143
أُجريت مؤخراً في ١١ نوفمبر ٢٠٢٥ الانتخابات البرلمانية العراقية السادسة منذ تاريخ سقوط نظام البعث و دون أي مشاكل. وكان من أبرز سماتها ارتفاع نسبة المشاركة، حيث بلغت 56.11% بينما كانت النسبة في الجولة السابقة حوالي 42%.
كما ارتفع عدد مقاعد الائتلافات الشيعية إلى 189 مقعدًا، أي أكثر من الجولة السابقة التي حصدت فيها 183 مقعدًا من أصل 329 مقعدًا. ومن الجدير بالذكر أيضًا تحسن وضع كتلة إطار التنسيق في البرلمان الجديد. فبينما كان للإطار 123 مقعدًا في البرلمان السابق، بالإضافة إلى 50 مقعدًا موزعة بينه وبين التيار الشيعي (العلمانيين) وعدد من المستقلين، تمكن في البرلمان الجديد من الفوز ب 183 مقعدًا دون احتساب مقاعدهم. ومن المثير للاهتمام أن بعض القوائم العلمانية مثل قائمة البدائل بقيادة عدنان الزرفي لم تفز بأي مقعد.
ومن القضايا التي تؤثر على العملية السياسية في العراق أن الفارق في عدد مقاعد الائتلافات سواءً كانت شيعية أو سنية أو كردية، في هذه الانتخابات ليس كبيرًا، بل هو ضعف الفارق في الانتخابات السابقة؛ بينما كان الفارق بين عدد مقاعد الائتلاف الأول والائتلاف أو الحزب التالي ضعف الفارق تقريبًا. وهذا يحول دون تفوق أي تيار على غيره وفرض إرادته. بعبارة أخرى بات على جميع الائتلافات والأحزاب الفائزة الجلوس إلى طاولة واحدة والحصول على موافقة بعضها لتشكيل الحكومة وحل الخلافات فيما بينها وهي بحاجة إلى بعضها البعض.
ومن النقاط المهمة الأخرى أن عدد أصوات الائتلافات الفائزة لا يمثل بالضرورة الهيكل الحقيقي للحكومة العراقية المقبلة، لأن معظم الائتلافات تتكون من عدة أحزاب. تتألف ائتلافات كبيرة، مثل ائتلاف إعادة الإعمار والتنمية بقيادة محمد شياع السوداني، وحكومة القانون بقيادة نوري المالكي، وحتى عدد من المقاعد في قائمة عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي من عدة أحزاب. بل إن بعض هذه الائتلافات تضم 11 حزباً مع بعض.
يؤدي هذا الوضع إلى انقسام الائتلافات وتنازعها، سعياً وراء مصالح حزبية أكثر. كما أن هذه الائتلافات في سياق تشكيل الحكومة لا تستطيع ممارسة النفوذ اللازم، لأن هذه الأحزاب هي التي تسعى إلى الحصول على مقعد في الحكومة، وتحاول أن يكون لها تأثير كبير بناءً على عدد المقاعد والأصوات التي حصدتها.[1]
ووفقاً للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في العراق، يتصدر ائتلاف "إعادة الإعمار والتنيمة" بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني النتائج ب 46 مقعداً. يحتل حزب "التقدم" بقيادة محمد الحلبوسي المركز الثاني ب 36 مقعداً بينما يحتل ائتلاف "دولة القانون" بقيادة نوري المالكي المركز الثالث ب 29 مقعداً. أما حزب "الصادقون" بقيادة قيس الخزعلي فقد فاز ب 28 مقعداً، والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني فاز ب 27 مقعداً.
في المجمل فازت الائتلافات والقوائم الشيعية ب 187 مقعدًا، والسنة ب 77 مقعدًا والأكراد ب 56 مقعدًا، والحصص الخاصة (للأقليات العرقية والدينية) ب 9 مقاعد.[2]
بعد إعلان النتائج، يُعدّ انتخاب رئيس الوزراء الحدث الأهم. وقد تصاعدت الخلافات داخل إطار التنسيق الشيعي الذي يضم معظم الأحزاب والحركات الشيعية في العراق حول اختيار رئيس الوزراء الجديد. ويصرّ محمد شياع السوداني على الاستمرار في منصبه بينما برز نوري المالكي كخيار قوي لقيادة الحكومة.
ويقول المحللون السياسيون إن جماعات المقاومة تثق أكثر بنوري المالكي، وهو ما قد يصبّ في مصلحته في المفاوضات المتعلقة بدمج هذه الجماعات أو نزع سلاحها. من جهة أخرى يعتقد محمد شياع السوداني أن النجاح في هذا الأمر يتطلب دعم "تحالف دولي" وسيطرة حكومية كاملة على كل السلاح الموجود.
أفادت مصادر مقربة من الجماعات الشيعية أنه في حال استمرار الخلافات الداخلية، فمن المحتمل طرح مرشحين جدد.
وأعلن مصدر مقرب من السوداني أنه تم اقتراح نحو عشرين مرشحًا لمنصب رئيس الوزراء حتى الآن إلا أن أياً منهم لم يصل إلى المرحلة النهائية أو التقديم الرسمي، ولا تزال المناقشات جارية.[3]
قبل اختيار رئيس الوزراء يجب تحديد رئيس الجمهورية العراقية الذي يُنتخب عادةً من بين الأكراد. ومع ذلك ومع تفاقم الخلافات بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق، الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني بزعامة بافل طالباني، دخلت العملية السياسية في البلاد مرحلة جديدة من التعقيد؛ وهي مسألة قد تعيق تشكيل الرؤساء الثلاثة والحكومة المقبلة.
وقد صرّح الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بأنه نظرًا لفوزه بأكبر عدد من المقاعد في إقليم كردستان في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة يجب عليه أيضًا تقديم مرشح رئاسي وهو موقف لاقى معارضة شديدة من الاتحاد الوطني الكردستاني.
وصرح الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بأنه نظرًا لفوزه بأكبر عدد من المقاعد في إقليم كردستان في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، فإنه ملزم أيضًا بتقديم مرشح رئاسي، وهو موقف لاقى معارضة شديدة من الاتحاد الوطني الكردستاني.
ومع ذلك أعلن الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي أن معظم الأحزاب السياسية مقتنعة بأن منصب الرئيس العراقي هو من نصيب الاتحاد الوطني الكردستاني، لا سيما بالنظر إلى أن الاتفاقات السابقة داخل المنطقة قد تم إبرامها أيضاً على أساس معادلة تضمن وصول الحزب الديمقراطي إلى الرئاسة الإقليمية ووصول الاتحاد الوطني إلى الرئاسة العراقية.[4]
لا تقتصر الخلافات الكردية على انتخاب رئيس العراق. فقد مرّ عام على انتخابات حكومة إقليم كردستان العراق لكنها لم تنجح بعد في تشكيل حكومة محلية بسبب الخلافات الداخلية الحادة. وقد أضعفت هذه الخلافات القدرة التفاوضية للأكراد مع الفصائل السياسية الأخرى، وستؤدي إلى تقليص امتيازاتهم لا سيما في الحصول على مناصب وزارية.
وتدور صراعات سياسية أيضاً بين العرب السنة في العراق. فقد أعلنت الفصائل السياسية السنية الخمس الرئيسية في العراق عن تشكيل تحالف سياسي في البرلمان الجديد تحت مسمى "المجلس السياسي الوطني"، والذي وصفه مراقبون سياسيون بأنه النسخة السنية من "ائتلاف التنسيق الشيعي" لكنهم أعربوا عن شكوكهم في استدامته.
يشغل المجلس السياسي الوطني 60 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البرلمان ويسعى للتفاوض على منصب رئيس البرلمان، فضلاً عن عدد من المناصب الوزارية في الحكومة.
إذا استقر هذا التحالف السياسي ولم يتفكك بسبب الخلافات السياسية بين قادته فمن المتوقع أن تنضم إليه بعض الفصائل السنية الصغيرة في البرلمان.[5]
قبل الانتخابات العراقية سعت الولايات المتحدة إلى إثارة الفتنة واستقطاب مؤيدي ومعارضي المقاومة في العراق عبر تدخلات عديدة، باءت بالفشل مع ازدياد مشاركة الشعب العراقي وتصويته للأحزاب المؤيدة للمقاومة إلا أنها تواصل جهودها للضغط على محور المقاومة.
مع انتهاء الانتخابات البرلمانية العراقية، فُتح فصل جديد في مسيرة الديمقراطية العراقية الناشئة. ويرى بعض المحللين أن هناك سيناريوهين لمستقبل العراق السياسي في مرحلة ما بعد الانتخابات.
السيناريو الأول مثالي للغاية؛ مثل تشكيل الحكومة بسرعة كبيرة ودون أي مشاكل. في حال تحقق هذا السيناريو، سيتم تشكيل الحكومة بسلاسة خاصةً وأن الأحزاب الأخرى سواءً كانت سنية أو كردية - إذا ما اتفقت أحزاب التنسيق - ستضطر إلى الاتفاق فيما بينها والانضمام إلى إطار التنسيق.
السيناريو الثاني وهو الأضعف؛ وجود خلافات داخل إطار التنسيق الشيعي بشأن ترشيح رئيس الوزراء مما يُنذر بتوترات وصراعات ويُطيل أمد تشكيل الحكومة.
في حال نشوب خلافات ضمن إطار التنسيق، سيستغل التياران السني والكردي هذه الفرصة لمحاولة تحقيق مكاسب من خلال فرض المزيد من شروطهما.
تُدرك التيارات السياسية المختلفة في العراق، بما فيها الشيعة والسنة والأكراد، حساسية الأوضاع في المنطقة وتُدرك أن المنطقة والعراق على وجه الخصوص لا يُمكنها تحمّل المزيد من الأزمات وأنّ تشكيل حكومة سريعًا سيحول دون وقوع أزمة ويُعزز استقرار المنطقة والعراق.
محمد صالح قرباني
[1] http://www.irdiplomacy.ir/fa/news/2036329/%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%85%DB%8C%D9%82-%D9%88-%D9%88%DB%8C%DA%98%DA%AF%DB%8C-%D9%87%D8%A7%DB%8C-%D8%A8%D8%B1%D8%AC%D8%B3%D8%AA%D9%87-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82
[2] https://farsnews.ir/fgholami/1763445179527364532
[3] https://www.ilna.ir/fa/tiny/news-1722710
[4] https://www.tasnimnews.com/fa/news/1404/09/16/3466011/%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%AF-%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%AF-%D8%B3%DB%8C%D8%A7%D8%B3%DB%8C-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%A8%D9%87-%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D9%87-%D9%BE%DB%8C%DA%86%DB%8C%D8%AF%D9%87-%DA%AF%D8%B1%D9%87-%DA%A9%D9%88%D8%B1-%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D8%B1%D8%A8%DB%8C%D9%84-%D9%88-%D8%B3%D9%84%DB%8C%D9%85%D8%A7%D9%86%DB%8C%D9%87-%D8%A8%D8%A7%D8%B2-%D9%85%DB%8C-%D8%B4%D9%88%D8%AF
[5] https://irna.ir/xjW3NK
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال