدى إلى إصابة ثمانية جنود، من بينهم قائد كتيبة الاستطلاع في لواء المظليين، حسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية؛ ما دفع الجيش الإسرائيلي لإدخال مروحيات أباتشي لتغطية انسحابه، وذلك لأول مرة في الضفة منذ عام 2002، وتعرضت إحدى المروحيات لإصابة طفيفة في ذيلها برصاص الفلسطينيين، واضطرت المروحية لاستخدام المشاعل تحسباً لامتلاك المقاومين الفلسطينيين لصواريخ مضادة للطائرات.
وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته استمرت في العمل في جنين لعدة ساعات من أجل إزالة عدد من المركبات التي لحقت بها أضرار جسيمة. وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الأدميرال دانيال هاجاري، إن القوات تعرّضت لإطلاق نار أثناء سحب المركبات المتضررة بعيداً. وقال: "لدينا قدرات جوية وقدرات مراقبة في هذه المناطق، والمشهد يدار وهو تحت السيطرة". يُمكن القول إن الأمور خرجت عن السيطرة في يوم الإثنين، خلال العملية التي شنّها جيش الاحتلال وقوات الأمن الأخرى داخل جنين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية. وقد خرجت عن السيطرة بسبب إصابات عشرات الفلسطينيين ومقتل 5 آخرين من أجل القبض على شخصين من المشتبه بهم -وهي نتيجة لا يمكن وصفها بأنها تمثل نجاحاً، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
كما خرجت العملية عن السيطرة؛ لأن الجيش الإسرائيلي تعرّض لإصابة 8 من جنوده، ولأن إحدى المركبات المدرعة قد تضررت بشدة، ولأن نحو 7 مركبات ظلت عالقةً هناك لبضع ساعات. وخرجت كذلك عن السيطرة؛ لأن الجيش الإسرائيلي اضطر لاستخدام مروحية تطلق الصواريخ، حتى وإن تم إطلاق الصواريخ على منطقةٍ مفتوحة وليست هذه هي أول عمليةٍ تخرج عن الإطار المرسوم لها في جنين أيضاً.
ومنذ عام 2022، ومع عددٍ من الوقائع الكبرى التي جرت منذ مطلع العام الجاري، أسفر العديد من تلك الوقائع عن إلحاق الضرر بجنود الجيش الإسرائيلي وبأعداد كبيرة من الفلسطينيين. ولا يبدو أن الأهداف المحدودة للعمليات الأصلية كانت تستحق هذا الحجم من الأضرار. ويشير كل ما سبق إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يفقد سيطرته على جنين فحسب، بل فقد أيضاً قدرته على دخولها والخروج منها بسيطرةٍ متفوقة.
وكانت تلك السيطرة المتفوقة هي العلامة المميزة لعمليات الضفة الغربية عند مقارنتها بغزة من قبل، حسب الصحيفة الإسرائيلية. وتحذّر الأمم المتحدة من أنَّ هذا العام يسير على الطريق ليكون الأكثر دموية في الضفة الغربية منذ انتهاء الانتفاضة الثانية في عام 2005.
وفي مخيم بلاطة، أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، على سبيل المثال بدأت مجموعات مسلحة جديدة -مثل عرين الأسود ولواء بلاطة- في الظهور، يغذيها شبان محبطون وعاطلون عن العمل لا يستطيعون الزواج ولا تكوين أسرة. ويعمل الشباب على دراجات نارية مع بنادقهم الهجومية من طراز "إم 16" متدلية من أكتافهم كـ"مراقبين"، يبحثون عن وحدات عسكرية إسرائيلية سرية، التي غالباً ما تتسلل متخفية إلى المخيم قبل شن الهجمات. ومؤخراً، أشهر شاب في العشرينات من عمره يجري دورية في الشوارع مسدساً صنعه بنفسه من الخردة المعدنية والبارود.
وقال محمد الطيراوي، الممثل السياسي لكتائب شهداء الأقصى في مخيم بلاطة، إنه حتى الأطفال في سن المدرسة الابتدائية يمارسون صنع مثل هذه الأسلحة. بينما يفضل المسلحون المراهقون الأكبر سناً شراء المزيد من الأسلحة الاحترافية المتوافرة بسهولة في السوق السوداء. وأوضح: "كثير منهم باعوا ذهب أمهاتهم ليحصلوا عليها". وحذر من أنَّ ثوران الشعب الفلسطيني ضد كل من السلطات الإسرائيلية والقيادة الفلسطينية أمر لا مفر منه. وأكد: "نحن تحت الضغط؛ الجميع يضغط علينا؛ لذلك سيأتي الانفجار ضد الجميع".
واعتبر الكاتب والمحلل الفلسطيني، طلال عوكل، أن عملية "عيلي" مؤشر على تصاعد المقاومة الفلسطينية وتطور قدرتها على المواجهة. وأشار إلى أن ذلك التصاعد "مرتبط برد الفعل على تصاعد الجرائم الإسرائيلية في الضفة الغربية من اجتياحات متواصلة وآخرها لمدينة جنين". وقال: "يومياً تنفذ إسرائيل عمليات قتل وهدم وتدمير، ما هو رد الفعل الفلسطيني المتوقع؟ مؤكد سيكون قوياً وهذا ما كان في عملية عيلي". وذكر أن "مستوى الرد لم يكن متوقعاً، ويشير إلى أن المقاومة في الضفة الغربية لديها الإمكانيات والقدرة على الرد السريع والموجع أيضاً"
من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، أن "الأيام القادمة ستشهد حالة تصعيد، لكنها لن تصل إلى عملية واسعة". وأضاف الشوبكي إن "التصريحات الإسرائيلية الداعية لعملية واسعة تأتي متناقضة مع الرؤية الأمنية الإسرائيلية والمستوى العسكري". وأشار إلى أن "تلك المستويات لا تريد الذهاب أبعد من ذلك في مواجهة الفلسطينيين لاعتبارات عديدة، أبرزها أن مزيداً من العمليات تعني مزيداً من رد الفعل". وقال: "التجارب الإسرائيلية في الضفة تشير إلى أن العمليات الواسعة غير قادرة على تثبيط المقاومة، بل تزيد منها وتخلق حاضنة مجتمعية للمقاومة".
وتوقع الشوبكي أن تذهب إسرائيل إلى "تصعيد في عملياتها في الضفة الغربية، واستخدام سلاح الجو، وإطلاق أيدي المستوطنين دون أي ردع". ولكن من الصعب توقّع أن يكون لحملات الاغتيال تأثير على بنية المقاومة في الضفة، فهي متعددة وغير تراتبية، وأقل تنظيماً من الضفة، وهذا يجعل هرمها القيادي غير مكتمل وغير واضح بالنسبة للإسرائيليين، وبالتالي فإن تأثير الاغتيالات على المقاومة الأرجح أنه لن يكون كبيراً، وخاصة أنه في ظل خضوع الضفة للسلطة الفلسطينية والاحتلال، فكثير من قيادات المقاومة يعملون بشكل سري. كما أن إطلاق العنان للمستوطنين للقيام بتنفيذ هجمات ضد الفلسطينيين هو وصفة جاهزة للفوضى ولمزيد من استفزاز الفلسطينيين، فممارسات المستوطنين لن تقضي على بنية المقاومة؛ بل قد تؤججها. أما شن حملة اغتيالات ضد قادة المقاومة في غزة فلن يؤثر كثيراً على الوضع في الضفة، كما أنه قد يؤدي لردود فعل من قِبَل حركات المقاومة ضد إسرائيل.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال