اعتاد الكيان الإسرائيلي على الزعم بأن قوته العسكرية تشكل أكبر قوة إقليمية في المنطقة وأن الولايات المتحدة لن تسمح أن تضعف قوته أمام أي قوة أخرى، لأن ذلك سيعرضه ويعرض مصالحها في المنطقة لأخطار فادحة، فهل يصمد هذا الزعم أمام حقيقة وضع هذا الكيان؟
يدل الواقع بشكل ملموس وعملي أن جيش الاحتلال هزم مرتين على أرض لبنان خلال العقدين الماضيين وأجبرته المقاومة اللبنانية وحلفاؤها على الانسحاب مهزوماً من جنوب لبنان عام 2000 ثم مهزوما مرة أخرى عام 2006 على أيدي المقاومة نفسها وحلفائها، ثم هزم في فلسطين المحتلة على أيدي المقاومة الفلسطينية وحلفائها عام 2005 وأجبر على نزع مستوطناته التي بلغت 22 مستوطنة ومواقعه العسكرية من قطاع غزة، وبهذا الانتصار تحرر أول جزء من فلسطين المحتلة بفضل المقاومة وحلفائها، وبذل جيش الاحتلال كل ما في وسعه من أجل تفتيت قوة وقدرات سورية وإيران حلفاء المقاومة تمهيدا لتصفية المقاومة، فازدادت قدرات كل من سورية وإيران معاً مثلما اتسعت المقاومة في فلسطين أكثر، وفي ظل هذه النتائج الواضحة خاضت أحزاب الكيان أربعة انتخابات للبرلمان خلال ثلاث سنوات ماضية، وها هي تخوض الانتخابات الخامسة بعد أيام وبقي عدد أعضاء كل حزب في البرلمان عاجزا عن جمع 61 مقعداً لتشكيل حكومة أغلبية والسبب الذي يراه معظم المحللين الإسرائيليين يعود لتمسك أنصار كل حزب بنفس أحزابهم وقادة أحزابهم الذين لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم الانتخابية وأهمها ضمان أمن المستوطنين، فالانقسام يضرب بجذوره بين هذه الأحزاب على خلفية الهزائم ومضاعفاتها التي جعلت جميع هذه الأحزاب تتساوى على قاعدة الهزائم دون أي قدرة على الانتصار على المقاومة وحلفائها.
لقد بدأت آخر استطلاعات الرأي قبل أيام معدودة من موعد الانتخابات، تجمع على أن الحزبين «الليكود» وحزب «يوجد مستقبل» ما زال كل منهما عاجزاً عن زيادة عدد مقاعده بالنسبة التي تضمن له تشكيل ائتلاف مع أحزاب أخرى لجمع 61 مقعداً أو أكثر، فـ«الليكود» برئاسة بنيامين نتنياهو قد يحصل على 31 مقعداً ويبقى أكبر الأحزاب، وحزب «يوجد مستقبل» برئاسة يائير لابيد قد يحصل على 24 مقعداً لكن كل حزب منهما يرفض الائتلاف مع الآخر لتشكيل قاعدة من 55 مقعداً فيصبح تأمين حزب ثالث بستة أو سبعة مقاعد أكثر سهولة لتحقيق أغلبية، وهذا الاستعصاء والطريق المسدود بين هذين الحزبين هو الذي نتج عن أربع دورات انتخابية استثنائية جرت في السنوات الثلاث الماضية.
في ساحة العملية الانتخابية، هناك أكثر من 27 مقعداً برلمانية، يتوزعون عادة على ثلاثة أحزاب كل منها له طائفته أو فئته المحددة فللعرب ما يقرب من 12 إلى 14 مقعداً لا شأن لهم بالأحزاب الإسرائيلية والمشاركة في حكوماتها، ولحزبين سلفيين من اليهود ما بين 15 أو 16 مقعداً غالباً ما ينضمون لائتلاف نتنياهو، وتتقاسم بقية الأحزاب مقاعد ما بين ستة وعشرة أو خمسة مقاعد لكل منها، وتنتظر من لابيد أو نتنياهو دعوتها للمشاركة بمقاعدها مع من يدفع لها أكثر، وفي هذه المعادلة والطريقة من المتوقع أن يجمع نتنياهو 61 مقعداً بصعوبة، أما لابيد فلا أحد يتوقع أن يتمكن من جمع 61 مقعداً خاصة لأن اليمين المتشدد لا يفضله بل يفضل نتنياهو وقد يحصل هذا اليمين المتشدد على عشرة مقاعد تدعم نتنياهو ومع ذلك يبدو من الواضح أن أي حكومة ستتشكل ستواجه جدول العمل نفسه الذي اعتادت عليه في السنوات العشرين الماضية وعجزت عن تحقيق أهدافه ولن يتجاوز أداؤها الدوامة نفسها التي دار حولها الكيان الإسرائيلي.
في النهاية نجد أن الكيان لم يعد تلك القوة الإقليمية المتفوقة، مثلما لم تعد الولايات المتحدة قادرة في ظروفها الراهنة على تأهيله لهذا المركز، بينما أصبح محور المقاومة بارتكازه على إيران وسورية يشكل القوة الإقليمية الأكبر والأقدر على تحقيق أهداف شعوب المنطقة، وهو ما سوف تشهده منطقتنا في الأشهر والسنوات المقبلة وربما يدرك جيش الاحتلال أنه سيواجه في أي حرب شاملة نوعين من الحروب من محور المقاومة: حربا بالجيوش النظامية وأسلحتها التقليدية، وحربا بكل أسلحة المقاومة التي هزمته في جنوب لبنان مرتين وفي غزة وبقية الأراضي المحتلة مرة ثالثة.
المصدر: الوطن
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال