يعد ميخائيل ميليشتاين واحداً من بين أهم المحللين العسكريين في الكيان الإسرائيلي خلال ما يزيد على خمسين عاماً، وبعد تفاقم الأزمة الداخلية بين الأحزاب الحاكمة وأحزاب المعارضة حول بعض قوانين الإصلاح القضائي المتعلقة بنظام وقواعد اتخاذ القرار في الحكومة، رأى ميليشتاين في تحليل نشره قبل شهر في صحيفة «يديعوت احرونوت» تحت عنوان مثير هو: «هل ستمر العاصفة أم إننا سنشهد بداية الدمار» أن الخطورة تكمن في استمرار هذه الأزمة الداخلية من دون حل بين الطرفين، وخاصة بعد أن ولّدت سابقة ظهرت علناً على شكل احتجاج مباشر من ضباط إسرائيليين هددوا بالامتناع عن الخدمة في الجيش إذا لم تحترم الحكومة موقفهم الرافض لمشروع التعديل القضائي، وحذّر من أن بعض الأطراف العربية تمنى أن يزداد هذا الانقسام ويفجر الوضع من الداخل، ولذلك توجه ميليشتاين إلى مطالبة الحكومة والمعارضة بالتوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة وينتقل بالكيان إلى التركيز على مهام جدول العمل الخارجي.
ويبدو أن ما يحذر منه ميليشتاين في هذا الشأن، هي الأخطار التي تهدد الكيان على المستوى العالمي بعد عجز الولايات المتحدة والنظام العالمي الغربي كله عن تغيير نتائج العملية الروسية العسكرية في أوكرانيا وحتمية انهيار نظامها العالمي الأحادي الذي فرضته الدول الاستعمارية منذ الحرب العالمية الأولى في القرن الماضي، وهذا ما أشار إليه مركز «أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» حين دعا في تقديره للوضع الإسرائيلي إلى ضرورة استعداد إسرائيل للنتائج والمضاعفات السلبية التي سيحملها انتصار روسيا والصين في المواجهة التي تجري بشكل متسارع ومتصاعد مع الغرب والولايات المتحدة.
الكيان الإسرائيلي يخشى أن يفقد لأول مرة منذ اغتصابه لفلسطين بقرار الدول الاستعمارية البريطانية والفرنسية والأميركية، الغطاء السياسي والعسكري الذي ضمنته له في الدفاع عنه وحماية وجوده، فثمة من يرى أن عجز دول الحلف الأطلسي والولايات المتحدة عن تحقيق أهدافها ضد روسيا في أوكرانيا، سيعني هزيمة أشد قسوة للكيان حين ستعجز الدول الغربية عن حمايته من أخطار قوى إقليمية مثل إيران وسورية وحلفائهما في المنطقة، ففي هذه الحال سيجد حلفاء هذا المحور، وهما روسيا والصين، أن القوى الغربية لم يعد في مقدورها حماية نظامها العالمي الأحادي وستفقد بالتالي جزءاً كبيراً من مصالحها وهيمنتها في أوروبا وفي الشرق الأوسط، وهناك من يعتقد أن الانتصار الروسي على الحرب الأميركية – الأطلسية على أراضي أوكرانيا، سيجعل تايوان تسقط أمام أعين واشنطن من دون طلقة واحدة من الصين، لأن روسيا ستكون قد استنزفت وكشفت ضعف وعدم جدوى كل الأسلحة الغربية الأطلسية والأميركية التي استخدمت ضد قواتها في أوكرانيا، وهي أسلحة تعدها تل أبيب الضمانة الأساسية في حمايتها في أي حرب محتملة في المنطقة.
في مواجهة هذا السيناريو المتوقع جداً، لن يكون أمام رئيس كيان العدو بنيامين نتنياهو إلا أحد خيارين: إما شن حرب إقليمية تسبق النتيجة المتوقعة لهزيمة الأطلسي وواشنطن أمام روسيا، علماً أن حرباً كهذه لا تستطيع إسرائيل شنها إلا بموافقة أميركية محسوبة من جميع الاتجاهات والنتائج، وإما الإبقاء على الحالة الراهنة والمناورة بممارسة اللعب في الوقت المستقطع.
ثمة مسؤولون سابقون في حكومة الكيان ومنهم الجنرال ورئيس الحكومة الأسبق ايهود باراك يرون أن إسرائيل تلقت ضربة شديدة قبل حرب أوكرانيا والغرب على روسيا لم تحسب حساب نتائجها ومضاعفاتها حين لم تحقق أي هدف لها ضد سورية وإيران خلال عشر سنوات، وتمكن هذا المحور من البقاء قادراً على التصدي لها وفرض استحقاقاته عليها.
يظهر في النهاية أن الكيان الإسرائيلي يواجه أزمة حكم داخلية ترافقها أخطار إستراتيجية خارجية تبشر بانهيار النظام العالمي الاستعماري الذي صنع هذا الكيان منذ عام 1948 وحافظ على بقائه بكل أشكال الحروب والحصار التي شنها على دول المنطقة المحيطة به، ومما لاشك فيه أن هذا الكيان سيدفع ثمن وجوده الاستيطاني الاستعماري مع انهيار النظام الذي استند إليه قبل أكثر من مئة عام.
هذا ما جعل ميليشتاين يصف تهديد عدد من ضباط جيش الاحتلال بالامتناع عن الخدمة بأخطر ظاهرة غير مسبوقة في هذا الظرف بالذات.
المصدر: الوطن
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال