357
واجهت العلاقات التجارية بين إيران وأفغانستان، وخاصةً بعد تغيير الحكومة في أفغانستان وتدهور علاقات أفغانستان مع باكستان فرصًا وتحديات جديدة. ورغم هذه العقبات شهدت العلاقات بين البلدين نموًا وحيوية، واكتسبت زخمًا خلال العام الماضي، حيث زارت وفود تجارية واقتصادية عديدة عاصمتي البلدين ومحافظاتهما الحدودية.
وفي أحدث زيارة بين البلدين، زار وفد اقتصادي رفيع المستوى من غرفة التجارة الإيرانية العاصمة كابول، ضمّ رجال أعمال من القطاع الخاص والعام وخلال اجتماع مشترك بين غرفتي التجارة في البلدين، أكد المسؤولون الإيرانيون والأفغان على ضرورة تطوير التعاون في مجالات التجارة والترانزيت والتعدين والزراعة والطاقة، ووقعوا عدة اتفاقيات مهمة لتوسيع نطاق الاستثمار والتبادلات الاقتصادية. بالتزامن مع هذه الزيارة، وصل إلى كابول وفد اقتصادي رفيع المستوى برئاسة السيد محمد أتابك وزير الصناعة والمناجم والتجارة، بهدف دراسة معوقات النقل وزيادة التبادلات.
خلال الزيارة، تم توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بين غرفتي التجارة في البلدين، بما في ذلك اتفاقية لزيادة التجارة الثنائية وعقد توريدات طاقة بقيمة 100 مليون دولار، واتفاقية بقيمة 40 مليون دولار مع شركة إيرانية لبناء محطة طاقة شمسية بقدرة 100 ميغاواط. ونظرًا لحاجة أفغانستان المتزايدة للكهرباء، تُعد هذه العقود حيوية للبلاد.
في مجال التعدين اقترحت إيران إنشاء مركز مشترك لمعالجة المعادن على الحدود، ودعت إلى تشكيل لجنة تعدين مشتركة. كما اتفق الجانبان على توفير كهرباء مستدامة لأنشطة التعدين، حيث يُعد التعدين أحد الإمكانات الهائلة وغير المستغلة في أفغانستان. ونظرًا لقدرات وخبرات التعدين الواسعة التي تتمتع بها إيران، بالإضافة إلى مناجم أفغانستان البكر، يمكن للبلدين إبرام صفقة مربحة في هذا المجال. في القطاع الزراعي طرحت إيران أيضًا "الزراعة التعاقدية" كأفضل طريقة لتحقيق التوازن التجاري بين البلدين. ووفقًا للخطة المقترحة ستوفر أفغانستان الأراضي لإيران، وستوفر إيران البذور والمدخلات والتكنولوجيا. وتشمل المحاصيل ذات الأولوية للزراعة بنجر السكر والبذور الزيتية والبقوليات والقطن وتربية الماشية وتأمين اللحوم.
ونظرًا للموارد المائية الهائلة في أفغانستان وانخفاض هطول الأمطار واستمرار الجفاف في بعض مناطق إيران، يمكن أن يكون هذا الاتفاق مربحًا للجانبين.
وفي مجال الصحة والعلاج، اقترحت إيران أيضًا إنشاء مستشفيات مشتركة وخطوط إنتاج أدوية ومعدات طبية في أفغانستان، ودعت إلى تسريع عملية تسجيل الأدوية الإيرانية. كما رحبت وزارة الصحة في طالبان بهذه المقترحات وقالت إن السوق الأفغانية مفتوحة وجاهزة للاستثمار الإيراني المنظم في مجال العلاج.[1]
تتمتع إيران بأحد أكثر الأنظمة الصحية تطورًا في العالم، بالإضافة إلى بنية تحتية واسعة وقوى عاملة كفؤة ويمكنها تقديم مساعدة قيّمة لأفغانستان في هذا المجال.
شهد إجمالي حجم التجارة بين البلدين نموًا في السنوات الأخيرة، ووصل إلى أكثر من ملياري دولار سنويًا. وقد أعلن المسؤولون الإيرانيون والأفغان عن هدف الوصول إلى 5 مليارات دولار في السنوات القادمة. تُعد إيران المُصدّر الرئيسي للسلع الأساسية والوقود ومواد البناء إلى أفغانستان.
تشمل صادرات إيران إلى أفغانستان الطاقة (المنتجات البترولية والكهرباء والغاز الطبيعي)، والسلع الأساسية والغذائية (الزيوت النباتية والسكر والأرز وغيرها من المواد الغذائية)، ومواد البناء (الأسمنت والحديد والأنابيب وغيرها من المواد)، وسلعًا أخرى مثل السيارات والسجاد والأجهزة المنزلية والمنتجات الصحية.
تشمل صادرات أفغانستان إلى إيران أيضًا المنتجات الزراعية (الفواكه والخضروات الطازجة والمجففة)، والمكسرات (الفستق واللوز وغيرها من المكسرات)، والوقود الأحفوري (الفحم)، وسلعًا أخرى مثل التوابل والفراء وبعض النباتات الطبية.[2]
و بصفتها دولة غير ساحلية، لطالما كافحت أفغانستان لإيجاد طرق مستدامة وآمنة للوصول إلى المياه المفتوحة والأسواق العالمية. وقد صاحب اعتماد البلاد التاريخي على طرق النقل الباكستانية وخاصة ميناء كراتشي، تحديات سياسية وقيود تجارية واضطرابات حدودية لعقود، مما أدى مرارًا وتكرارًا إلى توقف تدفق التجارة الخارجية لأفغانستان. وقد جعل هذا الاعتماد والضعف إيجاد طرق بديلة وتقليل الاعتماد على باكستان ضرورة استراتيجية لأفغانستان.
يُعدّ التوقيع الأخير على عقد بقيمة حوالي 90 مليون دولار بين القطاع الخاص الأفغاني وشركة شحن إيرانية، إلى جانب تعزيز التعاون في مجال النقل العابر مع إيران، نقطة تحول في إعادة توجيه التجارة البحرية لأفغانستان. إن الاستفادة من قدرات ميناء تشابهار، الذي كان يُنظر إليه لسنوات على أنه عنق زجاجة محتمل يربط أفغانستان وآسيا الوسطى بالمحيط الهندي، أصبح الآن حقيقة واقعة.
أصبحت إيران بموقعها الجيوسياسي المميز إحدى الطرق الرئيسية التي تربط كابول بالاقتصاد العالمي. يعتقد مسؤولو طالبان أن توسيع استخدام ميناء تشابهار وإطلاق خدمات شحن منتظمة بالتعاون مع إيران والهند سيوفر طرقًا أكثر موثوقية واقتصادًا للتجارة الخارجية لأفغانستان. كما يعتبر الخبراء الاقتصاديون هذا العقد خطوة مهمة لتحسين البنية التحتية للتصدير وتحقيق الاستقرار في السلاسل الاقتصادية الأفغانية.[3]
التحديات
رغم كل ذلك، يواجه توسيع العلاقات أيضًا تحديات عديدة، ومن التحديات الرئيسية في العلاقات التجارية بين البلدين مسألة موازنة الصادرات والواردات. ففي السنوات الأخيرة، كانت صادرات إيران إلى أفغانستان أعلى بعدة مرات من وارداتها من هذا البلد، مما أدى إلى اختلال الميزان التجاري. ويعتقد الخبراء أنه ينبغي إدارة هذا التوازن بطريقة أكثر توازناً لضمان استدامة العلاقات الاقتصادية.
تتمتع أفغانستان بإمكانيات عالية في مجالات الزراعة وتربية الحيوانات يمكن لإيران الاستفادة منها. ولكن هناك أيضًا عقبات في هذا المسار لا سيما في مجال اللوائح التنظيمية والجمركية.
أدت اللوائح الصحية الصارمة للغاية وتصاريح الاستيراد إلى منع دخول السلع الأفغانية المشروعة والأساسية إلى البلاد. ونتيجة لذلك فإن جزءًا كبيرًا من التجارة المحتملة بين الجانبين لا يتحقق أبدًا. ويدعو الخبراء والناشطون الاقتصاديون الحكومة إلى تسهيل وتبسيط مسار الواردات القانونية والآمنة من أفغانستان، مع الحفاظ على الأطر التنظيمية.[4]
تُشكّل المشاكل المصرفية والعقوبات التحدي الأكبر. فبسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران وعدم الاعتراف بحكومة طالبان، أصبحت الأنظمة المصرفية المباشرة بين البلدين معطلة. وقد صعّب هذا الأمر تحويل الأموال بشكل كبير. وللتغلب على هذه المشكلة، لجأ البلدان إلى أساليب مثل مقايضة السلع بالبضائع واستخدام عملات دول ثالثة (مثل الدرهم الإماراتي أو اليوان الصيني)، وأنظمة الحوالة التقليدية.
سياسيًا، يُعقّد عدم اعتراف إيران والمجتمع الدولي بطالبان توقيع اتفاقيات رسمية وطويلة الأجل.
كما تسببت الأزمة الاقتصادية في أفغانستان في نقص حاد في السيولة ومشاكل اقتصادية، مما يحدّ أيضًا من قدرة البلاد على الاستيراد.
تُعد النزاعات على المياه بما في ذلك قضية حقوق المياه في هلمند قضية سياسية واقتصادية حساسة قد تؤثر على العلاقات العامة بين البلدين، نظرًا لأهمية المياه للزراعة على الحدود المشتركة.[5]
استراتيجيات توسيع العلاقات
1- تسريع وتيرة التعاون في المشاريع المشتركة وتسريع تنفيذها، بما في ذلك إكمال وتشغيل جميع مراحل خط سكة حديد خاف-هرات، مما سيزيد بشكل كبير من سعة التبادل التجاري بين البلدين.
2- إن تحسين أساليب الدفع والتبادل المالي، وحل مشكلات مثل تجميد الحسابات التي تتطلب تعاونًا جديًا بين البلدين، وإيجاد حلول متخصصة في المجال المالي، سيشكل أساسًا متينًا لتعميق العلاقات الاقتصادية الثنائية.
3- إن إزالة العوائق وتسريع الأنشطة على الحدود وتقليل فترات التوقف أمر حيوي لتنمية التجارة بين البلدين. وفي الوقت نفسه يوفر تطوير البنية التحتية لمنطقة دوغارون الحرة منصة مناسبة للإنتاج المشترك والصادرات الإقليمية والعالمية.
4- التركيز على تعزيز توريد المنتجات الزراعية والتصنيع المشترك بالتعاون مع القطاع الخاص ومؤسسات كلا الجانبين. ونظرًا للقدرات المائية لأفغانستان، يمكن توريد جزء من المنتجات الزراعية التي تحتاجها إيران من هذا البلد وتصديرها إلى الأسواق العالمية بعد التصنيع.[6]
وأخيرا، ينبغي القول إنه على الرغم من كل المشاكل والعقبات، فإن العلاقات التجارية بين إيران وأفغانستان آخذة في التوسع لأن البلدين يدركان قربهما واحتياجاتهما المتبادلة وتكامل اقتصاديهما ومن خلال توسيع العلاقات يسعيان إلى تأمين مصالحهما المتبادلة.
محمد صالح قرباني
[1] https://www.yjc.ir/00bscw
[2] https://shrr.ir/001ZcR
[3] https://iraf.ir/?p=96041
[4] https://shrr.ir/001ZcR
[5] tahlilbazaar.com/x5dLq
[6] https://ecoiran.com/fa/tiny/news-112079
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال