أخيرًا جاء يوم الجمعة الذي ترقبه كثير من الإيرانيين، ذلك اليوم المشهود الذي تم الإعلان عنه مسبقاً ليتزامن مع ذكرى تأبين شهيد المقاومة السيد حسن تصر الله ورفاقه، وهي ذكرى عزيزة في قلوب الجماهير الإيرانية، حيث بات الجميع وليس في إيران فحسب بل في أرجاء العالم على علم بأن يوم الجمعة الموافق ل 4 أكتوبر 2024م سيكون موعدًا تاريخيًا سيظهر فيه القائد مع المسؤولون والشعب الإيراني في مصلى طهران وستقام الصلاة في أجواء مليئة بالفخر والاعتزاز، في مثل هذا الحدث الكبير من منظور عسكري وأمني تعدّ ظاهرة عجيبة وغير قابلة للتصديق، ففي ظل التهديدات المستمرة التي يوجهها النظام الصهيوني إلى إيران وقادتها، قد يتساءل البعض كيف يمكن لشعبٍ أن يجتمع بهذه الحماسة والثقة، ولكن مع ذلك كان في هذا التجمع الضخم رسائل وأبعاد يخطها التاريخ بهدوء لإرسال رسائل قوية موجهة إلى العالم ولتؤكد أن الإرادة والعزم لا يعرفان المستحيل. سنستعرض تلك الرسائل العميقة في الفقرات التالية.
1- الاتحاد والتماسك الداخلي في مواجهة النظام الصهيوني: أظهر الشعب والمسؤولون أنهم ثابتون كعادتهم في الكفاح ضد النظام الإسرائيلي، ويتحركون على خطى الإمام الخميني و مبادىء الثورة. إن خط الإمام هو نفس الدفاع الصريح عن حقوق المظلومين، والدفاع الواضح عن حقوق الشعب الفلسطيني وأي شعب مظلوم آخر.[1] إن التلاحم والتماسك سيؤديان إلى توفيقات إلهية و رحمة من عند الله. في بداية خطبته صرح قائد الثورة الإسلامية السيد آية الله خامنئي بقوله عن آية 71 من سورة التوبة: " في هذه الآية التي قرأتها تم تناول المسألة المهمة لترابط المؤمنين مع بعضهم البعض وهذا الارتباط يُطلق عليه في التعبيرات القرآنية اسم 'الولاية'؛ ولاية المؤمنين مع بعضهم البعض. وقد تم ذكر هذه المسألة في عدة آيات من القرآن. وفي هذه الآية تُعرفُ نتيجة هذه الولاية والتماسك بأنها هي رحمة الله: أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ؛ أي إذا كنتم أيها المسلمون مترابطين ومتعاونين ومتآزرين مع بعضعكم ستشملكم رحمة الله".[2]
2- إظهار أعلى درجات الاستشهاد: كان تجمع يوم الجمعة مؤشرًا على الاستشهاد الجماعي في ثلاثة مستويات: القيادة، والمسؤولين، وشعب إيران. في الواقع أظهر الإيرانيون أنهم يحبون الله وأنهم لا يخشون شيئًا في هذا الطريق وأنهم يطيعون أمر الله. من منظور الكتاب المقدس للمسلمين (القرآن)، فإن الاستشهاد يعني الرغبة في الموت، ففي سورة الجمعة الآيتين السادسة والسابعة التي تُقرأ في صلاة الجمعة، يقول الله لليهود: "قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ..."[3] لكن هل طلب الكيان الإسرائيلي والصهاينة يومًا ما الموت أو الاستشهاد؟ الله يجيب على هذا السؤال في الآية التالية: "وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا، بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ".
3- السيطرة على الغضب العام وإرساء الطمأنينة في نفوس الناس في المنطقة وإيران:
حضر قائد الثورة الإسلامية الإمام خامنئي بهدوء في تجمع شعبي كبير اعتبره العديد من وسائل الإعلام الغربية غير قابل للتصديق. يقدم الشخص الأول في البلاد الذي يتواجد في ظروف الحرب نفسه أمام الجماهير بطمأنينة وثقة، دون تسرع أو عجلة ويقرأ القرآن، ويلقي خطبة، ثم يقيم صلاة الجمعة وصلاة العصر. وهذا يظهر أن العدو أضعف من أن يهددنا أو يواجهنا نحن لا نخاف من شيء ونقف بكل قوتنا. كما أن قائد الثورة الإسلامية قام بالسيطرة على الغضب العام عند الشعب بهذا الأسلوب، وقال: " في أداء هذه المهمة لا نتراخى ولا نتسرع؛ لا نتراخى ولا نقصر ولا نستعجل أنفسنا. ما هو منطقي وما هو معقول وما هو صحيح سيتم تنفيذه في وقته وبأسلوب يتناسب مع القرارات العسكرية والسياسية؛ كما حدث وسيحدث في المستقبل إذا لزم الأمر".[4]
4- إرادة الشعب أداة مهمة من أدوات الحرب:
تُعرَف القوة العسكرية لأي دولة بامتلاكها لمعدات متقدمة وأسلحة حديثة. أظهرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية قوتها الصاروخية في عمليتي «وعد صادق 1 و 2»، لكن دعم وإرادة الشعب تعتبران أيضًا سلاحًا متقدمًا لهما أهمية كبيرة. لأن القوة الصاروخية وغيرها من مكونات القوة تتولد من شعور «نستطيع كشعب». لذا تعكس الحركة الجماعية للشعب في يوم جمعة النصر إرادة الناس وحبها للمقاومة.
5. القوة من عند الله : أظهر التجمع العظيم للشعب في مصلى طهران قوة الإيمان لدى إيران للعالم. الإيمان بوعد النصر الإلهي وأن كل القوة هي من الله العظيم، وأن النصر يتحقق بفضل الله. والشعب الذي لا يتراجع ويقاتل في سبيل الأهداف الإلهية سيحقق النصر بالتأكيد، كما أكد قائد الثورة في خطبه، قائلاً: " في جمهورية إيران الإسلامية خلال حوالي ثلاثة أشهر من صيف 1981 تم اغتيال عدة عشرات من الشخصيات البارزة والمتميزة في إيران. ولكن الثورة لم تتوقف ولم تتراجع بل ازدادت سرعة وفعالية. اليوم أيضًا المقاومة في المنطقة لن تتراجع بسبب هذه الشهادات المباركة فالمقاومة قطعاً ستنتصر".[5]
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال