تطور العلاقات العسكرية والأمنية بين السعودية وإيران
من الطبيعي أن أهم عامل أساسي في تطوير العلاقات بين أي دولة وأخرى هو الاستقرار الأمني في تلك الدولة، وإلى جانب الاستقرار الأمني يدخل استعراض القوة العسكرية الذي تقيمه الدولة كنوع من الدفاع الذاتي المسبق حيث تقوم بإرسال رسائل سلام بهذا العرض أكثر من رسائل الحرب، من مبدأ أن الدولة القوية داخلياً وخارجياً تحافظ على أمنها بمجرد أنها قوية ومحصنة بحيث تخيف العدو وتكسب ود الصديق معاً. وفي الحقيقة لا ترغب الدول الأخرى في إقامة علاقات مع دولة لديها مشاكل أمنية، لأن التحديات مع البيئة المحيطة بها تعيق جذب رأس المال الأجنبي والعلاقات السياسية والاقتصادية، ولذلك فإن أي دولة ترغب في إقامة علاقات سياسية واقتصادية ودفاعية مع دول الجوار وكذلك الدول الخارجية، تحتاج إلى سياسة تصفية مشاكلها مع دول الجوار.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية خير مثالٍ على ماذكرته سابقاً فمن أجل تعزيز علاقاتها مع دول الجوار وإقامة علاقات جيدة معها تبني سياستها على مبدأ حسن الجوار واحترام سيادة الدول وشعوبها وهي مسألة طالما حظيت باهتمام وتأكيد رجال الدولة في السياسة الخارجية من أجل تنمية العلاقات الدولية.
وبناء على ذلك، واصلت الحكومة الثالثة عشرة تطوير علاقاتها الدبلوماسية مع مختلف الدول، وخاصة جيرانها، وسلكت طريق توسيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، مما أدى إلى اتفاق بين البلدين في بكين عاصمة الصين. وأعلنت سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بكين يوم الخميس 20 مارس 1401عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية.[1]
ماتقوم به الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتعزيز قوتها العسكرية ينعكس على زيادة أمن واستقرار المنطقة وخاصة في ظل وجود توترات وصراعات مختلفة في المنطقة وأهمها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تقوم ايران بدعم قوى المقاومة ضد اسرائيل لإيجاد نوع من التوازن على الأقل في ميزان القوى لتعزز به صمود المقاومة الإسلامية. وهذا يؤثر بطبيعة الحال على علاقتها مع الدول العربية المجاورة وخاصة المملكة العربية السعودية التي لها ثقل كبير في التأثير على سير الأحداث في النزعات الحاصلة في المنطقة العربية. ومن هنا تأتي أهمية التنسيق العسكري والأمني بين البلدين بعد عودة العلاقات السياسية إلى طبيعتها وافتتاح السفارات وتبادل الزيارات الرسمية الذي فتح الباب على مناقشة القضايا الأمنية والعسكرية لاستقرار الوضع الملتهب في المنطقة.
وبحسب وكالة مهر للأنباء، كتب علي رضا عنايتي، سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى السعودية، على الفضاء الافتراضي بمنصة X أن وفداً عسكرياً إيرانياً زار السعودية منذ أيام والتقى وتحدث مع رئيس هيئة الأركان المشتركة السعودية على هامش معرض الرياض الدفاعي.[2]
من جانبه أكد مساعد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية العميد بهمن بهمرد استعداد بلاده لتعزيز العلاقات مع السعودية في المجالين الأمني والدفاعي بعد لقائه برئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية الفريق الأول الركن فياض بن حامد الرویلي، وتم خلال هذا اللقاء تبادل الآراء حول سبل تعزيز العلاقات بين البلدين في المجالات الأمنية والدفاعية على المستوى الثنائي والإقليمي.
وأعرب العميد بهمرد عن استعداد إيران لتعزيز العلاقات بين البلدين، في إشارة إلى القدرات والإمكانيات الدفاعية والعسكرية التي تمتلكها الجمهورية الإسلامية الإيرانية.كما قام بتسليم رسالة موجهة من وزير الدفاع الإيراني إلى نظيره السعودي، ودعا الجانب السعودي إلى زيارة إيران.
وبحسب ما نقلت وكالة "مهر"، رحب الجانب السعودي بالوفد الإيراني، معربا عن شكره لقبولهم الدعوة لحضور "معرض الدفاع" الذي تستضيفه الرياض، كما أكد على أهمية بذل الجهود معا من أجل تطوير التعاون بين البلدين في المجالين العسكري والدفاعي.[3]
تأتي هذه الزيارة المهمة لوفد عسكري وأمني إلى السعودية تلبية لدعوة وزارة الدفاع السعودية لحضور معرض الصناعات العسكرية الدولي في الرياض. وفي مثل هذا الوضع من مستوى العلاقات بين إيران والسعودية وسط التوترات التي تشهدها المنطقة نتيجة الحرب المستمرة في غزة، فإنهم يتجهان بقوة نحو تنفيذ الاتفاقية الأمنية التي تم توقيعها بين البلدين منذ أكثر من عقدين من الزمن ومن أهم بنودها كانت مكافحة الجريمة والإرهاب ومراقبة الحدود البحرية والمياه الإقليمية بين البلدين وبقية الأمور ذات الصلة بوزارتي الداخلية لكلا البلدين..[4] والجدير بالذكر أنه تم سابقاً استعراض تطور العلاقات العسكرية بين الجانبين خلال المحادثة الهاتفية بين رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية ووزير الدفاع السعودي، وكذلك "المفاوضات التي جرت بين المسؤولين العسكريين من الجانبين في موسكو في أغسطس 2023"، في إشارة إلى المجالات التي تمت مناقشتها في المشاورات العسكرية الأمنية الثنائية.[5]
في الحقيقة أن الملف الأمني بين طهران والرياض يواجه تحديات مهمة مثل "أمن مياه الخليج الفارسي"، و"اتهامات متبادلة حول استخدام الأقليات للنفوذ في الخليج". ومن بينها "تهريب المخدرات" و"محاربة الإرهاب" و"الهجمات على الحدود والمنشآت النفطية" و"الحرب في اليمن". بالإضافة إلى الحرب الأخيرة بين اسرائيل و غزة ودور كلا البلدين ايران والسعودية في التأثير على طرفي الصراع، وكل تلك القضايا الأمنية مفتوحة للنقاش بين البلدين لإيجاد حلول توافقية ترسي الأمن في منطقة الخليج والمنطقة العربية عموماً.
إن أهمية الأمن والإستقرار لمنتجي الطاقة في المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية وإيران له مكانة عالية في السياسة الخارجية لكلا البلدين، ويعتقد أنه في الوضع الحالي وعلى الرغم من التحديات القائمة، تبدو العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية "جيدة" كما إنه لأمر مهم أن يتوسع التعاون الثنائي على نطاق واسع ويصل إلى مستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياحية وحتى الأمنية". وهي استراتيجية من شأنها أن تلعب دوراً فعالاً في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة في المستقبل وتوفر منصة مناسبة لمحاربة متكاملة ضد الإرهاب.
ومع ذلك كله، فإن توسيع التعاون الدفاعي العسكري بين إيران والمملكة العربية السعودية على المدى القصير لن يكون سهلاً للغاية وربما يتطلب وقتاً أطول وظروفاً دولية مناسبة أكثر من الوضع الحالي لكن الأهم من كل هذا أن سير تعزيز العلاقات بين الرياض وطهران يسير باتجاهه الصحيح ولو ببطىء مراعاة للظروف المحيطة ومن المهم جداً أن العلاقات انفتحت على المستوى العسكري والأمني بين البلدين.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال