ها هي ثقافة الموت والقتل الصهيونية، التي لطالما اكتوينا بنارها في لبنان وما زلنا، قد تم نقلها الى الميدان الأوكراني، بعدما جرى استنساخها، ليبدأ تطبيق مبادئها بمواجهة الجيش الروسي.
فعندما شاهد العالم خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان في العام 2006، أطفالًا مستوطنين في الكيان الاسرائيلي وهم يوجهون رسائل الحقد والكره والموت والإجرام التي خطتها اقلامهم وريشاتهم على قذائفهم المدفعية وصواريخهم القاتلة، قبل إرسالها كهدايا الى أطفال لبنان ومواطنيه المدنيين الابرياء، كنا نظن حينها أن هذا الابتكار الذي يعبر عن الرغبة بالقتل والانتقام، هو حق حصري للقادة الصهاينة، الى أن جاءت المواجهة الاطلسية ــ الروسية في أوكرانيا، لتكشف لنا حقيقة أن مصدر ومنبع هذه الأساليب الاجرامية، هو المدرسة الارهابية الأمريكية التي صدرتها الى باقي الأمم والدول الشعوب، وتلقفها الكيان الغاصب سريعًا.
ما علاقة الصراع الروسي الأوكراني بالكتابة على الذخائر؟
في الواقع، أصبح ظهور الشعارات والرموز المزخرفة على الأسلحة الأوكرانية، خصوصًا المدفعية الأمريكية الصنع وذخائرها ـ التي كانت في الأصل منفذًا لتنفيس الحقد والكره للجنود الأوكرانيين الذين يخدمون في شرق البلاد ـ تكتيكًا متناميًا ومربحًا لجمع التبرعات للأوكرانيين، في المواجهة القائمة والمستمرة مع موسكو، منذ ما يقرب من ستة أشهر.
لكن مهلًا، فالأوكرانيون ليسوا أول من استخدم القنابل كوسيلة للتعبير السياسي أو القومي العنصري، فصفحات التاريخ الحديث، تكشف لنا أن الجنود الأوروبيين وكذلك الأمريكيين، كانوا قد كتبوا رسائل على قذائف المدفعية في كل صراع منذ الحرب العالمية الأولى على الأقل.
ومع اندلاع العلميات الحربية، طوّر الاوكرانيون ثقافة الموت هذه، وقاموا باستغلالها أسوأ استغلال، لتتحول الى مصدر لجني الأموال، من خلال بيع الرسائل المخصصة كأداة لجمع التبرعات لصالح كييف، في ابتكار جديد لم يسبقهم إليه أحد.
من هو صاحب فكرة الرسائل هذه؟ وعلى ماذا يحتوي مضمونها؟
تعود فكرة بيع الرسائل التي ستكتب على ذخائر الأسلحة الأوكرانية، الى مواطن اوكراني يدعى أنطون سوكولينكو، كان قد أسس مجموعة تمويل جماعي اسمها ( Sign My Rocket) معتمدًا على مشاعر الكره والبغض والغضب المتنامية لدى الشعوب الغربية، ضد روسيا وقيادتها وجيشها، والتي غذتها وسائل الإعلام ومراكز الفكر المُوَجّهَة ومعهم عدد كبير من “النخب الثقافية” ورجالات الفكر والسياسية في الغرب الأمريكي.
ثقافة القتل من “اسرائيل” الى أوكرانيا: تجارة بالموت لأجل المال
كانت المجموعة مخصصة في البداية لبيع الرسائل على قذائف هاون سوفياتية الصنع عيار 82 ملم، مقابل 30 دولارًا لكل منها. ولكن لاحقًا، أدرك المؤسس سوكولينكو أنه إذا باعوا رسائل على أسلحة أكثر قوة، فإن المتبرعين من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وكندا وسويسرا وأماكن أخرى سيدفعون أكثر من ذلك.
شيئًا فشيئًا، وسعت منظمة سوكولينكو نشاطاتها وحملتها، لتصل الآن، إلى ما هو أبعد من قذائف الهاون، وتعمد الى بيع نقوش وعبارات على الأسلحة والذخائر الحربية التالية: الغام مضادة للدبابات، طائرات من دون طيار محملة بالقنابل، قنابل يدوية من طراز VOG-17، صواريخ من طراز 220 ملم، قذاف مدفعية ثقيلة، من طراز 2S7 Pion، إضافة إلى عشرات الأسلحة والذخائر المتفجرة الأخرى، وفقًا للصور ومقاطع الفيديو التي عرضتها الصحافة الأمريكية.
وتعقيبًا على ذلك، قال سوكولينكو في مقابلة صحافية “لقد حصلنا على قذائف أكبر وأكبر”، كاشفًا أن “خمسة وتسعين بالمائة من الطلبات، تأتي باللغة الإنجليزية ومعظمها من الولايات المتحدة”.
أما أغلى عنصر معروض على موقع المنظمة، فهو حقوق تسمية دبابة T-72 روسية الصنع، على اسم اي شخص غربي، مقابل 3000 دولار.
اللافت أن الحكومة الأوكرانية، تعرف بهذه الأساليب التي يمارسها جنود ومع ذلك تغض الطرف عنها، وهو ما ساعد منظمة سوكولينكو، على الاعتماد على صلاتها غير الرسمية بالوحدات العسكرية الأوكرانية في الميدان، في حين تذهب العائدات لشراء معدات للوحدات العسكرية الأوكرانية، بما في ذلك المركبات المموهة وقطع غيار السيارات، حيث استطاعت جمع أكثر من 150 ألف دولار للجيش الأوكراني.
كيف تجري العملية؟ ما هي نوعية العبارات التي تكتب على الذخائر والاسلحة الاوكرانية؟
توفر الرسائل التي يتم بيعها للناس ـ في أي مكان في العالم ـ فرصة لهم لتوجيه عبارات يختارونها، ليتم كتابتها بخط اليد على ظهر القنابل والصواريخ قبل إطلاقها على القوات الروسية المتقدمة.
بعد جمع التبرع، يقوم جندي أوكراني بكتابة الرسالة المطلوبة على الذخيرة والتقاط صورة لها، ثم يتم إرسال الصورة إلى المتبرع.
يشتمل العديد من النقوش على عبارات نابية موجهة إلى بوتين أو القوات الروسية لا يمكن ذكرها (هنا) نظرًا لبذاءتها. لذا سنكتفي بذكر العبارات الاخرى الأقل حدةّ مثل “من حلف شمال الأطلسي مع الحب” و”لندن تقول مرحبًا” و”تذكّر ألامو” (وهي تتعلق بمعركة حصلتمع الجيش المكسيكي في تكساس بين شباط/فبراير وآذار/مارس 1836، وانتهت بهزيمة القوات المكسيكية).
بالمقابل، فإن أكثر الرسائل المفعمة بالحقد على موسكو، كانت تلك التي كتبت مؤخرا على صاروخ من طراز “بوك أرض – جو” وتحمل عبارة “ليس للاستخدام على الخطوط الجوية الماليزية”، في إشارة إلى إسقاط طائرة تجارية ماليزية في عام 2014 بنفس نظام الصواريخ، مما أسفر عن مقتل 298 شخصا آنذاك.
أما المثال الأبرز على حجم مفعول التعبئة الغربية وتعميم ثقافة الكره لروسيا، فهو ما أقدم عليه مدير في شركة للتجارة الإلكترونية في دالاس يدعى كولين سميث، عندما خصص قذائف مدفعية للأصدقاء والأقارب في أعياد الميلاد واحتفالات الذكرى السنوية والترقية الوظيفية، قائلا “لقد تبرعت بالفعل بمبلغ 3000 دولار”.
ماذا عن المبادرات الأوكرانية الأخرى؟
دفع نجاح جهود سوكولينكو بالفعل إلى إنشاء آخرين لمواقع تمويل جماعي أخرى، ومنها موقع “RevengeFor”، الذي أطلقه منذ ثلاثة أسابيع أحد مواطني كييف وهو عامل تكنولوجيا المعلومات، وتم توجيهه حصرًا نحو الأجانب الذين لديهم شكاوى تاريخية ضد موسكو، ويرغبون في دعم الأوكرانيين كوكيل لهم.
بالدرجة الاولى، اعتمد الموقع على الخطاب التحريضي ضد روسيا لجذب المتبرعين، إذ عمد الى نشر مقطع فيديو يعرض مونتاجًا لجوزيف ستالين وفلاديمير لينين والرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، ويسأل فيه “ما هو سبب رغبتك في الانتقام من روسيا؟” ثم ما يلبث أن يُبرز الاجابة للمشاهدين بالقول “أوكرانيا تنتقم بالفعل من الجميع في ساحة المعركة! تنتقم لك وتنتقم من معاناة شعبك أيضًا!”.
ونتيجة لذلك، جمع الموقع أعلاه، في غضون ثلاثة أسابيع، 52 ألف دولار فقط من مجموعة من المانحين من الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وبريطانيا وبولندا وهونغ كونغ وبلجيكا وجورجيا وجمهورية التشيك والنرويج. وقد أرسل هذا المبلغ الى “جمعية أوكرانية” زودت القوات بمركبات عسكرية وأدوات مراقبة.
أكثر من ذلك، يجري مؤسس الموقع مفاوضات مع جهات الاتصال العسكرية الخاصة به، للحصول على عرضه التالي، وهو: تسمية ذخيرة لنظام صواريخ المدفعية الأمريكية عالية الحركة من طراز HIMARS ــ الذي ذاع صيته في الاونة الاخيرة ــ وكتابة عبارات ورسائل عليها قبل ضربها على الجنود الروس، مقابل 10000 دولار أو أكثر”.
ليس هذا فسحب، فإن أساليب التسول الاوكرانية، وصلت الى قيام موقع تمويل جماعي أوكراني آخر، بإنشاء صندوق الطائرات من دون طيار لأوكرانيا، بهدف جني الأموال عن طريق بيع أجزاء من الطائرات الروسية التي تم إسقاطها.
في المحصلة، ان تاريخ الأوكرانيين مع العبارات النابية ليس مفاجئا، وذلك بشهادة دبلوماسي غربي في كييف، استذكر لوحة زيتية شاهدها في اوكرانيا تعود إلى القرن التاسع عشر وعنوانها “رد القوزاق الزابوروجيين”. في هذه اللوحة كما وصفها الدبلوماسي، يتجمع قوزاق مما يُعرف الآن بأوكرانيا الحديثة، حول طاولة يكتبون رسالة تتضمن إهانات مسيئة أكثر من أي وقت مضى، للسلطان العثماني الذي سعى إلى ولائهم.
د. علي دربج
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال