في الأيام الماضية بعد الإضرابات العامة في تل أبيب حاول نتانياهو أن يهرب من الانتقادات المتعلقة بعرقلة اتفاق وقف إطلاق النار وإنقاذ الأسرى الإسرائيليين، مشيراً إلى ضرورة وجود القوات الإسرائيلية في ممر فيلادلفيا الاستراتيجي. وقد قدم هذه الاستراتيجية كوسيلة رئيسية لتحقيق الأهداف الأساسية لإسرائيل في الحرب.
أين يقع ممر فيلادلفيا وما هي أهميته لإسرائيل؟
ممر فيلادلفيا هو محور يقع في أقصى جنوب قطاع غزة، ويتضمن ممرًا طوله حوالي 14 كيلومترًا يُشكّل الحد الفاصل بين قطاع غزة ومصر. وكما هو الحال في جميع مراحل المفاوضات التي تدخل فيها إسرائيل تبقى هناك مناطق غامضة وغير محددة المصير. ونتج عن اتفاق كامب ديفيد في عام 1978 عدم وضوح مصير هذا المحور بالكامل، لكنه شمل اتفاقًا يتعلق بالتدابير الأمنية في سيناء وقطاع غزة. استمر الوضع على هذا النحو حتى عام 2005، عندما نفذ رئيس وزراء إسرائيل شارون خطة الفصل بشكل أحادي. شملت هذه الخطة انسحابًا كاملاً من قطاع غزة، وفي إطار خطة الفصل تم الاعتراف بهذا الممر كممر فيلادلفيا. انسحبت القوات من داخل قطاع غزة ولكن إسرائيل استمرت في السيطرة الأمنية على حدوده وفرضت حصارًا كاملًا عليه وتولت السيطرة على قسمين جوي وبحري وحركة المرور عبر المعابر الحدودية، وتم وضع تدابير أمنية بين إسرائيل ومصر في هذا المحور قامت مصر بنشر قواتها على حدودها المشتركة مع غزة مع الجانب الفلسطيني، حيث مثلت السلطة الفلسطينية الحاكمة في غزة.
في بداية مايو 2024، شنت القوات الإسرائيلية هجومًا على رفح ودمرت تمامًا معبر رفح وهو النقطة الحدودية بين قطاع غزة ومصر وأقامت نقاطًا للتواجد العسكري في المنطقة. بدأت القوات الإسرائيلية بتدمير جميع الخطوط الحدودية، بالإضافة إلى إقامة بنية تحتية عسكرية وطرق لتسهيل حركة المركبات العسكرية وأصبح موقف إسرائيل بشأن محور فيلادلفيا من أبرز النقاط التي تشكل عائقًا أمام نجاح محادثات وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
مؤخراً، اعتبر نتانياهو ضرورة وجود القوات العسكرية الإسرائيلية في محور فيلادلفيا ضرورة وخطاً أحمر وقال إن تحقيق أهداف الحرب في غزة يمر من خلال محور فيلادلفيا، ووصفه بالأكسجين الذي تستخدمه حركة حماس. بينما يتعرض نتانياهو في هذه الفترة لاتهامات من المحيطين به سياسيًا بأنه يعرقل أي اتفاق يؤدي إلى وقف الحرب، حتى وصلت هذه الإجراءات إلى غضب المؤسسات الأمنية والعسكرية في إسرائيل.
يقول الجنرال الاحتياطي إسحاق بوريك إن موقف نتانياهو بشأن هذا المحور يعني جعل إسرائيل في حرب استنزاف لا نهاية لها وخطر اندلاع حرب إقليمية. يتفق بوريك مع رأي الجنرالين السابقين غادي آيزنكوت وبني غانتس اللذين يريان أن محور فيلادلفيا لا يُشكل تهديداً لوجود إسرائيل وأمنها.
علاوة على ذلك يوافق رؤساء الأجهزة العسكرية - الأمنية في إسرائيل، الذين تشملهم 1. الجيش، 2. وزارة الدفاع، 3. الموساد، 4. الشاباك، على خروج القوات الإسرائيلية من فيلادلفيا، ولكن نتانياهو يتمسك بالحفاظ على الجيش والقوات العسكرية في هذا المحور.
أسباب إصرار نتانياهو على بقاء قواته في فيلادلفيا
يبدو أن هناك سببين وراء رغبة نتانياهو في بقاء القوات الإسرائيلية في فيلادلفيا:
1. معارضة الجناح اليميني المتطرف: يرفض الجناح اليميني المتطرف أي اتفاق حتى تحقيق انتصار عسكري كامل على حماس. وقد هدد كل من سموتريتش وبن غفير بالخروج من الحكومة الائتلافية في حال تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. إن خروج أحد الأطراف من الحكومة يعني انهيار الحكومة، مما سيؤدي إلى سقوط سياسي لنتانياهو.
2. التحقيق في أحداث 7 أكتوبر: منذ السابع من أكتوبر عندما تمكنت قوات حماس من مفاجأة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ووجدت هذه الأجهزة نفسها غير قادرة على توقع أو إحباط الهجوم، ظهرت مطالب لإنشاء لجان للتحقيق في هذه الأحداث، والتي ستتناول تقصير المسؤولين السياسيين والأمنيين في هذا الشأن. نظرًا لأن نتانياهو بصفته رئيس الوزراء سيتعرض للاستجواب من قبل هذه اللجان ومع احتمال إقالته بعد الحرب، فإنه لا يرغب في إنهاء الحرب وبالتالي قام بتسليط الضوء على محور فيلادلفيا ومنحه أهمية استراتيجية.
في الواقع لقد حاول نتانياهو حتى الآن استخدام كل حيلة أو خدعة أو كذبة لمنع تحقيق تبادل الأسرى والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لأنه يعلم أن مثل هذا الاتفاق سيؤدي إلى سقوط حكومته. يُقال إنه في مواجهة تعقيدات محور فيلادلفيا وزيادة الخلافات بين الإسرائيليين وتمسك المقاومة الفلسطينية بانسحاب إسرائيل من هذا المحور، بدأ البيت الأبيض في إعداد اقتراح اتفاق يتضمن انسحاب القوات الإسرائيلية، دون تحديد حجم القوات المنسحبة من النقاط التي وُصفت بأنها قريبة من النقاط ذات الكثافة العالية بالقرب من هذا المعبر. لذا يجب الانتظار حتى استكمال هذا الاقتراح وتقديمه للأطراف المعنية في الحرب (حماس - إسرائيل) لنرى ما سيكون عذر نتانياهو التالي لعدم توقيع اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار!
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال