قبل العصر الحديث، سعت القوى العظمى إلى الهيمنة على البلدان الأخرى من خلال حشد قوتها العسكرية وتعزيزها، ولكن اليوم، تتصرف من خلال التحكم في الوسائل الرئيسية، بدلاً من إنفاق الوقت والمال الباهظين، لتحقيق أهدافها الشريرة .
ومن أهم وسائل الضغط الرئيسية هي الثقافة، التي لطالما رکزت علیها القوى العظمى، بما فيها الغرب. و ربما تكون الثقافة أكثر أدوات العدوان صمتًا وهدوءا، بينما تعد آثارها أكثر تدميراً من آلاف القنابل والصواريخ والرصاص، خصوصا تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث جرب الأعداء جميع الأساليب، ولكن خابت آمالهم وطموحاتهم الظالمة في كل مرة، غيرأنهم علقوا الأمل أخيرا بالغزو الثقافي باعتباره السلاح الأخير والأقوى.
ومع انتصار الثورة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سارع العالم الغربي إلى مواجهة هذه الحركة الوليدة ومُثُلها العليا، وشكل شبکة ثقافية عملاقة تقودها أمريكا، بالإضافة إلی تمتع بإمکانیات الناتو العسكري، لتوفير الأرضية اللازمة لعولمة الثقافة الغربية. وشكل الغرب رسمياً الناتو الثقافي من أجل محاربة الإسلام النقي، لتوفير الأرضية اللازمة لعولمة الثقافة الغربية وسيطرتها الشاملة على دول العالم، لا سيما المجتمعات الإسلامية. وتأسس الناتو الثقافي في سياق فکرة الإنسانية (أو الإنسانوية) وبأدواته الخاصة وأفعاله المعقدة في حرب ثقافية كاملة لتطوير الثقافة الغربية بين مختلف دول العالم.
وفي هذا المجال، يركز العدو على تقنيات جديدة للعمليات النفسية في ثلاثة مجالات ثقافية، وهي الميول الاجتماعية، والأفكار، ونظام السلوك الاجتماعي باستخدام تكنولوجيا الإعلام المتقدمة. وفي الوقت الحاضر، هناك تدابير مثل تحویل الثقافة الدينية والوطنية، نشرالخرافات، وعملیة التخدیر في التصوف، والإباحية، وإثارة الخلاف بين التوجهات العرقية والعنصریة، والنزعة الاستهلاكية، والرفاهية و … تعد نتاج هذه الخطة الجديدة.
وبما أن ثورة الإمام الحسين (ع) من أهم الحركات وأكثرها تأثيراً، خاصة على الفكر الشيعي، فقد سعى العدو دائمًا متمسكا بإجراءاته، إلى منع الحركة من أن تكون فعالة قدر الإمكان، إذ إن محاربة الظلم والجشع والطمع، کانت إحدی أهم مكونات هذه الثورة.
من ناحية أخرى، مع هذه الثورة، أراد الإمام الحسين (ع) إحياء الدين من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي كان واجبا منسيا لعصره.
وهذا، أن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على تحذيرات الناس العاديين من بعض الذنوب الصغيرة، بل أيضًا القيام بالثورة ضد الحكومات الجائرة وجهود لإصلاح البنية السياسية للمجتمع وتشكيل حكومة بناء على الحق والقرآن، أمثلة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما اعتبر الإمام الحسين (ع) ملحمة عاشوراء نموذجا لذلك.
و الصمت في وجه البغي والبدعة والانحراف كان منكرا يعم مجتمع ذلك العصر ولم يعترض الناس على أوضح المنکرات الصارخة لأعلى مستوياتها آنذاك، خوفًا من عدم النجاة من الأخطار والخسائر، أو الجشع والطمع في الدنيا واستلام الذهب والفضة. وكانت ثورة كربلاء نهيا عن المنكر مهد الطريق لـ “انتقاد الحكومة الجائرة” و “الاحتجاج على القمع” والقيام بالثورة ضد الطاغوت. ومنذ ذلك الحين فصاعدا، استلهم الكثيرون من دماء شهداء كربلاء واستندوا في نضالاتهم إلى الحركة الحسينية التي تعد الثورة الإسلامية الإيرانية أحد أهم الأمثلة عليها.
ولمواجهة الفكر الثوري والإسلام الخالص، استهدف العدو ثقافة المجتمعات في الوهلة الأولى وحاول منع انتشار الحركة الحسينية من خلال نشر الفساد والدعارة. لذلك، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يقصده العدو، يتمثل في رعاية المؤمنين الدائمة، سیادة المجتمع الديني والقيم الروحية والأخلاقية ومتانة الثورة الإسلامية، والحفاظ على القواعد الباعثة على الازدهار وإضعاف جبهة الكفر والنفاق. كما أن إحياء هذا المبدأ كحل مهم ضد الناتو الثقافي ليس واجبًا على الدولة والحكومة فحسب، بل على الجميع تَجنيد كافة الامكانيات لتعقیم بيئتهم من فساد جراثيم الذنوب المؤدية والقضاء على المنكرين، وإلا سوف يعاني الجميع من المشكلة وسيرون الخسارة تلحق بهم، بأم أعينهم.
المصدر ؛iuvmpress.news
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال