لا یستحق تفسير ملحمة عاشوراء بكلمات مثل الحادث والحدث والمرور، لكن ملحمة عاشوراء هي تيار دائم وأبدي يستمر على مر القرون ويصبح أحدث كل يوم وكل ساعة من الماضي.
وقام سيد الشهداء (ع) بخلق ملحمة عاشوراء عندما كانت دولة يزيد الإسلامية في الظاهر، تقمع أي معارضة بشدة، حيث اُضطر الناس حينها إلى الرضوخ لابتزاز الدولة.
وتعود جذور ابتزازات النظام الحاكم في المجتمع الإسلامي إلى العصر الجاهلي والوحشية الإنسانية في القرون الوسطى، لأن الناس في ذلك الوقت كانوا يعيشون كقبائل وكان عليهم الاعتماد على أصحاب الثروة والسلطة لضمان أمنهم.
لذلك، كانت القوة والثروة في ذلك الوقت من أهم معايير الحق؛ وبالتالي من كان له هذان المكونان في ذاك النظام الاجتماعي، يرى نفسه يحكم على الشعب، وعلى الشعب المظلوم أن يطيعه.
ومن هنا أصبح معيار الحكم على المجتمعات البشرية هو القوة والثروة، واستخدم الأثرياء الإمکانیات الاجتماعية ببطشهم و وشراستهم ليشبعوا رغباتهم وأهوائئهم ولإخضاع البشر الضعفاء تحت سيطرتهم.
في هذا النوع من الحكم، لم يملك المظلومون القوة لمحاربة الظالمين، واستمرت هذه الطريقة إلى حد بعيد في المجتمعات البشرية، بحيث أصبح النضال ضد الأقوياء تدريجياً أمرا غير منطقي لا يُعقل، ومن فعل ذلك كان محكوماً عليه بالدمار.
و الانحراف الذي ظهر في المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت والذي كان بحاجة إلى الإصلاح هو مسألة الحكم الابتزازي لنظام السلطة والثروة، الذي يظلم الشعب اعتمادا على هذين المكونين. وإذا کانت تستمر عملية القهر هذه في العصرالأموي، فسيتم تدمير الإسلام بالتأكيد وسيعتقد الناس أنه يجب عليهم الاستسلام دائمًا للحکام الجبارین.
في الواقع، كانت ثورة الإمام الحسين (ع) في يوم عاشوراء واجبًا إلهيًا لمنع الإسلام من الانحراف والحفاظ عليه. وإن الهذف الذي كان يؤمن به الإمام الحسين (ع) حسب قوله، هو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وكان يعتقد أن الدولة القمعية التي شكلها يزيد يجب أن تتغير. وجاء في رواية رسول الله صلى الله عليه وسلم “من واجه الحكومة الزائفة ولم يغيرها يوم القيامة، سيذهب إلى نفس المكان الذي ستذهب إليه تلك الحكومة الزائفة”.
لذلك، لما أراد الأمويون إكراه الإمام الحسين (ع) على المبايعة، رفض الإمام وقال: أنا لا أقبل الذل؛ وثابرحتى آخر لحظة وقال: (إنِّيْ لا أري الْموْت إِلا سعادةً و الْحياة مع الظّالِمين إِلاّ برمًا …) أي “لا أرى الموت غير سعادة ، ولا أرى الحياة مع الظالمين وصمة عار”.
إن من يقف ضد الظلم بهذا المنطق لا يسعى إلى السلطة، بل يعتقد أنه من المستحسن أن يبني دولة وفقا لآيات القرآن وأوامر الرسول، ولكن إذا لم يستطع في تحقيق ذلك وبقيت السلطة في يد الجبارين، لم يخضع لوطأة الظلم، بل أدي واجبه.
ولقد ضحى هو وأصحابه بأرواحهم في صحراء كربلاء من أجل أسمى هدف، وكانت هذه الحادثة درساً للإنسانية في تاريخ الإسلام، وهو: لا تستسلموا أمام الظلم والجور ولاتسکتوا عنهما أبدا.
وفي القرآن أيضًا، هناك هدف عظيم للنبوة والرسالة وذلك يتجلى في إقامة العدل: «لقد ارسلنا رسلنا بالبیّنات و أنزلنا معهم الكتاب و المیزان لیقوم النّاس بالقسط». وكان سبب نزول الكتب السماوية وإرسال الأنبياء هو انتشار القسط والعدل في المجتمعات الإنسانية، أي بمعنى إزالة آثار الظلم والبطش والفساد من بينها، والحركة هذه، كانت مثل ما قام بها الإمام الحسين (ع).
وتعد ثورة الإمام الحسين نموذج تاريخي لمسلمي العالم للوقوف ضد الظالمين والطغاة. واليوم أوضح مثال هو غطرسة وهيمنة حكام الولايات المتحدة، وزد علي ذلك نظامها الاستبدادي. ولطالما تبنى الحكام الأمريكيون عبر التاريخ، بناءً على عقليتهم وأوهامهم، منطقًا قسريًا ومتفوقًا على الدول المستقلة وغير المتماشية مها. بحيث يستخدمون أي وسيلة لتحقيق هذا الهدف، وبناءً على ذلك، فقد ارتكبوا العديد من جرائم ضد حقوق الإنسان في أنحاء مختلفة من العالم.
وكانت خطوة الثورة الإسلامية الإيرانية في صراعها مع الاستبداد والغطرسة متناسبة مع نمط ملحمة عاشوراء التي استطاعت أن تخلق تدفقًا لحركات المقاومة وصمود الشعوب الأخرى ضد مستبدي العالم. ومن الجدیر بالذکر، أن هزيمة الهيمنة العسكرية والاقتصادية والسياسية الأمريكية في إيران والعالم یعد أهم إنجاز لخطاب الثورة الإسلامية المناهض للغطرسة؛ إذ وقفت دول كثيرة نتيجة للثورة الإسلامية والمقاومة التي تشكلت في إيران، في وجه ابتزاز دول العالم القوية والغنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، رغم أن هناك دولا مثل المملكة العربية السعودية، تتشقد بالإسلام، إلا أنها انقادت للحكام المستبدين.
المصدر ؛iuvmpress.news
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال