وسط اهتمام دولي بتصعيد الأزمة في أوكرانيا، كرر مجلس الأمن الدولي تصويته على حظر توريد الأسلحة إلى اليمن باغلبية 11 صوتاً وامتناع 4 دول عن التصويت (النرويج والمكسيك والبرازيل وأيرلندا) في اجتماع عقد يوم الثلاثاء الماضي.
ووفقاً للقرار، ستخضع جماعة “أنصار الله” بأكملها لحظر توريد الأسلحة. الجدير بالذكر أنه منذ عام 2015، عندما كان قرار مجلس الأمن رقم 2216 خاضعاً لعقوبات الأسلحة، ولقد تم تجديد هذه العقوبات كل عام.
قرارات مجلس الأمن بشأن اليمن.. احادية الجانب ومنحازة
قبل قرار الأمس، أصدر مجلس الأمن الدولي 13 قراراً بشأن الأزمة اليمنية منذ عام 2015، عندما بدأت السعودية وحلفاؤها العدوان على شكل “التحالف العربي”، على اليمن حتى يوليو 2021. وفي جميع هذه القرارات، وعلى الرغم من معرفة المعتدين (السعودية والإمارات)، اللتين قامتا بتنفيذ الكثير من الضربات الجوية العمياء والواسعة النطاق ضد المدنيين اليمنيين، وخلق وضع إنساني معقد باعتباره نتيجة الحصار البري والجوي والبحري؛ إلا ان مجلس الامن لم يدن حتى التعدي الظاهر على أجزاء من اليمن (مثل موانئ وجزر البحر الأحمر) في أي من قراراته، لكنه أبدا دائماً وأدان الإجراءات الدفاعية التي تتخذها صنعاء ضد المعتدين في الحرب. وتتجلى هذه الرؤية السياسية في عدة قرارات لمجلس الأمن، من أول وأهم قرار جاء تحت أسم القرار 2216 الذي صدر بعد وقت قصير من بدء العدوان السعودي عام 2015.
إن القرار 2216 أدان صراحة حركة “أنصار الله” اليمنية بينما كانت المملكة العربية السعودية قد بدأت الحرب ضد اليمن. في الواقع، من النقاط المهمة في هذا القرار أنه دون ذكر اسم السعودية، اتهم مجلس الامن حركة “أنصار الله” واتخذ موقفاً ضدها.
كما أن قرارها لم يذكر حتى وقف القصف السعودي على اليمن. ويشكل القرار نفسه أساس عمل مجلس الأمن بشأن اليمن خلال الحرب التي استمرت سبع سنوات، كما جاء في القرار الأخير الذي ينص على: “يدين مجلس الأمن بشدة هجمات أنصار الله، بما في تلك الهجمات على الاراضي السعودية والإماراتية”.
وبينما أصدر مجلس الأمن وحتى الأمم المتحدة قرارات ضد اليمن، حذرت تقارير عديدة صادرة من منظمات تابعة له، مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، مراراً وتكراراً من أن الشعب اليمني يتضور جوعاً مع استمرار المعتدين في مهاجمة اليمن وأنهم يعيشون في خضم كارثة إنسانية، إلا أن مجلس الامن والمنظمات الغربية تتجاهل كل تلك الاستغاثات، لكنها لا تتردد في عقد اجتماع وإصدار قرار لدعم المعتدين عندما تصبح الحرب على الإمارات والسعودية أكثر صعوبة.
وفي هذا الصدد، وبعد أن أرسلت الإمارات خطاباً إلى مجلس الأمن في 18 يناير بشأن هجمات 17 يناير على أبو ظبي، أصدر المجلس على الفور بياناً صحفيا في 21 يناير يدين فيه هجمات “أنصار الله” وطالب بمعاقبتهم على تصعيد الهجمات ضد الإمارات ووصفها بـ “الهجمات الإرهابية الشنيعة” وأدانها أيضا. في الواقع، في قرارات مجلس الأمن بشأن اليمن، من الواضح أن السياسة لها الأسبقية على الحقوق الانسانية، وقد ركز هذا المجلس على النهوض بمطالب جانب واحد من الحرب.
وعلى سبيل المثال، في بيان لمجلس الأمن في 20 أكتوبر 2021، رحب أعضاء مجلس الأمن بعودة رئيس الوزراء غير الشرعي والهارب “منصور هادي” إلى عدن. ولقد صدر هذا البيان تماشياً مع مطالب المعتدين ودعا إلى التنفيذ الكامل لإتفاق الرياض من أجل استقرار جنوب اليمن.
وفي بيانه الأخير حول اليمن، طالب مجلس الأمن الدولي من حكومة صنعاء وقوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية، وقف هجماتهم على الإمارات والسعودية، وقبل أن يجف حبر هذا البيان، جاء الرد الإماراتي السعودي فجر يوم الجمعة الماضي بالعديد من المجازر في العديد من المحافظات والمدن اليمنية خلّفت 150 شهيداً وجريحاً، بعدة غارات جوية سعودية اماراتية على سجن بمدينة صعدة وبعض الاحياء السكنية بمدينة الحديدة وشبوة، وكعشرات المجازر والآلاف من ضحايا غارات التحالف السعودي على امتداد أكثر من سبع سنوات من الحرب على اليمن، مرت هذه المجازر بصمت، ولم تحرك ساكناً للمجلس المعني أساساً بحماية السعودية وجنودها، وكأن مهمته باتت تقديم الضحية كجلاد، والجلاد والمعتدي كمدافع عن نفسه!.
عجز مجلس الأمن عن وقف الحرب وتمهيد الطريق لإنهاء الأزمة
أصبحت الأزمة اليمنية من أطول الأزمات الدولية وأكثرها تعقيداً اليوم، ولا يمكن إنكار دور قرارات مجلس الأمن في استمرار هذه الأزمة. والمهم أن قرارات مجلس الأمن لم تخفف الأزمة في اليمن فحسب، بل ساهمت في استمرارها وإطالة أمدها، ولا شك أن حظر الأسلحة بمعناه الوجودي ليس له أي تأثير على القوة العسكرية لـ “أنصار الله” بصنعاء، وذلك لان هذا البلد الفقير ليس لديه القدرة المالية على شراء الأسلحة ولا القدرة على استيراد الأسلحة.
ونتيجة لذلك، يتصرف مجلس الأمن فقط كختم الموافقة على السياسات العدوانية للسعودية والإمارات للانحراف عن طاولة المفاوضات والتقدم نحو حل سياسي.
في الواقع، لطالما استغلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قرارات مجلس الأمن لإضفاء الشرعية على اعمالهما لخداع المجتمع الدولي لمواصلة أنشطتهما الإجرامية في اليمن.
والقضية الأخرى هي أن أعضاء مجلس الأمن لهم مصلحة في استمرار الحرب اليمنية من خلال عقد صفقات أسلحة مع السعودية والإمارات، ونتيجة لذلك، رغم كل الأدلة على الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، لم يقم الغرب بفرض أي عقوبات على الرياض وابوظبي، وإنما أيضا لم يتخذ إجراءات ضد السعودية بصفتها البادئ في الحرب على اليمن، وواصلوا بيع الأسلحة لتلك الدول المعتدية للاستمرار في قتل أبناء الشعب اليمني.
وفي هذا الصدد، يمكننا أن نشير إلى صفقات عسكرية بقيمة 110 مليارات دولار في مايو 2017 مع المملكة العربية السعودية. إلا أن من أهم الالتزامات التي انتهكها التحالف في الصراع اليمني عدم مراعاة مبدأ الفصل والتناسب، بسبب استخدام الأسلحة والقنابل العنقودية.
إن مجلس الامن الدولي والأمم المتحدة شريكان أساسيان في الابادة الجماعية التي تحدث للشعب اليمني من خلال صمتهما وموافقتهما على الحصار الجائر الذي تفرضه قوات العدوان على ميناء الحديدة منذ اكثر من ست سنوات ونصف والذي بدوره يهدد بكارثة انسانية بكل المستويات والمقاييس وعلى راس ذلك القطاع الصحي. وفي الختام، يمكن القول إن حكومة صنعاء لا يمكنها أن تعّول ابداً على مجلس الامن ولا على الأمم المتحدة في تحقيق اي تقدم نحو السلام العادل ولن تعّول عليها في أي أمر في ظل الهيمنة الأمريكية والمال السعودي عليها والذي اخرجهما تماما عن دائرة الاستقلال، وما استمرار قيادة صنعاء في مجاراة مجلس الامن والأمم المتحدة إلا من باب التأكيد على حسن نواياها وعلى رغبتها الحقيقية في الوصول إلى السلام العادل والمشرف، وهو في الوقت ذاته تأكيد على أن المواجهة والصمود هو خيارها الوحيد دون السلام العادل وأن على تحالف العدوان ومجلس الامن والامم المتحدة أن يعلموا أن الاستسلام غير وارد ولا وجود له في كل قواميسها أياً كانت النتائج التي تتمخض عن هذا الموقف الاساسي والمبدئي لليمنيين قيادة وشعباً.
المصدر: الوفاق
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال