بين تحديات عام جديد، والإيقاع المتسارع لأحداث كلها ساخنة، تزيدها الآمال والتطلعات اندفاعاً إلى خط نهاية حتمي، وبين ما تواجهه الشعوب العربية من تحديات هائلة، زادتها التراكمات عمقاً وصعوبة، يقف العربي العادي أمام متغيرات الحوادث في كثير من الأوقات مشدوهاً بتطوراتها، باحثاً عن تفسير لكل تلك الآلام والنوازل، وراغباً أكثر في فهم الصورة الشاملة لمستقبله الشخصي ومستقبل المنطقة في عام جديد.
ولأن أحداث العام الأخير 2021، خصوصاً، جاءت أسرع من المعتاد، وبدت في أغلب الأوقات حوادث منفصلة مجتزأة، لا يربط بينها رابط منطقي دائماً، كانت النتائج تصل إلى المتلقي العربي من دون شواهد ولا دلالة واضحة على الارتباط بينها، وعلى مدى تأثر منطقتنا بنزاع أشمل، ثم عن مدى تأثير ما حدث في فلسطين بالذات على موازين القوى في المنطقة العربية والشرق الأوسط كله.
خلال العام الذي يوشك على توديعنا، وصلت القضية الفلسطينية إلى لحظة التغيير الكيفي، عقب سنوات طوال من التغير الكمي في المواقف والتفاصيل، وصل أيضاً صلف القوة لدى الكيان إلى منتهاه ليبدأ منحى الهبوط المستمر والدائم، ووصلت مركبات النقص لدى أطراف إقليمية عديدة إلى درجة مقززة وحقيرة في تطرفها نحو الركوع للعدو طلباً للأمان والسلامة، في وسط هذا كله تحولت التضحيات والانتصارات السابقة إلى تيار جديد دافق، يحفر مجراه بدأب وقوة في صيرورة الزمن، وليكون جزءاً لا يتجزأ من حركة التاريخ الدائمة التي تكتب وتحدد وترسم مصائر الشعوب ومستقبل الأمم.
إذا كان للعام 2021 من عنوان حدث يطغى على كل ما عداه فهو “سيف القدس”، وإذا كان له صورة تجبّ غيرها فهي صورة صاروخ فلسطيني يزغرد متألقاً فوق سماء صافية ليحرر الأرض من وهم المطبعين ومعاهدات العار واتفاقات الذل، فقط فلسطين كانت البقعة المضيئة للعام، ويا له من ضوء أعاد إلى الشعوب العربية حيوية كادت تذهب تماماً.
في كل تجمع عربي شعبي أعقب عمليات سيف القدس، كانت فلسطين هي التاج والهدف، في بطولة كأس العرب التي اختتمت مؤخراً، اختار لاعبو منتخب الجزائر أن يرفعوا الكأس بالعلم الفلسطيني، ثم أعقبهم لاعبو النادي الأهلي المصري بالاحتفال ببطولة إفريقية بالأعلام الفلسطينية، وللمفارقة لا يستطيع مصري أن يرفع العلم الفلسطيني في القاهرة المقهورة، وإلا فمصير الشاب البطل عز منير بالسجن يلوح كالسيف المصلت على رقاب الجميع.
فجأة عادت فلسطين للواجهة، فهي القضية الأولى والحاضرة شعبياً، عوامل كثيرة تضافرت لتكنس جهود أنظمة التطبيع وعرابيه، وتكسر كل أبنية الكذب التي صاغوها حول شعبنا المقاوم البطل، من السادات إلى آخر أمير في دول الخليج الفارسي قرر الهرولة إلى الحضن الصهيوني باحثاً عن أمن نظامه أو بعض الرضا الأميركي.
خلال أيام الاشتباكات وحروب المدن التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية، وعمليات الطعن والقنص من قبل فتية أمنوا بربهم وحملوا قضيتهم، مزقت فلسطين كل ما يعيده إعلام مصر ودول الخليج الفارسي عن القضية التي لا تخص الشعوب، وعن الفلسطيني الذي باع الأرض للمحتل، فلم نرَ بالفعل سوى بائعين في قصور حكام القاهرة والرياض وأبو ظبي، بينما شاهدنا الفلسطيني يحول الجيش الذي لا يقهر إلى جرذان تختفي في أقرب فجوة فور انطلاق صافرات الإنذار في المدن الفلسطينية المحتلة.
إن أجمل وداع هو الوداع إلى موعد قريب، وهو ما ندعو الله أن يكون حالنا مع عام 2022، العام الجديد، بكل فيض التضحيات وشلال الدماء الزكية للقادة الشهداء، بداية من عماد أحلام فلسطين الحاج عماد، إلى الحاج قاسم سليماني، ورفيقه الشهيد أبو مهدي المهندس، أملاً ونوراً، وقوة إلى قوة الإيمان واليقين بضرورة تحرير الأقصى وفلسطين.
وكما خط يوماً الأديب والفيلسوف الفرنسي الشهير فيكتور هوجو “ليس هناك جيش أقوى من فكرة جاء أوانها”، فإن هذه المقولة تلخص قطعاً واقع الصراع العربي الصهيوني اليوم وغداً، تحت ظل جديد من قوة فلسطينية قادرة وتستطيع، وقد أثبتت للشعوب العربية قبل الأنظمة كفاءتها، في ظل مدد لا ينقطع من محور المقاومة، استطاع الفلسطيني أخيراً أن يذيق كيان العنكبوت المر والخوف ويدفع بطعم الدم إلى حلوق مستوطنيه.
خلال العام الماضي خرج سيد الوعد الصادق بوعد جديد، عن الجيل الذي سيشهد الصلاة في المسجد الأقصى، وعد من رجل يعرف واقعنا، ويحدق في ظروف المنطقة وتغيراتها ومعادلاتها، ثم يحلق عالياً مستشرفاً ما نرى بشاراته اليوم، في كيان أصبح أهون من بيت العنكوت، ومشروع كامل يوشك على التداعي بفعل عجزه أمام إيمان انبثق في قلب هذه الأرض، وزينها في قلوبنا، ثم أحالها ناراً في قلب العدو.
منذ خطاب سماحة السيد حسن نصرالله، الذي مر عليه عام ونصف تقريباً، عن أمنيته بالصلاة في القدس، ثم حديث الإمام القائد أن هذا الجيل هو الذي سيشهد تحرير المسجد الأقصى، والأحداث لا تترك مجالاً للشك عن مستقبل المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، أفلس كل المطبعين، وبهتت دعاياتهم وفضحت أكاذيبهم، بينما السلاح الذي قهرهم جاهز ليوم قريب، وعد من الله حقاً.
بقلم: أحمد فؤاد
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال