تطلعات قطر المستقبلية 778

تطلعات قطر المستقبلية

تسعى دولة قطر بوصفها دولة رائدة في الحوار وحل القضايا الإقليمية عبر الدبلوماسية، إلى أداء دور الوساطة بأفضل صورة ممكنة. لقد عملت قطر على بناء علاقات طيبة مع القوى الكبرى والمهمة في العالم من أجل تعزيز قدرتها التفاوضية. وفي هذا السياق تعتبر بريطانيا واحدة من هذه الدول المهمة التي تسعى قطر إلى توسيع علاقاتها الثنائية معها. وكانت زيارة أمير قطر الأخيرة إلى لندن ضمن هذا الإطار حيث تسعى قطر لتعزيز علاقاتها مع المملكة المتحدة على مختلف الأصعدة.

تُعد قطر واحدة من أهم الدول في المنطقة وتتنافس استراتيجياً مع المملكة العربية السعودية. على الرغم من أن كلا البلدين يسيران في مسار متقدم إلا أنهما يسعيان إلى تعزيز مكانتهما في النظام الدولي. إن كلا الدولتين تدركان قدراتهما البيئية وبناءً على جغرافيتهما السياسية تسعيان إلى التأثير وكسب حلفاء مختلفين. ومع أن حلفاء الدولتين في الكثير من المجالات هم من القوى الكبرى مثل بريطانيا، فرنسا، الصين، والولايات المتحدة، فإن هذا الوضع يمنع وقوع مواجهة مباشرة بينهما. وبالتالي فقد حددت الدولتان نوعاً من السلام القائم على العلاقات الاستراتيجية.

ومع ذلك فإن قطر والسعودية لديهما مصالح إقليمية مختلفة وهذه الاختلافات تعزز من إمكانية حدوث تباين بينهما تجاه الأحداث الإقليمية. يسعى كل من البلدين إلى تعزيز دوره كلاعب رئيسي في المنطقة، من أجل تحقيق قدر أكبر من التأثير وصنع القرار بما يتماشى مع مصالحهما على المدى الطويل. ومع ذلك فقد بذل كلا البلدين دائماً جهودهما لتجنب المواجهة المباشرة وبدلاً من ذلك يسعيان إلى زعزعة استقرار خطط الطرف الآخر.

علاوة على ذلك تسعى قطر لتعزيز دورها العالمي كلاعب مهم في مجالي الطاقة والدبلوماسية. فقد تمكنت من تعزيز مكانتها الدولية من خلال أدائها لدور الوساطة في قضايا مثل أفغانستان، وفي وقت لاحق في حرب غزة مما جعلها دولة موثوقة في حل النزاعات الإقليمية. ولم تكتفِ قطر بذلك فهي تسعى أيضاً لتقديم نفسها كواحدة من الموردين الرئيسيين للطاقة في العالم. وسط النزاع بين روسيا وأوكرانيا وقد أثبتت قطر مكانتها في سوق الغاز الأوروبي من خلال تصدير كميات ضخمة من الغاز المسال وتمكنت من أن تكون منافساً جدياً للولايات المتحدة في سوق الغاز الأوروبي. في الواقع سعت قطر إلى زيادة علاقاتها الاستراتيجية مع أوروبا باستخدام الأدوات المتاحة لها.

إضافة إلى ذلك تدرك قطر أنه من أجل إقامة علاقات مستقرة مع أوروبا وأمريكا يجب أن تقيم علاقات جيدة مع بريطانيا كقوة توازن على جانبي الأطلسي. لذا بدأت منذ عام 2021 تعزيز علاقاتها مع هذا البلد. في الواقع تسعى قطر بنظرة مستقبلية إلى التنمية والتقدم في مجالات متنوعة. منذ عام 2021 كانت قطر والمملكة المتحدة تبحثان عن عقود استراتيجية وتطوير العلاقات بينهما. (1) ونتيجة لهذه اللقاءات والمحادثات شهدت مستويات التعاون في مجالات مختلفة مثل الاستثمار والتعليم والمواضيع العسكرية والدفاعية زيادة ملحوظة. هذه العقود التي بلغت قيمتها أكثر من 6 مليارات جنيه إسترليني تعكس بوضوح تعزيز مجالات التعاون بين الطرفين.

من الأسباب التي أدت إلى توسيع هذه العلاقات هي الرؤية المشتركة للبلدين حيال حل القضايا العالمية. حيث تتبنى قطر وبريطانيا مواقف قريبة بشأن اليمن وليبيا وأفغانستان وحتى فلسطين، مما يسهل تعزيز علاقاتهما في مجالات أخرى أيضاً. خلال آخر زيارة لأمير قطر إلى بريطانيا استُقبل استقبالاً غير عادي مما يدل على عمق العلاقات بين البلدين. وقد كانت مأدبة العشاء مع ملك بريطانيا تليها مناقشات مع رئيس الوزراء البريطاني وتوقيع عقود مختلفة بين البلدين من الإنجازات التي تحققت خلال هذه الزيارة. تظهر استثمارات قطر التي بلغت مليار دولار في الشركات الناشئة المتعلقة بالطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء أنها تسعى إلى تعزيز مكانتها كدولة تدعم البيئة. (2)

لذا تعمل قطر على تعزيز مكانتها في هيكل النظام الدولي فيما تتنافس سياسياً مع السعودية وبقية دول المنطقة، لضمان عدم تأخرها عن ركب التطورات وكسب دعم القوى الكبرى. غالباً ما يتم الحصول على هذا الدعم عبر الاقتصاد والاستثمار المتبادل وقد تمكنت قطر بالفعل من أن تصبح شريكاً استراتيجياً ومهماً لبريطانيا مما جعل جزءاً من اقتصادها وسوقها يعتمد على استثمارات قطر وهذا يمكن أن يكون دعماً قيماً لدولة قطر لتعزيز قدرتها التفاوضية الإقليمية.


امین مهدوي


1- gulf-times
2- Reuters
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال