حادثة مجدل شمس، اتهامات بلا أدلة واستغلال الحدث سياسياً
في الفترة الماضية تزايدت الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتداخل الأحداث العسكرية والسياسية بشكل معقد. ففي الآونة الأخيرة أثارت بعض الأحداث الجارية حول استهداف مجموعة من الأطفال الدروز في قرية مجدل شمس السورية جدلاً واسعًا، حيث تم توجيه الاتهام لحزب الله بقتل الأطفال بناءً على مزاعم غير مؤكدّة. إلا أن الأوضاع على الأرض تدل على أن الجناة الحقيقيين هم الإسرائيليون، الذين قاموا بعمليات عسكرية في المنطقة تحت ذرائع متعددة. في هذا المقال سنقوم بتحليل الأبعاد السياسية والإعلامية لهذا الحدث وسنسلط الضوء على خلفية أهل المنطقة التاريخية وأهمية دور الإعلام في تشتيت الرأي العام.
الخلفية التاريخية لقرية مجدل شمس
مجدل شمس تقع في منطقة الجولان السوري المحتل، والتي استولت عليها إسرائيل خلال حرب يونيو 1967. حالة الاحتلال هذه جعلت مجتمع الدروز في الجولان يعاني من ظروف قاسية، حيث يُعتبرون مواطنين سوريين وليسوا إسرائيليين. رغم ذلك تروج إسرائيل لمفاهيم تتعلق بالاندماج والتعايش بينما تبقي قبضتها العسكرية والسياسية على المنطقة، وحتى اللحظة يحيي أهل المنطقة كل عام ذكرى انتصار وتحرير الجولان آملين بعودة قريتهم للوطن الأم سورية والتحرر من الكيان المحتل.
حادثة مقتل الأطفال الدروز
مجدل شمس الواقعة في مرتفعات الجولان المحتل، تعتبرُ رمزًا للصراع الطويل القائم بين إسرائيل وسورية. وبفضل موقعها الاستراتيجي فإنها تشهد في كثير من الأحيان تداعيات للتوترات الإقليمية في المنطقة وخاصة في الآونة الأخيرة بعد التصعيد الذي شهدته المنطقة في جنوب لبنان بعد أحداث غزة. ولكن الحادثة الأخيرة التي وقعت في هذه المنطقة وأدت إلى فقدان أرواح أطفال أبرياء كانت مأساوية جدًا بالنسبة لأهل القرية، وسط تبادل الإتهامات بين إسرائيل وحزب الله وقد وضعت المجتمع الدولي أمام حالة من الصدمة السياسية بسبب الواقع الذي وصلت إليه الأمور، والمؤكد كما أعلن حزب الله في بيان له أن إسرائيل وراء هذا الاستهداف المباشر للأطفال الأبرياء وأكدت مصادر من حزب الله، رداً على سؤال مراسلة RT في بيروت حول كيفية تعامل حزب الله مع أي ضربة إسرائيلية محتملة : "نحن نفينا أي علاقة لنا بحادثة مجدل شمس بشكل قاطع، وأن محاولة العدو استغلال هذه الحادثة وتوجيه ضربات ما في لبنان، لن يتم السكوت عليها بل سنتعامل معها على أنها عدوان سيتم الرد عليه بكل تأكيد". [1]
المواقف و التصريحات الإعلامية
كل التحقيقات الميدانية تشير إلى أن إسرائيل هي التي قامت بتنفيذ عمليات القصف والتي أدت إلى مقتل هؤلاء الأطفال وتم استخدام ذرائع متعددة من قبل الجانب الإسرائيلي لتبرير هذه الهجمات، وكانت التصريحات الإعلامية الإسرائيلية تهدف إلى تحويل الانتباه عن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين السوريين، حيث كانت العمليات العسكرية مشكلة في الأساس نتيجة للسياسات الإسرائيلية العدائية في المنطقة، من جهتها أصدرت الحكومة اللبنانية بيانا أعربت فيه عن إدانتها لكل أعمال العنف والاعتداءات ضد المدنيين، ودعت إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية على جميع الجبهات، وأكدت أن "استهداف المدنيين يعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي ويتعارض مع مبادئ الإنسانية". [2]
منذ بداية الحادثة، نفى حزب الله اللبناني، في بيان له مسؤوليته عن الهجوم قائلا: "تنفي المقاومة الإسلامية في لبنان نفيا قاطعا الادعاءات التي أوردتها بعض وسائل إعلام العدو ومنصات إعلامية مختلفة عن استهداف مجدل شمس". وأضاف بيان حزب الله أن "لا علاقة للمقاومة الإسلامية بالحادث على الإطلاق، وتنفي نفيا قاطعا كل الادعاءات الكاذبة بهذا الخصوص".[3]
وأصدرت وزارة الخارجية السورية بيانا، الأحد 28 من يوليو/تموز، قالت فيه: "اقترف كيان الاحتلال الإسرائيلي جريمة بشعة في مدينة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل منذ عام 1967، ثم قام بتحميل وزر جريمته للمقاومة الوطنية اللبنانية". [4]
في المقابل، نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي عن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قوله إن "إسرائيل تقترب من الدخول في حرب شاملة مع حزب الله ولبنان" بعد هجوم "مجل شمس".
وأضاف كاتس أن “هجوم حزب الله تجاوز كل الخطوط الحمراء، وسيكون الرد وفقا لذلك، إننا نقترب من لحظة حرب شاملة ضد حزب الله ولبنان".[5].
في الوقت الذي يجب أن يتم فيه التحقيق بعمق في الأحداث المأساوية، فإن الانحياز الإعلامي يؤدي الأدوار المتناقضة والتي قد تسبب في تصعيد الصراعات بدلاً من العمل على تحقيق السلام. وهنا تأمل إسرائيل من وراء هذه الحادثة استحضار الدعم الدولي لنفسها وتبرير أي هجوم محتمل على لبنان.
حزب الله والفتنة الإسرائيلية
على الرغم من أن حزب الله يُعتبر لاعبًا رئيسيًا في الصراع اللبناني-الإسرائيلي، إلا أن ملف اتهامه بقتل الأطفال السوريين يشير إلى استمرارية استراتيجية الإبعاد والشيطنة التي تنتهجها إسرائيل ضد أعدائها. سياسات الدعاية الإعلامية تتحدث بصورة مستمرة عن “التهديدات” التي يشكلها حزب الله بينما تتجاهل الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتعود جذور هذه الفتنة إلى النزاعات التاريخية والإيديولوجية التي لطالما أظهرت فيها إسرائيل قدرتها على استثمار الحوادث لتحقيق أهدافها السياسية. فمباشرة بعد الحادثة تزايدت التصريحات الإسرائيلية التي تهدف إلى تحميل حزب الله المسؤولية عن الأوضاع المتدهورة على الحدود، مُعززة بذلك من رواية توحي بأن الوضع أصبح منفتحاً على المزيد من العنف واللاستقرار، وفي هذا السياق تسعى إسرائيل إلى جذب انتباه المجتمع الدولي والتأثير على مواقف الحكومات الغربية من خلال إظهار نفسها كضحية، في حين تضع الجانب الآخر في موقع الاتهام. وتُعتبر هذه الاستراتيجية جزءًا من الجهود المستمرة لتشويه صورة حزب الله وتصويره كخطر ليس فقط على إسرائيل، وإنما كتهديد للأمن الإقليمي.
الأبعاد السياسية واستغلال الحدث
الهجوم على الأطفال الدروز في مجدل شمس لا يُعتبر مجرد حدث عابر، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تشمل استخدام القوة ضد المجتمعات المدنية في سورية وكسرالإرادة الشعبية. الأبعاد السياسية لهذا الفعل تعكس رغبة إسرائيل في تعزيز موقفها في المنطقة على حساب الفئات الضعيفة. ومن المهم التنويه إلى أن إسرائيل غالبًا ما تستخدم خطابًا إعلاميًا معينًا لتبرير أفعالها. الاتهامات الموجهة لحزب الله تُعرف بأنها غالبًا ما تكون مدفوعة بأجندات سياسية تهدف إلى استدامة الحشد الدولي ضد الحزب وتصويره بأنه هو الجهة الإرهابية المعتدية على المدنيين.
الخاتمة
من الواضح أن هذه الاستراتيجية ليست جديدة عند الكيان المحتل فقد اعتاد على استغلال المآسي الإنسانية لبناء السرديات التي تخدم مصالحه وفي حادثة مجدل شمس، تسعى إسرائيل إلى تحويل أنظار العالم عن تصرفاتها وتحويل المسؤولية إلى حزب الله. يهدف هذا التصرف إلى زرع الشك في عقول اللبنانيين والسوريين وجعلهم يشككون في ولاء حزب الله وقدرته على حماية المجتمع المدني.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال