تعذيب معارضي السلطة الفلسطينية يفجر غضباً في الشارع الفلسطيني 21

تعذيب معارضي السلطة الفلسطينية يفجر غضباً في الشارع الفلسطيني

اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الإنسان السلطة الفلسطينية بممارسة التعذيب المنهجي والاعتقال التعسفي بحق المعارضين في الضفة الغربية. ودعت المنظمة الحقوقية الدولية المانحين في تقرير لها يوم الخميس (30 يونيو/ حزيران 2022) إلى قطع التمويل عن قوات الأمن الفلسطينية وطالبت المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق مع المتورطين في الانتهاكات.

وقال عمر شاكر، مدير قسم إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش “بعد مرور أكثر من عام على تعرض نزار بنات للضرب حتى الموت، تواصل السلطة الفلسطينية اعتقال وتعذيب المنتقدين والمعارضين”. وأضاف “تشكل الانتهاكات الممنهجة من قبل السلطة الفلسطينية جزءا مهما من القمع الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني”.تأتي هذه الإدانة من قبل هيومن رايتس وواتش بعد عام على وفاة نزار بيات المعارض البارز للرئيس الفلسطيني محمود عباس و الذي تعرض للضرب حتى الموت خلال احتجازه في سجون السلطة الفلسطينية، الأمر الذي فجر الغضب الشعبي وأعاد الاحتجاجات إلى الشارع الفلسطيني حيث أدث حادثة القتل هذه إلى نقل الاحتجاجات من العالم الافتراضي إلى الشارع. وبدأت محاكمة 14 من ضباط الأمن المتهمين بقتل بنات في أواخر عام 2021. ويدفعون جميعا بالبراءة وينفون عن أنفسهم الاتهام.

وفي الأسبوع الماضي، وصفت منظمة العفو الدولية المحاكمة بأنها “معيبة” وقالت إنه يتعين أيضا محاسبة من أصدروا أوامر اعتقال بنات.

ولا تعتبر إدانة رايتس ووتش للسلطة الفلسطينية بسبب اعتقال و تعذيب المعارضة الأولى من نوعها، حيث استعرض تقرير “لهيومن رايتس ووتش” في عام 2018، أكثر من 20 حالة لأشخاص احتجزوا لأسباب غير واضحة لم تتجاوز كتابة تقارير أو تعليقات على “فيسبوك” أو الانتماء إلى منظمة طلابية أو حركة سياسية غير مرغوب فيها.

وأوصى التقرير الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والحكومات الأخرى التي تقدّم دعماً للسلطة الفلسطينية، بتعليق مساعداتها للوحدات والأجهزة الضالعة في الاعتقال التعسفي والتعذيب على نطاق واسع، إلى أن تردع السلطات هذه الممارسات وتحاسب المسؤولين عنها.

وقال المدير التنفيذي لمؤسسة “الحق” لحقوق الإنسان الفلسطينية وعضو الهيئة الاستشارية لشمال أفريقيا والشرق الأوسط في المنظمة، شعوان جبارين: “الانتهاكات الإسرائيلية المنهجية لأهم الحقوق الأساسية للفلسطينيين لا تبرّر السكوت عن القمع المنهجي والتعذيب اللذين تمارسهما قوات الأمن الفلسطينية ضدّ المعارضين”

كما تعرّض عدد من المحتجزين السابقين لدى السلطة الفلسطينية ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش للاحتجاز من قبل الكيان الصهيوني، التي تنسق مع قوات السلطة الفلسطينية في المسائل الأمنية. وفي الحالات التي تمّ توثيقها، عمدت القوات الفلسطينية في الغالب إلى تهديد المحتجزين وضربهم وإجبارهم على البقاء في وضعيات مؤلمة لفترات مطوّلة، مستخدمة الكابلات والحبال لرفع أذرعهم خلف ظهورهم. كما استخدمت الشرطة الأساليب نفسها لانتزاع اعترافات من محتجزين يواجهون تهماً تتعلق بالمخدرات وتهماً جنائية أخرى.

وأجبرت قوات الأمن المحتجزين، بشكل روتيني، على تمكينها من الدخول إلى هواتفهم الخليوية وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. تهدف هذه الإجراءات إلى معاقبة المعارضين وردعهم عن القيام بنشاطات أخرى.

قضية نزار بنات

نزار بنات مرشح برلماني معارض معروف بانتقاداته الشديدة للسلطة الفلسطينية توفي في سجون السلطة الفلسطينية بعد أن اعتقلته أجهزة الأمن، ما أثار مطالب دولية بالتحقيق في ملابسات وفاته وسخطا شعبيا، حيث تظاهر المئات في رام الله مطالبين باسقاط النظام. تعرض بنات للاعتقال السياسي في العديد من المرات بما في ذلك تحريك دعاوى قانونية ضده على خلفية انتقاداته العلنية للسلطة الفلسطينية وكبار المسؤولين فيها.

وفي التفاصيل انه في تمام الساعة 03:30 فجرا قامت قوة أمنية مشتركة باقتحام منزل نزار في بلدة دورا قضاء الخليل في الضفة الغربية حيث ضربه 25 عسكريا بشكل وحشي ثم تم اعتقاله عاريا وأخذه إلى جهة مجهولة قبل اعلان خبر وفاته حسب ما أفادت عائلته. في بيان صادر عن اللجنة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، أظهرت النتائج الأولية للتشريح إصابات “تمثلها كدمات وسحجات في العديد من مناطق الجسم، بما في ذلك الرأس والرقبة والكتفين والصدر والظهر والأطراف العليا والسفلى، مع وجود علامات ملزمة على كسور المعصم والأضلاع”.

ومن أبرز تصريحات نزار بنات و الذي عرف بمواقفه الوطنية المناهضة للسلطة الفلسطينية و الكيان الصهيوني الذي لم يفرق بينهما في كثير من تصريحاته. حين تحدث في إحدى المقاطع المصورة ان “إيران في عام 1979 حين انتصرت ثورة الإمام الخميني كانت الدولة الوحيدة من دول العالم التي وضعت بنداً ثابتاً في موازنتها، في موازنة خبز المواطن الإيراني، بند دعم الثورة الفلسطينية . وتابع ان: “قصة الشهيدين أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني لم تبدأ في الأمس، المهندس له عمليات تفجيرية في الكويت ضد السفارة الفرنسية والأميركية عام 1983، وفي نفس السنة الرجال الأشداء في حزب الله فجروا مبنى المارينز موقعين رقما ضخما، هذه الرجال تعرف كيف تخطط وكيف تنفذ”.

وتوجه إلى كل أنصار الحركات والفصائل الفلسطينية بالقول مذكرا إياهم ” بالحاج فؤاد الشوبكي والكابتن العكاوي وسفينة السلاح الذي أرسلها الحاج سليماني لحركة فتح أثناء انتفاضة الأقصى” قائلا “وبالوقت الذي شنت فيه الأنظمة العربية حصارا حتى على ياسر عرفات ما عدا سوريا لم تفرط بفلسطين وقدمت واجباتها جميعًا”.

من الجدير بالذكر إن التظاهرات الاحتجاجية ضد سياسات السلطة ليست بالجديدة، فالشارع الفلسطيني يشهد منذ 2011 وحتى اليوم عشرات الحراكات الاحتجاجية: حراكات مهنية (معلمين، أطباء موظفين عمومين)، حراكات سياسية (ضد العقوبات على قطاع غزة، ضد التنسيق الأمني، احتجاجات على الحروب على قطاع غزة، ضد مواقف سياسية للسلطة، إلخ)، وحراكات اجتماعية مطلبية (ضد قانون الضمان الاجتماعي، 2019). في كثير من هذه الحراكات، كانت جموع المتظاهرين تصطدم مع قوى أجهزة الأمن الفلسطينية.

عزلة السلطة الفلسطينية

تمارس السلطة الفلسطينية حكما ذاتيا محدودا في أجزاء من الضفة الغربية المحتلة منذ حرب عام 1967 حيث تحصد السلطة الإخفاقات واحدة تلو الأخرى، وتتوسع الهوة بينها وبين قطاعات واسعة من الجمهور يوماً بعد يوم. وحتى اللحظة فإن تشكيل اللجان لتَقصّي الحقائق بمقتل نزار بنات، والإعلان عن ضمان حرية الصحافة وعدم ممارسة القمع لم تقنع قطاعات واسعة من الفلسطينيين. كما يتضح أنه لا توجد مؤشرات عن رغبةٍ في التغيير على المستوى السياسي، ولا يظهر اختلاف يلوح بالأفق لتغيير طريقة إدارة الصراع مع الاستعمار والسعي لإنهاء الانقسام. ربما ستضطر السلطة الفلسطينية لتخفيف قبضة الأجهزة الأمنية، ولجم اعتداءات أنصارها في الشارع تحت ضغوطات دولية، أو تبعاً لتنامي حالة الاحتقان في المجتمع الفلسطيني. وربما تتوسع دوائر المعارضين للسلطة، وتنتقل حالات الاحتجاج الى مجموعات اجتماعية جيدة، وتمتد إلى خارج مدينة رام الله لتشمل مدنا فلسطينية أخرى، وتضم فاعلين جدد. هذان الخياران مرهونان بتطور الأحداث في الأيام القادمة.

وللمفارقة ان المحاكم الفلسطينية تتضمن نصوصا قانونية تدين “الخيانة العظمى” و”العمالة للعدو” وتحاكم المتورطين، إلا ان السلطة الفلسطينية تبادل المعلومات وتنسق أمنيا “بعمالة موصوفة” وتساهم في اعتقال او قتل الفلسطينيين وتضيق الخناق عليهم، فمقابل المعلومات التي تقدمها السلطة المذكورة عليها ان تمتنع عن مهاجمة المستوطنين بالوقت الذي تعمل فيه شرطة الاحتلال على الوصول إلى الخلايا العسكرية التابعة للفصائل الفلسطينية.

 

المصدر: الوقت

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال