حرب الطائرات بدون طيار: ما هو التهديد الذي تمثله مقاومة اليمن لإسرائيل؟
في الأشهر الأخيرة، صرح الجيش اليمني عدة مرات أنه استهدف بضربات بالطائرات المسيّرة والصواريخ منطقة إيلات في جنوب إسرائيل ومدن أشدود وحيفا الساحلية. إلا أن الهجوم الذي وقع يوم الجمعة، والذي أسفر عن إصابة طائرة يافا المسيّرة التابعة للجيش اليمني لمدينة يافا المحتلة، التي تُعرف عند الصهاينة بتل أبيب، يمثل هجومًا غير مسبوق، على الرغم من وجود حلقات الدفاع المتعددة الطبقات التي أنشأها النظام الصهيوني خلال عشرة أشهر من الحرب مع حماس بمساعدة الدول الغربية والدول العربية العميلة.
في الواقع، لم تتمكن منظومة الدفاع الإسرائيلية من منع وصول هذه الطائرة الانتحارية إلى إحدى البنايات المشهورة في حي مزدحم في هذه المدينة.
بعد هذا الهجوم، برزت في وسائل إعلام النظام ومؤيديه قضيتان رئيسيتان: الأولى، هل الطائرة المسيّرة من صنع اليمن؟ والثانية، ما هو التهديد الذي تشكله هذه الهجمة على النظام، وكيف ستكون ردود فعل النظام؟
سعت وسائل الإعلام الصهيونية ومؤيدوها إلى تقليل أهمية هذا الهجوم، واعتبرته حدثًا نادرًا أو حتى مجرد صدفة، ونفوا يمانيّة الطائرة المسيّرة. واستمروا في تكرار الاتهامات القديمة التي أثاروها في السابق. فقد اتهمت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة إيران مرارًا بتزويد الحوثيين بالطائرات المسيّرة والصواريخ وغيرها من الأسلحة، وهي اتهامات تنفيها طهران.[1] لقد عزز اليمنيون خلال سنوات الحرب مع نظام آل سعود قدرتهم على إنتاج الطائرات المسيّرة والعديد من الصواريخ.
ما يجدر الإشارة إليه في هذا الهجوم بالطائرات المسيرة هو أن وسائل الإعلام التابعة للنظام لم تتمكن، رغم جميع محاولاتها، من إنكار ضعف النظام الدفاعي الإسرائيلي. وقد كتبت صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية، نقلاً عن مصدر بارز في الجيش الإسرائيلي، أن هجوم اليمنيين بواسطة الطائرة المسيرة "يافا" على تل أبيب يُمثل بمثابة "7 أكتوبر" آخر للمنظومات الدفاعية الإسرائيلية. (حيث يُعتبر 7 أكتوبر هو اليوم الذي هاجمت فيه المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة الأراضي المحتلة من البر والجو، ويُعتبر هذا الهجوم فضيحة كبرى للجيش الإسرائيلي.)
قال هذا المصدر إن نجاح اليمنيين في إطلاق طائرة مسيرة مفخخة استطاعت قطع مسافة تتجاوز ألفي كيلومتر والوصول إلى قلب الأراضي المحتلة يعد فشلاً كبيرًا للمنظومات الدفاعية الجوية، ويعبر عن تحذير لنهاية حقبة "السماء الصافية"، في إشارة إلى الطبقات الدفاعية الجوية لحماية إسرائيل.[2]
كما أشار "توبورن سولتفيدت" من شركة المعلومات المعنية بالمخاطر "Verisk Maplecroft" إلى أنه "لا شك أن القدرات العملياتية لجموع المقاومة في تزايد".
أما صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد تناولت رد فعل النظام الصهيوني على هذا الهجوم بالطائرات المسيرة، وكتبت أن "النظام الإسرائيلي يواجه مفترق طرق استراتيجي بشأن أفضل الطرق للرد على الهجوم بالطائرات المسيرة على تل أبيب الذي نفذه اليمنيون، والذين يبعدون آلاف الأميال عن الحدود الجنوبية للأراضي المحتلة".
و وفقًا لبعض المحللين، فإن الرد الفوري والقصير الأمد قد يبعث إلى تجديد اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وهو ما يمكن أن يوقف هجمات حلفاء حماس مثل الحوثيين وحزب الله في لبنان. كما يمكن لإسرائيل أن تشارك في التحالف مع الولايات المتحدة وبريطانيا للرد على الحوثيين، لكن يُتوقع أن يكون لهذا الإجراء تأثير ضئيل على سلوك المقاومة اليمنية. وواصلت "نيويورك تايمز" بالاستشهاد برأي بعض المحللين الذين زعموا أنه إذا ركزت إسرائيل ضغوطها على إيران، فإن ذلك قد يساهم في تقليص سلوك اليمنيين على الأقل. ووفقًا لهؤلاء المحللين، فإن فرض تكاليف على طهران سيفضي إلى جعلها تتحكم في "ميليشياتها".
مع ذلك، فقد قامت إيران بعد الهجمات السابقة من قبل إسرائيل على مصالحها بتصعيد إجراءاتها ضد إسرائيل.[3] كما أثبتت عملية "يافا" أنه على الرغم من إطلاق 300 صاروخ والانخراط في 10 مواقع للدفاع الجوي من المحور الغربي - العبري - العربي، فإن النظام الدفاعي للكيان المحتل يمكن تجاوزه حتى بالطائرة المسيرة الرئيسية. لذلك، فإن أي اعتداء على مواقع ومصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية داخل البلاد أو خارج حدودها، وخصوصًا في البحر الأحمر، يمكن أن يُعيد إنتاج "الوعد الصادق".
ما نلاحظه هنا وله الأهمية أكبر وهو أننا شهدنا في الآونة الأخيرة تغييرًا جذريًا في عمل المقاومة في المنطقة، حيث كانت عملية "يافا" جزءًا من ذلك. لقد زادت العمليات المشتركة بين العراق واليمن في الأشهر القليلة الماضية، والتي تستهدف العمق المحتل والشحنات المخالفة في البحر الأبيض المتوسط، وتصدير الرسائل الصارمة والناعمة من المقاومة الإسلامية في العراق إلى الولايات المتحدة بشأن استئناف الهجمات على القواعد الأمريكية، واستهداف المستوطنات وقواعد الاحتلال الجديدة في الشمال بواسطة حزب الله، مما يزيد من حالة النزوح، وهو جزء من هذه التغيرات.
لكن الحدث المهم هو تغيير جدول الأعمال في غزة من التصدي للاعتداءات من جيش الاحتلال إلى الهجوم على مواقع جيش الاحتلال، حيث شهدنا في الأيام الماضية زيادة في عمليات الكمين والكوماندوز وإطلاق النار والتفجيرات في جميع أنحاء قطاع غزة، بالإضافة إلى زيادة جديدة في إطلاق الصواريخ نحو مستوطنات غلاف غزة. من المهم الإشارة إلى أن عملية "يافا" كانت بمثابة بداية لعمليات المقاومة المستقبلية بشكل كامل وذو أهداف محددة تم التخطيط لها، والهدف المختار الذي يتوافق مع قربه من السفارة الأمريكية يتلاقى مع رسائل المقاومة العراقية، وقد تم استخراجه من بنك أهداف حزب الله اللبناني. وبالتالي شهدنا تعاون جميع أركان المقاومة، لاسيما حزب الله وباقي قوات محور المقاومة، في الأبعاد المعلوماتية والعملياتية والاستشارية.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال