تراجع الديمقراطية الغربية؟

تراجع الديمقراطية الغربية؟

في الوقت الذي تقترب فيه انتخابات البرلمان الأوروبي، تتزايد جهود السياسيين الأوروبيين من أجل دعوة الناس للحضور إلى صناديق الاقتراع والمشاركة في الإنتخابات. ويحاولون زيادة حماس ورغبة الشعب الأوروبي في المشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي من خلال تحديد أهمية موقف الشعب. لكن يبدو أن سكان القارة الخضراء ليسوا سعداء جداً بهذه الديمقراطية وأن رغبتهم في الديمقراطية آخذة في التناقص.

ماذا تظهر استطلاعات الرأي حول هذه المشاركة؟
وأجرى مؤشر مقيم الديمقراطية (DPI)، وهو أكبر مقيم للديمقراطية في العالم ويبلغ عدد سكانه 63 ألف شخص من 53 دولة، بما في ذلك 15 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، دراسة استقصائية في الفترة بين فبراير وأبريل من هذا العام. في هذا الاستطلاع شهدت إحصائية البنية الديمقراطية الحالية في الغرب انخفاضًا في تقيمها. ويحدث هذا في اليونان وفرنسا والمجر أكثر من الدول الأوروبية الأخرى. والواقع أن شعوب هذه البلدان الثلاثة تعتقد أنها لا تعيش في ظل نظام ديمقراطي بنسبة 31% من شعب المجر يعتبرون بلادهم ديمقراطية، في حين أن هذا البلد يواجه العديد من التحديات مع الاتحاد الأوروبي ويحاول الاتحاد الأوروبي إقرار القيم الأوروبية الواحدة والمشتركة مع هذا البلد. وقد أدى هذا النهج الذي اتبعه الاتحاد الأوروبي إلى خلاف بين المجر والاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى حجب جزء من ميزانية البلاد. وهذه الأحداث إلى جانب الحرب في أوكرانيا زادت من أسباب عدم الرضا عند شعب هذا البلد وجعلت معظم سكان هذا البلد يشعرون أنهم لا يعيشون في ظل ديمقراطية حقيقية[1].

وفي اليونان، مهد الديمقراطية يرى 43% فقط من الناس أن بلادهم ديمقراطية. وفي السنوات الأخيرة خضعت هذه الدولة لتدقيق وفحص كبير من قبل الاتحاد الأوروبي بسبب المواجهة مع المهاجرين الذين يأتون إلى هذا البلد من البحر الأبيض المتوسط، بالاضافة الى العملية التآكلية للحد من حرية وسائل الإعلام، ومحاكمة الصحفيين والمعارضين للحكومة. في وقت سابق من هذا العام، أدان البرلمان الأوروبي التراجع المستمر لسيادة القانون في اليونان من خلال إصدار قرار دعا إلى مراجعة مساعدات الاتحاد الأوروبي لهذا البلد. وفي الواقع تسعى اليونان إلى استعادة قوتها الاقتصادية وتعتبر وجود المهاجرين مشكلة كبيرة يجب مواجهتها، وتعتقد أن الاتحاد الأوروبي تركهم وشأنهم. وتتعامل هذه الدولة مع الأزمة الاقتصادية بالإضافة إلى أزمة المهاجرين وتحاول إحياء نفسها بدعم من الاتحاد الأوروبي، لكن الاتحاد الأوروبي خلق لهم المزيد من القيود في مجال الديمقراطية، مما تسبب في مشاكل بين البلدين أوروبا واليونان.

فرنسا دولة أوروبية أخرى حيث يعتبر 46% من سكانها أن بلادهم ديمقراطية. تسببت الطرق الوحشية للشرطة وتصريحات ماكرون حول قانون التقاعد في استياء واسع النطاق في فرنسا، ويعتقد شعب هذا البلد أن القيم الديمقراطية هي لعبة سياسيين لهم أهداف محددة[2].

وفي بلدان أوروبية أخرى، انخفض معدل رضا الناس عن الديمقراطية. في الواقع لا تعتبر شعوب أوروبا حكوماتها ممثلة للشعب، وتعتقد أن الحكومات تعمل بما يتماشى مع مصالح أفراد ومجموعات محددة. وهذه المشكلة موجودة في ألمانيا أكثر من غيرها من الدول الأوروبية، وهو ما يعني اتساع الفجوة بين رغبات الشعب وسياسات الحكومة. وتتعقد هذه المشكلة عندما تصبح مطالب الناس جذرية، مثل طرد المهاجرين أو معاداة الإسلام السياسي، مما يعني زيادة الفجوة بين شعوب أوروبا، وهي قضية ستستفيد منها الحركات المتطرفة واليمينية المتطرفة، والتي هي أيضا مناهضة للحركات الديمقراطية والعملية وسوف يتسارع تراجع الديمقراطية في هذه القارة[3].

وتعني هذه القضية عدم الاهتمام بالمصلحة العامة للشعوب، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الفجوات الاجتماعية في أوروبا. وإذا خسرت أوروبا قيمها الديمقراطية، فإنها سوف تتلقى ضربة قوية باعتبارها الدول الديمقراطية الأعلى على مستوى العالم. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه الضربة لن تؤثر على مصداقية أوروبا فحسب، بل ستؤثر أيضًا على طبيعة الديمقراطية الغربية، حيث يتم التشكيك في مفهوم هوية قطاع الديمقراطية الليبرالية، ويمكن أن تكون هذه القضية خطيرة جدًا على مستقبل الغرب وبالإضافة إلى ذلك، فإن السياسات الغربية والمعايير المزدوجة أدت إلى انخفاض ثقة الشعوب الغربية بحكوماتها، وعلى الحكومات أن تسعى إلى إزالة هذه النظرة بين الناس حتى تتمكن من الاستمرار في أن تكون ديمقراطيات ناجحة وإلا فلن يتمتع الغرب بالديمقراطية في المستقبل.

امین مهدوي


[1] euronews.com
[2] statista.com
[3] theconversation.com
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال