حزب الله… من كابوس إسرائيل الکبير إلى تحدٍّ أكبر للولايات المتحدة 19

حزب الله… من كابوس إسرائيل الکبير إلى تحدٍّ أكبر للولايات المتحدة

بعد فشل مؤامرة أعداء المقاومة ضد حزب الله في لبنان باغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري عام 2005، شن الکيان الصهيوني حربًا على لبنان عام 2006 للتعويض عن هذا الفشل.

في هذه الحرب، سارعت الجيوش التكفيرية من جميع أنحاء العالم لمساعدة الصهاينة، وكانت الولايات المتحدة في طليعة داعمي الكيان الصهيوني في عدوانه على لبنان.

وكانت نتيجة هذه الحرب، خلافاً لأحلام وأوهام المحور الأمريكي الصهيوني، تحول حزب الله إلى قوة ردع لبنانية ضد الكيان الإسرائيلي، وقوة إقليمية تعيق تنفيذ المشاريع الأمريكية في المنطقة.

وبهذه الطريقة تجاوز حزب الله كل الخطوط الحمراء التي رسمها المحور الأمريكي الصهيوني جغرافياً وإنسانياً ولوجستياً وعسكرياً، لدرجة أن ترسانة المقاومة الصاروخية أصبحت كابوساً كبيراً للصهاينة.

في غضون ذلك، يمكن القول إن حزب الله کان تحدياً كبيراً للکيان الإسرائيلي فقط حتى ذلك الحين، لكن بعد هذه المرحلة أصبح مشكلةً وتحدياً أكبر للأمريكيين أيضًا. وكما نرى، فإن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، يركز في خطاباته وتحذيراته على الأمريكيين أكثر من الإسرائيليين.

وفي ظل هذه الظروف، حاول الأمريكيون رفع معنويات مؤيديهم في المنطقة بتنفيذ مشاريع مثل احتلال أفغانستان والعراق وشن حرب إرهابية عالمية على سوريا، بينما كانت النتيجة عكس ذلك تمامًا.

کما وعدت واشنطن أنصارها في المنطقة بأن حزب الله سيدفع ثمناً باهظاً نتيجة العقوبات المفروضة على لبنان ومحور المقاومة، وبالتالي سيضطر للاستسلام للولايات المتحدة ومطالبها. هذا في حين أن حزب الله قد اكتسب على مر السنين الماضية مصداقيةً أكبر في لبنان والمنطقة، عسكريًا وسياسيًا وشعبيًا.

نتيجة الحرب علی سوريا كانت عكس ذلك تمامًا، ولم تستطع الولايات المتحدة فصل المقاومة عن أصدقائها. حيث سارعت العديد من قوى حزب الله طواعيةً لمحاربة الإرهاب في سوريا، إضافةً إلى منع دخول الإرهابيين التكفيريين إلى لبنان، وهو ما زاد من مكانة حزب الله الوطنية والشعبية بين اللبنانيين، الذين يعتبرون أنفسهم مدينين للمقاومة للبقاء في مأمن من الإرهاب.

بعد فشل كل هذه المشاريع على مدى السنوات القليلة الماضية، اتجهت الولايات المتحدة إلى الحرب الناعمة ضد حزب الله وبث الفرقة بين الطائفتين السنية والشيعية في لبنان.

لكن استراتيجية حزب الله اللبناني الدقيقة في نشر أيديولوجية المقاومة، فضلاً عن الإجراءات العملية التي يتخذها في هذا المجال، منعت واشنطن من كسب هذه الحرب.

بالطبع، تستمر الحرب الناعمة الأمريكية ضد المقاومة، ويعتقد الأمريكيون أن من أهم أسباب صمود حزب الله هو مقاومة وصمود مؤيديه وجمهوره في لبنان، ولذلك يجب إفراغ لبنان من أنصار المقاومة.

تعمل الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف في ثلاثة مجالات:

– الشيعة في لبنان؛ حيث تحاول الولايات المتحدة بالعديد من الأدوات خلق الشرخ بين الشيعة اللبنانيين، وخلق صراع شيعي-شيعي.

– الطوائف الأخرى من المسيحيين والدروز والسنة لتحريضهم ضد الشيعة، في الميدان والإعلام والسياسة.

– الأحزاب الوطنية اللبنانية وكل القوى والشخصيات الداعمة للمقاومة من مختلف المكونات.

ومن بين الأدوات التي استخدمتها الولايات المتحدة لهذا الغرض ما يلي:

– تحميل حزب الله مسؤولية الأزمة الاقتصادية اللبنانية.

– استغلال قضية انفجار مرفأ بيروت وتسييسها ضد حزب الله.

– اتهام حزب الله بدعم نظام سياسي طائفي فاسد ومنع تغيير هيكلته.

– اتهام حزب الله بتهريب المحروقات والمخدرات.

– اتهام حزب الله بتهديد أرزاق اللبنانيين والتحريض ضد الدول الخليجية.

كما ذكرنا فإن الهدف الأساسي للولايات المتحدة في حربها الناعمة ضد المقاومة اللبنانية هو إنهاء الدعم المحلي لحزب الله، وهي لا تتردد في استخدام أي وسيلة لتحقيق هذا الهدف.

والجرائم العديدة التي ارتكبت في لبنان خلال العام الماضي، من كمين منطقة خلدة(إطلاق النار على جنازة عضو في حزب الله) إلى حادثة منطقة الطيونة في بيروت في الأشهر القليلة الماضية، تمت تماشياً مع هذا الهدف الأمريكي.

وقد رأينا مؤخرًا أن العقوبات الأمريكية ضد حزب الله لا تقتصر على السياسيين ورجال الأعمال الذين تزعم واشنطن أنهم يمولون الحزب، بل أعلن الأمريكيون عن فرض عقوبات على أسر شهداء مجزرة الطيونة خلال اليومين الماضيين.

وبدأت هذه العقوبات من تقييد أنشطتهم وحظر التعاملات المالية، إلی إغلاق حساباتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن هؤلاء يمکن الإشارة إلی “عبير خليل” والدة الشهيد “محمد تامر” وابنته فاطمة.

لدى الولايات المتحدة أيضًا خطة طويلة الأمد لجرّ اللبنانيين إلى الشوارع، ولن تفوت أي فرصة للقيام بذلك. والهدف الحقيقي لواشنطن هو استخدام معاناة اللبنانيين نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية، وجزء كبير منه يعود إلى السياسات المتعجرفة والعقوبات الأمريكية ضد لبنان، كأداة ضد حزب الله.

سيناريو الولايات المتحدة للانتخابات اللبنانية

بعد فشل كل هذه الخطط، رسمت الولايات المتحدة هذه المرة سيناريو محكمًا يتعلق بالانتخابات النيابية اللبنانية، ومن خلال تحريض اللبنانيين على المقاومة، تريد أن يفوز حلفاؤها بالأغلبية النيابية في لبنان. لكن الأجواء التي تسود لبنان على ثلاثة مستويات، توحي بأن هذا السيناريو الأمريكي محكوم عليه بالفشل أيضًا.

– بالنسبة للمقاعد التي يشغلها الشيعة في مجلس النواب اللبناني، فالأمر واضح ولا داعي للشرح. في هذه الانتخابات لا يشارك أنصار المقاومة في الانتخابات حسب النظام القانوني أو الحسابات الإقليمية أو السياسية، بل يذهبون إلى صناديق الاقتراع ليقولوا إن كل الحملات والاستفزازات والابتزازات ضد حزب الله زادت من التزامهم بالمقاومة، وهذه المرة يخوضون الانتخابات لإفشال المشروع الأمريكي. إن جمهور المقاومة لن ينسى أبداً تصريح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي قال: “سنكون حيث يجب أن نكون”.

– تظهر استطلاعات الرأي على مستوى الطوائف الأخرى أيضًا، أن حلفاء حزب الله والکتل التابعة للتيار الوطني الحر وفريق رئيس الجمهورية سيفوزون بالمقاعد التي يريدونها في البرلمان كما في السابق.

– وعلى مستوى الأحزاب المعارضة لحزب الله، تشير المؤشرات إلى أن هذه الأحزاب لا تتمتع بشروط مواتية، بل إن هناك الكثير من الغموض حول مشاركة الكثير منها في الانتخابات النيابية. هذه الأحزاب، التي غالباً ما تكون تابعةً لتيار 14 آذار الموالي للغرب، تعيش حالةً من الارتباك بعد استقالة رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، الذي يعتبر زعيم هذا التيار، وكان معظمهم قد طالبوا بمقاطعة الانتخابات بعد أن أصيبوا بخيبة أمل من تنفيذ مشاريعهم ضد حزب الله.

بشكل عام، سيتضح في الأيام المقبلة أن الناخبين اللبنانيين سيذهبون إلى صناديق الاقتراع ليخبروا الأميركيين أن ما فشلوا في تحقيقه في الحرب لن يحققوه في الانتخابات النيابية اللبنانية، ونتائج المعركة الانتخابية لن تختلف عن المعركة الأمنية والعسكرية، والمقاومة منتصرة في كلتا الحربين.

لذا فإن عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في لبنان ستضيع دون نتيجة، وهم سيدركون أن حزب الله الذي لم يستسلم لأي من مؤامرات الولايات المتحدة والکيان الصهيوني والدول الخليجية منذ تأسيسه، لا يقدم أي تنازلات للعدو في هذه المعركة السياسية أيضًا.

المصدر: الوقت

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال