تشظي صفقة القرن وارتداداتها .. 28

تشظي صفقة القرن وارتداداتها ..

واقع لا محال في أن نخوضه اليوم ، ونبحث فيه ونتدارسه ، إن كان هناك ..!! مايزال ضمير يعيش فينا. فتصريحات كوشنير السابقة بخصوص صفقة القرن غريبة ، حيث إنها تقول إن توسع إسرائيل أمر لا يمكن إيقافه ، ولذلك فإنه لا يوجد أي خيار أمام فلسطين إلا التوقيع على الصفقة ، وبهذا فهي تمنح الضوء الأخضر للقيادات الإسرائيلية لتوسيع المستوطنات غير المشروعة، وهذه تطورات تزيد الأمر سوءاً وتجعل تنفيذ خطة سلام أكثر صعوبة، فالخطة المطروحة من قبل نتنياهو ومعسكر اليمين هي في حقيقتها خطة اليسار الإسرائيلي قبل ثلاثة عقود ، وتعني حل الدولتين بين النهر والبحر وعاصمتهما القدس ، لكن المشكلة تكمن في الوقائع على الأرض ، فقد اشترط ترامب على الفلسطينيين شروطا وتعهدات قاسية قبل إقامة دولتهم السيادية ، وإمكانية العثور على زعيم فلسطيني يقبل بهذه الشروط هو صفر مطلق…!!! كما يرونه ولكننا نرى ان الصفر قادم ، والقادم هو الدحلان أو امثاله، ممن تم تجهيزهم وبرمجتهم لخيانة اواطانهم وشعوبهم ، وما إكثرهم اليوم .
لذلك ننظر في أن المشكلة التي تواجه نتنياهو أنه حتى لو حصل على 80 مقعداً في الكنيست، فإنه بعد زمن قصير فقط سيتحول إلى متهم في محاكمة جنائية إسرائيلية ، لذلك يمكن القول بكثير من الثقة إن صفقة القرن لن تسفر عن تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا من قريب ولا من بعيد والانفجار الجماهيري قادم ، ومن قلب فلسطين ومن شعب فلسطين الداخل .
لذلك لن تسفر صفقة القرن الأمريكية عن تحقيق السلام ، لكن بنيامين نتنياهو أنقذ نفسه من خلالها من ورطته السياسية ، ولذلك يمكن اعتبار صفقة ترامب كوشنر هي طوق النجاة لنتنياهو ، وبفضلها يمكن له الوصول إلى 61 عضو كنيست يمنحونه ثقة تشكيل الحكومة القادمة ، فاليوم وبالامس البعيد والقريب والمستقبل ، تحاول إسرائيل استغلال صفقة القرن لتوظيف دول الخليج في عملية التطبيع معها ، وفي حالة حدوث ذلك ستعمل إسرائيل على غزو البضائع الاسرائيلية للأسواق الخليجية ، حيث تدرك إسرائيل أن القدرة الاقتصادية والمالية لدول الخليج يمكن أن تدعم الاقتصاد الإسرائيلي، علماً أن السنوات الأخيرة شهدت تقارباً فعلياً وخاصة في الاشتراك في عداء إيران .
لذلك ومن منطلق الاحداث وتصعيدها، حاولت أمريكا بسبب هذه الأحداث المصطنعة في الوطن العربي منذ عام 2010 دعم الأهداف الأمريكية القصوى ، أي فرض أقصى ضغط اقتصادي لإحداث ثورات داخلية ، بما في ذلك محاولة تغيير الأنظمة بالجملة في كل من ليبيا ومصر وسورية ، واكتشفت الإدارة بسرعة أنها لا تملك الإمكانيات لإدارة نتائج هذه السياسات ، وأدى صعود تنظيم داعش وتورطها فيه إلى جرها عسكرياً إلى المنطقة .
من هنا نجد ان إلقاء نظرة على خارطة الدولة المقترحة يكفي لمعرفة أنه لن تكون هناك دولة في فلسطين ، فالخطة تمنح إسرائيل جميع المستوطنات تقريباً مع غور الأردن ووادي عربه ، وحتى لو قُبلت الخطة ، فغير معروف ما إذا كانت إسرائيل ستعترف بدولة فلسطين بعد 4 أعوام ، عموماً لا يبدو أن الخطة واعدة للسيادة الفلسطينية أو بالنسبة لإحداث تطور حقيقي في وضع الشعب الفلسطيني .
لذلك اليوم تريد واشنطن الدفع لتوحيد الموقف الأوروبي للمضي وراء موقفها ، في فرض أشد الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية ضد دمشق ، لتوفير أدوات ضغط على روسيا للجلوس على الطاولة حول المستقبل السياسي ، وما يمكن أن تشمله سلة الإجراءات، هو فرض عقوبات اقتصادية ضد رجال أعمال وكيانات في دمشق ، ذلك أن الجانب الأميركي يرى أن قانون قيصر سهّل عملية فرض العقوبات داخل المؤسسات الأميركية ، إذ إن واشنطن بصدد إصدار قائمة جديدة لفرض عقوبات .
من هنا نلحظ أن عدد من الدول الأوروبية تردد في المضي في الاقتراحات الأميركية لتبني سياسة الضغط الأقصى على دمشق، باعتبار أنها ترى أن موضوع الصبر الاستراتيجي مكلف لأوروبا بسبب مخاوفها من الهجرة والإرهاب واللااستقرار في سوريا والأوضاع الداخلية لكل دولة أوروبية ، فأمريكا تستطيع الانتظار، لكن تكلفة الانتظار عالية في أوروبا، فالتباين بين أميركا وأوروبا إزاء سوريا يشابه انقسامهما إزاء الملف الإيراني .


بقلم: د. سليم الخراط

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال