حقوق الإنسان مجرد مسرحية! 121

حقوق الإنسان مجرد مسرحية!

حقوق الإنسان مفهوم ثمين يجب استغلاله من أجل تحقيق حقوق الناس في جميع أنحاء العالم. حيثما يتعرض المظلومون للظلم، يمكن لقوانين حقوق الإنسان أن تساهم إلى حد ما في الحد من هذا الظلم. في هذا السياق قدمت دول الاتحاد الأوروبي نفسها دائمًا كجهة داعمة لحقوق الإنسان. ومع ذلك لم تعد مصداقيتها كما كانت في السابق، وصمتها تجاه الجرائم في غزة يعكس المعايير المزدوجة للغرب. ومع هذا لا تزال هذه الهيئة تمتلك الأدوات والقدرة اللازمة لممارسة الضغط في مجال حقوق الإنسان على بعض الدول. في إحدى آخر محاولاتها في مجال حقوق الإنسان تسعى للتدخل والتأثير في قوانين الحكومة العراقية.

الحقوق المدنية في العراق
قانون الأحوال المدنية في العراق يشير إلى مجموعة القوانين واللوائح التي تتعلق بالمسائل المرتبطة بالحالة الشخصية للأفراد، مثل الزواج، الطلاق، الإرث، حضانة الأطفال، والمسائل الأسرية. تم صياغة هذا القانون بشكل عام استنادًا إلى الشريعة الإسلامية، ولكن هناك قوانين خاصة للأقليات الدينية والمذهبية في البلاد في بعض الحالات. [1]

هذا القانون مستند إلى الثقافة والتقاليد السائدة في العراق، ولا شك أنه يحتوي على بعض النواقص. وفقًا لهذا القانون، توجد قيود أو اختلافات في حقوق الإرث، الزواج، والطلاق بناءً على الأطر الشرعية والدينية.

ماذا تريد أوروبا؟
تسعى دول الاتحاد الأوروبي، دون مراعاة الظروف الاجتماعية والثقافية في العراق، إلى زيادة الضغط على هذا البلد لإجراء تغييرات في القوانين المدنية.[2] وفي الواقع تتبنى أوروبا نهجًا تدخليًا يسعى للتأثير على الهيكل القانوني في العراق. يبدو أن أوروبا بعد فشلها في مجال حقوق الإنسان تجاه إسرائيل خلال حرب غزة، تسعى الآن لتحسين صورتها في أذهان الرأي العام العربي. ولهذا الغرض تسعى إلى ممارسة الضغط على العراق تحت ذريعة حقوق الإنسان وحقوق النساء في هذا البلد. تأتي هذه الإجراءات في وقت يبدو أن الطرف الأوروبي إما غير مدرك تمامًا للبيئة الثقافية في العراق والعالم العربي، أو أنه يسعى إلى زعزعة الاستقرار في هذا البلد.

إذا افترضنا أن أوروبا على دراية بالبيئة السائدة في الدول العربية وخاصة العراق يمكن استنتاج أن أوروبا ربما تسعى إلى إحداث تحول مدني يركز على المرأة في العراق، بهدف إضعاف هيكل الحكم في البلاد وتوجيهها نحو إعادة هيكلة شاملة. في الواقع فإن التأثير غير المباشر على مسار الاحتجاجات في العراق، مع التركيز على حقوق الإنسان واستخدام أدوات العقوبات الاقتصادية قد يضع الاقتصاد غير المستقر للعراق في تحدٍ كبير.

يمكن اعتبار هذا الإجراء الأوروبي في إطار التعاون عبر الأطلسي، حيث يسعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة إلى توسيع نطاق نفوذه في مختلف أنحاء العالم. تسعى الولايات المتحدة الآن إلى الاستفادة من الظروف بأقل التكاليف، وفي الوقت نفسه لا ترغب في التواجد أو الانخراط المباشر في العديد من المناطق في العراق. بعد تأكيد خروج قوات التحالف الدولي وكذلك القوات الأمريكية،[3] يبدو أن هناك مجالًا لوجود قوات غير غربية لتأمين الأمن في العراق. هذا الأمر ليس مريحًا للغرب حيث إن فقدان السيطرة على الآليات الأمنية والاقتصادية للعراق قد يكون له تداعيات سلبية. لذلك يستخدمون أدوات غير عسكرية للسيطرة على العراق. هذا الإجراء الذي قد يواجه عقوبات إذا لم تتغير قوانين الحقوق المدنية، يعد بمثابة جرس إنذار للحكومة العراقية والدول الأخرى في المنطقة مما يتطلب منها أن تكون يقظة.

بالإضافة إلى ذلك يجب على العراق أن يسعى لإثبات استقلاله حيث إن هذه التدخلات في الشؤون الداخلية للبلاد قد تضر بمصداقية حكومته، وقد يضطر العراق في المستقبل إلى قبول طلبات أخرى من أوروبا. لهذا يجب على العراق أن يتمكن من الخروج من ضغوط هذه التدخلات، وأن يركز على المبادئ الأساسية المنصوص عليها في الدستور، وكذلك حقوقه المدنية وظروفه الثقافية، ليتمكن من إقرار القوانين التي تعزز الأمة وتدفع الأهداف الوطنية إلى الأمام، دون أن يخشى الضغوط والتهديدات الخارجية. لأنه إذا قام بتغيير القوانين بما يتعارض مع الظروف الثقافية والتقليدية، فإن الخاسر الرئيسي سيكون الشعب العراقي الذي سيتحمل تكاليف باهظة نتيجة لذلك. إذ إن أوروبا تسعى إلى ممارسة النفوذ وتعزيز مكانتها ولن تكون راضية أبدًا بالتغييرات الطفيفة، وقبول طلبات أوروبا يعني الضوء الأخضر لمزيد من الطلبات والإجراءات.

امین مهدوي


[1] bbc.com
[2] wilsoncenter.org
[3] Cnn.com
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال