أخيراً ونتيجةً لضغط الرأي العام العالمي أصدرت محكمة لاهاي حكم اعتقال نتنياهو وغالانت بسبب ثبوت تعمّدهما بحرمان أهل غزة وبشكل مقصود من مستلزمات الحياة الأساسية مثل الغذاء والماء والدواء والوقود والكهرباء. بالإضافة إلى ذلك يُقال إنهما كقادة مدنيين يتحملان مسؤولية إدارة الهجمات المنظمة ضد السكان المدنيين.
تعني هذه الأحكام أن 124 دولة عضو في محكمة لاهاي ملزمة باعتقال وتسليم هذين الشخصين إذا دخلا أراضيها. ومع ذلك فإن صدور حكم الاعتقال يُعتبر جزءًا صغيرًا من الإجراءات القانونية التي لا يمكن أن تستمر بدون حضور المتهمين، حيث تتطلب إجراءات المحكمة حضور المتهم ولا يزال بإمكان نظام إسرائيل الطعن في صلاحيات المحكمة لمعالجة هذه القضية.
منذ إعلان هذا القرار أدان المسؤولون الإسرائيليون هذه الأحكام بشدة حيث وصفت ميري ريجو وزيرة النقل الإسرائيلية هذا الأمر بأنه "معاداة للسامية الحديثة تحت غطاء العدالة". كما صرح مكتب نتنياهو في تعليقات منفصلة بالإشارة إلى ألفريد دريفوس، وهو الضابط اليهودي الذي أُدين بالخيانة في فرنسا، قائلًا إن هذا القرار يُقارن بـ"محاكمة دريفوس في العصر الحديث" مضيفًا أن الأمر سينتهي بنفس الطريقة.
وأعلن غالانت في بيان له أنه يعتز بالامتياز الذي حظي به في قيادة المنظومات الأمنية والدفاعية لإسرائيل خلال الحرب، وأضاف أن إسرائيل ستستمر في هذه الحرب حتى تحقيق جميع أهدافها. بالإضافة إلى ذلك يبدو أن المحكمة الجنائية الدولية لن تبقى بمنأى عن تداعيات إصدار حكم اعتقال نتنياهو وغالانت. ومن المرجح أن تدين الحكومة الأمريكية الحالية والجديدة ومجلس الكونغرس المحكمة مما سيشكل لها العديد من المتاعب، حيث يُعتبر المسؤولون الإسرائيليون "الخط الأحمر" لهم. يُعرف قانون الولايات المتحدة بشأن المحكمة الجنائية الدولية بقانون مهاجمة لاهاي، وهو اسم لم يُختَر بشكل عشوائي حيث يعطي هذا القانون بطريقة غريبة للحكومة الأمريكية الحق في استخدام القوة العسكرية لتحرير مواطنيها أو حلفائها من الاعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
ومع ذلك رغم أن هذا الحكم ليس له عواقب فورية وجادة على نتنياهو وغالانت فإن أي تفاعل بينهما وزعماء الدول الأعضاء في محكمة لاهاي سوف يتعقد من الناحية الدبلوماسية مما يجعل اللقاء العلني لنتنياهو مع قادة الدول الغربية أكثر صعوبة.
نتيجةً لهذا الحكم تتضح على الساحة الدولية جبهتان رئيسيتان: مؤيدو المجرمين الحربين وهما نتنياهو وغالانت ومعارضوهم. وعلى الدول المختلفة أن تكون أكثر استجابة للرأي العام، وعلى الرغم من أن إسرائيل وأمريكا لم تلتزما حتى الآن بأي من القوانين الدولية وعادةً ما اتبعوا نهجاً متغطرساً بشأن قضايا حقوق الإنسان في العلاقات الدولية، إلا أن دعم نظام إسرائيل سيعتبر فعلاً مساعدةً لمجرمي الحرب.
يمكن أيضاً القول إن أحد أهم نتائج حكم محكمة لاهاي ضد نتنياهو وغالانت هو في السياق الداخلي لنظام الاحتلال الإسرائيلي. حيث إن نتنياهو حالياً مشغول بالقضايا الداخلية المتعلقة بالفساد ومع هذا الحكم الدولي الذي صدر ضده سيتراجع رصيده بشكل أكبر في الساحة السياسية لنظام إسرائيل. وقد أصبح هذا واضحاً إلى درجة أن وسائل الإعلام الإسرائيلية ذكرت أن العالم لم يعد بمقدوره تحمل نظام إسرائيل.
علاوة على ذلك سيواجه حتى حلفاء إسرائيل الذين هم أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية ضغوطاً داخلية لقطع اتصالاتهم الدبلوماسية مع نتنياهو. ومن المحتمل أن يكون هذا الحكم عاملاً معقداً لبعض حلفاء إسرائيل. فبعض الدول لديها قوانين داخلية تحظر بيع الأسلحة للدول التي ترتكب جرائم حرب. ويبدو أن هذا الحكم قد تكون له أيضاً عواقب دبلوماسية كما رأينا بعد الحكم الأخير، حيث أعلن وزير الخارجية الهولندي أن بلاده ستلتزم بموجب حكم الاعتقال، وأجل زيارة كان قد خطط لها إلى إسرائيل.
في النهاية بينما يبدو أن نتنياهو وغالانت في مأمن من الاعتقال، إلا أن مثل هذه الأحكام يمكن أن تترتب عليها عواقب عسكرية ودبلوماسية على نظام إسرائيل على المستوى الدولي. وفي المستوى الداخلي قد تؤدي إلى زيادة الانقاسات الداخلية داخل حكومة النظام وتدفع السكان في الأراضي المحتلة للاحتجاج والإضراب ضد الكيان المحتل، وبالتالي فإن هذا الحكم يسرع من عملية انهيار نظام إسرائيل من الداخل.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال