393
تزعم إسرائيل النصر منذ قرابة عام
بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024 استمر المسؤولون ووسائل الإعلام الإسرائيلية على التباهي بتدمير أكثر من 80% من قدرات حزب الله وبأن الحركة لم تعد تُشكل تهديدًا لإسرائيل.
كانت الرسالة واضحة بعد 66 يومًا من الحرب أرادت إسرائيل تقديم رواية انتصار حاسم رواية تُبرر التكلفة الباهظة للحرب وتُعيد لها صورة الردع في المنطقة.
لكن اليوم! تُقدم إسرائيل نفسها رواية مختلفة تمامًا:
خلال الشهر الماضي حذّر مسؤولون عسكريون ومحللون أمنيون إسرائيليون من أن حزب الله قد عاد إلى الواجهة وأنه الآن المصدر الرئيسي للخطر على إسرائيل.
كيف أصبح حزب الله الذي زعمت إسرائيل تفكيكه قبل بضعة أشهر فقط فجأةً تهديدًا وجوديًا متجددًا؟
وهم النصر
الحقيقة أن إعلان إسرائيل عن نصرها كان في معظمه وهمًا سياسيًا ونفسيًا. نعم، لقد حققت إسرائيل نجاحات تكتيكية كبيرة بدءًا من عملية النداء الإرهابي التي استهدفت شبكات اتصالات حزب الله، ووصولًا إلى اغتيال قادة رئيسيين بمن فيهم السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين.
كانت هذه ضربات موجعة تهدف إلى كسر سلسلة القيادة وإضعاف معنويات المقاومة. لكن لم يُسفر أيٌّ منها عن نصر استراتيجي.
على الرغم من مواجهة حزب الله لكامل قوة سلاح الجو الإسرائيلي والتحالف المدعوم من الولايات المتحدة والقصف المتواصل لبنيته التحتية تمكن من مهاجمة تل أبيب في اليوم الأخير من الحرب.
هذه الحقيقة حطمت مزاعم إسرائيل وإذا كان حزب الله لا يزال قادرًا على ضرب قلب إسرائيل بعد 66 يومًا من الحرب الشاملة فإن المقاومة لم تُهزم بل صمدت.
هزيمة ميدانية
والأهم من ذلك هزيمة إسرائيل في بداية الهجوم البري، فبعد حشد أكثر من 75 ألف جندي على الحدود، حاولت إسرائيل مرارًا غزو جنوب لبنان و"تدمير حزب الله من الداخل". ورغم ذلك وبعد الدمار الذي أحدثته الغارات الجوية لم يدخل الجيش الإسرائيلي لبنان بأي شكل من الأشكال وكانت التكلفة والمخاطرة جسيمتين للغاية على الصهاينة.
لقد كشف هذا الهجوم عن حدود القوة الإسرائيلية والردع الدائم الذي لا تزال قدرات حزب الله تفرضه.
لذلك، اضطرت إسرائيل إلى المبالغة في إنجازاتها وتصوير الحرب على أنها نصر حاسم والادعاء بتدمير المقاومة بينما كانت الحقيقة في الواقع بعيدة كل البعد عن ذلك. وأصبحت صورة النصر ضرورة سياسية لا انعكاسًا للحقائق على الأرض.
الرسالة الحقيقية
عندما تقول إسرائيل الآن إن حزب الله "تعزز" فإنها لا تكشف عن معلومات جديدة بل تعترف بالهزيمة.
لإنها لم تُدمر المقاومة منذ البداية. لقد جرحت المقاومة، لكنها لم تُكسر. وقدرتها على الظهور بهذه السرعة تؤكد فقط أن بنيتها ودعمها وخبرتها لا تزال سليمة.
بالاضافة إلى ذلك يثير هذا التحول في الخطاب سؤالاً مهماً؛ هل تُحذّر إسرائيل من عودة حزب الله خوفاً حقيقياً من تهديد متجدد، أم أنها تحتاج إلى ذرائع جديدة سواء لتبرير هجمات مستقبلية على لبنان أو للضغط على الحكومة اللبنانية لمواجهة المقاومة؟
في حسابات الجنرالات والمسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، من شبه المؤكد أن أي حرب مستقبلية ستكون ضد مقاومة لا تزال قائمة، وقد تمتلك قدرات لا تدركها إسرائيل تماماً أو حتى لا تعرف عنها شيئاً.
أقوى أوراق لبنان
بالنسبة للبنان تحمل هذه الحادثة درساً واضحاً، فلا تزال المقاومة أقوى أوراق البلاد، وليس لمرة واحدة بل كضمانة لعدم قدرة إسرائيل على فرض إرادتها عسكرياً أو سياسياً.
يجب ألا يتخلى لبنان عن هذه الورقة أبداً، مهما كلف الأمر؛ ففي منطقة هشة تتغير فيها التحالفات بين عشية وضحاها وتتلاشى فيها الموازين تبقى المقاومة اللبنانية الحامية والضمانة الحقيقية الوحيدة ضد العدوان والاحتلال.
إبراهيم ماجد
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال