بعد حرب 7 أكتوبر وجهت العديد من وسائل الإعلام الغربية مقارنتها لهذه الحرب بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وكان هدفهم إحياء الإسلاموفوبيا التي بدأت تتلاشى، وهذا ما دفعهم لتحقيق أهدافهم في التدخل في غرب آسيا حيث كانت الإسلاموفوبيا تُعد مبررًا للإجراءات غير القانونية والمناهضة لحقوق الإنسان التي اتخذتها الولايات المتحدة في أفغانستان، وهو ما حدث بعد الحادي عشر من سبتمبر. في الواقع كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 بمثابة ضربة قاسية للمسلمين في أمريكا والعالم مما أدى إلى انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا وصعوبات الحياة بالنسبة للمسلمين في مختلف أنحاء العالم، ولا تزال تداعياتها مرئية في بعض المناطق حتى الآن.
لكن اليوم وبعد 7 أكتوبر قضى إيمان وصمود أهل غزة على مشروع الإسلاموفوبيا الذي يتبناه العدو في الغرب. لقد جعل إيمان وصمود أهل غزة على مدى إحدى عشرة شهرًا، من هؤلاء الناس أنفسهم الناطقين والمروجين للعالم الإسلامي في الغرب، وأصبح من الواضح للجميع طبيعة النظام الصهيوني المجرم. يمكن ملاحظة ذلك بشكل جيد من خلال المظاهرات التي شهدتها مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة دعماً لفلسطين وغزة.
في الشهور الأولى من حرب حماس-إسرائيل، أشارت صحيفة –بدعوت- إلى أن "الحرب الإسرائيلية في غزة، بعد أحداث 7 أكتوبر وما تبعها من صور معاناة شعب غزة، قد أعطت حافزًا كبيرًا للأمريكيين للاهتمام بالقرآن والإسلام. هذه المرة الجيل Z هو المستهدف؛ فهم أولئك الذين وجدوا في القرآن ونصوصه نقاط انطلاق لرؤيتهم تجاه العالم وقرروا الانضمام إلى هذه المسيرة".
كما أفادت صحيفة "غارديان" البريطانية بأن الشباب في أمريكا اتجهوا إلى قراءة القرآن لفهم سبب مقاومة الفلسطينيين ضد إسرائيل. وأشارت الصحيفة إلى أن الفيديوهات التي نُشرت تحت هاشتاغ quranbookclub على وسائل التواصل الاجتماعي قد حظيت حتى الآن بملايين المشاهدات، حيث يشارك الكثير من المستخدمين صورهم وأفلامهم مع كتب القرآن التي قاموا بشرائها حديثًا وقراءة آيات هذا الكتاب للمرة الأولى. [1]
أبدت ميغان مرايس، ناشطة تيك توك الأمريكية الشهيرة، في فيديو لها دهشتها من مدى صمود أهل غزة، ثم نصحت الآخرين بقراءة القرآن لمعرفة سر هذا الصمود. في نهاية المطاف اعتنقت الإسلام وغطت شعرها حيث قالت: "وجدت في القرآن عبارات مثيرة للاهتمام"، مثل أن الفتنة أشد من القتل. كما أنها تعجبت من المكانة العالية للمرأة التي وجدتها في القرآن واهتمامه بحقوقهن. وتقول: "حقًا قراءة القرآن رائعة جدًا". [2]
تعتبر رايس جزءًا من تلك الظاهرة التي انتشرت بسرعة بين جيل(z) فقد وجدوا في القرآن والإسلام معاني يؤمنون بها مثل قيم الحرية والتضامن الاجتماعي والمقاومة ضد العالم المستبد والاستغلال، بجانب كونها أداة فعالة لتحدي المؤسسات والأجيال السابقة.
لذا يمكن القول إن مقارنة هجوم 7 أكتوبر مع الحادي عشر من سبتمبر ليست بعيدة عن الواقع بشكل عام. لكن ليس بالصورة التي تناولتها وسائل الإعلام المؤيدة للنظام الإسرائيلي في الأشهر الأولى من حرب حماس-إسرائيل. وتساعد هذه المقارنة في توضيح أسباب تجاهل الطلبات الدولية من أجل وقف إطلاق النار داخل إسرائيل فحرب غزة ليست حدثًا صغيرًا في زاوية من العالم بل لها تأثيرات مهمة على المعادلات العالمية.
إحدى أبرز أوجه الشبه بين حرب 7 أكتوبر و11 سبتمبر هي عدم الالتفات إلى القوانين الدولية التي حدثت بعد كلتا الواقعتين. خلال 11 شهرًا الماضية تصاعدت الاتهامات المتعلقة بتعذيب الفلسطينيين المحتجزين على يد نظام الاحتلال الإسرائيلي إلى مستويات غير مسبوقة مما أثار ردود فعل عديدة من نشطاء حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم.
مخيم "سديميم" هو قاعدة عسكرية حولتها سلطات الاحتلال الصهيوني إلى مركز احتجاز للمعتقلين الفلسطينيين من غزة. يُحتجز الفلسطينيون الموقوفون في هذه المنشأة في أسوأ الأوضاع لحين البت في قضاياهم. وفقًا لتحقيقات شبكة سي إن إن فقد أثارت الشهادات الواردة احتجاجات دولية وهي من مسربين صهاينة ومعتقلين فلسطينيين سابقين فضلاً عن شهود عيان، وقضايا تتعلق بالظروف الرهيبة في هذا السجن الميداني بما في ذلك استخدام الكوابح والأصفاد.[3]
تُعَد هذه الجرائم مجرد جزء من الانتهاكات التي تحدث في مركز احتجاز، لكن الجرائم الموجهة ضد حقوق الإنسان التي استهدفت النساء والأطفال الفلسطينيين خلال الأشهر الحادية عشرة الماضية ومقتل الآلاف من الأطفال الأبرياء والمدنيين الفلسطينيين بسبب الهجمات الإسرائيلية لم يتم متابعتها بالشكل اللازم من قبل الهيئات والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان. كما أن الهجمات الأمريكية على أفغانستان بعد 11 سبتمبر أدت إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الشعب الأفغاني، وما زالت تداعيات تلك الأحداث مستمرة حتى اليوم.
الواقع هو أنه بعد 11 سبتمبر وجدت الولايات المتحدة نفسها لسنوات عديدة في مستنقع الشرق الأوسط، حيث أنفقت آلاف المليارات في العراق وأفغانستان وسورية ولم تجنِ سوى الكراهية والفضيحة. وفي النهاية سلمت أفغانستان لطالبان وهربت لقد أتاح انشغال الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فرصة ثمينة لأهم منافس لها وهو الصين لتزداد اقتصادية ونفوذًا سياسيًا في ظل الهدوء والازدهار لتصبح اليوم شريكًا تجاريًا رئيسيًا للسعودية وإيران والإمارات والعراق وغيرها.
تعتبر حرب 7 أكتوبر على غزة أيضًا استمرارًا لفشل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتحديًا لوجود نظام الاحتلال الإسرائيلي. إن الإضرابات والمظاهرات التي قام بها سكان الأراضي المحتلة في الأيام الأخيرة والخلافات داخل الحكومة وبين القادة السياسيين والعسكريين تثبت هذه القضية، حيث إن النظام الصهيوني عالق في مستنقع يبدو أن الخروج منه أصبح صعبًا بل ومستحيلاً. حتى أنه قبل فترة أشار جو بايدن - رئيس الولايات المتحدة - إلى 11 سبتمبر في حديثه مع "بيبي" نتنياهو، مشيرًا إلى غضب الأمريكيين والإسرائيليين في ذلك الوقت والظروف الحالية معترفًا بأن الإجراءات الأمريكية بعد تلك الكارثة لم تكن بالضرورة صحيحة. كما حذر بايدن نظام الاحتلال الإسرائيلي وأكد على ضرورة الحل القائم على دولتين "فلسطين وإسرائيل"، عازيًا ذلك كخيار طويل الأمد للخروج من الأزمة الراهنة.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال