في ظل الإدراك الوطني العميق لطبيعة حكومة نتنياهو المتطرفة الجديدة، ستكون المجابهة الوطنية الشعبية خلال العام 2023 أكثر تصميماً على التصدي للمشاريع الإسرائيلية الإجرامية القائمة وبات أمراً محسوماً أن الشعب الفلسطيني اختار المقاومة الشعبية الشاملة، بكل وسائلها طريقاً لمواجهة الاحتلال.
لكن المقاومة تعيش الآن في ظل انقسام سياسي، وفي ظل خلافات في الرؤية ورسم الخيارات فالانقسام السياسي بين حركتي حماس وفتح بدأ يأخذ أبعاداً، تجعل منه انقساماً في الخيارات السياسية، تعكس نفسها على الأوضاع الميدانية في كل من الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وتضع المزيد من العراقيل أمام تطبيق ما تم التوافق عليه في جولات الحوار، بما فيها «حوار الجزائر».
في هذا السياق، أكد عدد من المحللين أن هذا الانقسام السياسي بين الفصائل، لا يعني أنه مسّ الوحدة الوطنية الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني رغم الانقسامات الفصائلية الفوقية يحافظ على وحدته الوطنية في مواجهة الاحتلال ومشاريعه العدائية، ورغم محاولات الإيحاء بوجود تباينات في الرؤى الشعبية الفلسطينية، إلا أن الواقع يؤكد أن الشعب الفلسطيني موحد في الميدان، ضد الاحتلال وضد الحصار، وضد المشاريع البديلة لحقوقه الوطنية، وأنه متمسك بحقوقه الوطنية كاملة.
وبالتالي لم تنجح كل الانقسامات، وكل الخلافات وكل التباينات في اختراق وحدته هذه، التي تزداد إلتحاماً وتماسكاً يوماً بعد يوم، ما يوفر القدرة أمام الحركة الشعبية الفلسطينية لمواصلة الضغط، بالأشكال المختلفة لتطويق نتائج الانقسام وتداعياته، والضغط على أطراف الحالة الفلسطينية في لحظة من لحظات المجابهة، لوضع حل لهذه الانقسامات واستعادة الوحدة الداخلية لفصائل العمل الوطني، وتعزيز الوحدة الوطنية للشعب.
وفي هذا السياق كان هناك دعوات متعددة تطالب القوى الوطنية وفصائل منظمة التحرير، إلى توحيد الصف، والالتزام ببرنامج الوحدة، وتنفيذ إعلان الجزائر، والاتفاق على استراتيجية وطنية واحدة، لمواجهة حكومة نتنياهو المتطرفة، والتشديد على ضرورة تفعيل المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.
فمن جانبه دعا صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، الإثنين الماضي، إلى توحيد الصف الفلسطيني على استراتيجية مقاومة الاحتلال بكل الوسائل والأدوات، وأن تتحرك منظمة التحرير في كل المحافل الدولية لحصار كيان الاحتلال وكشف الغطاء عنه وإساءة وجهه.
وقال العاروري في كلمة له خلال مؤتمر دعم صمود ومقاومة شعبنا في الضفة والقدس الذي نظم في غزة، إن خطط حكومة الاحتلال الجديدة تستهدف وجود الفلسطينيين في كل مكان، ولذلك لا بد من توحيد الصفوف على رؤية وطنية لمواجهتها وأنه ليس هناك ترف في الوقت.
وأضاف: الحكومة الإسرائيلية الجديدة هي مختلفة عن كل ما سبقها من حكومات إجرامية، فتركيبتها إجرامية، ولا تأخذ بالاعتبار لا قانونا ولا مجتمعا دوليا، ولا حتى قانونهم المحلي، يريدون أن يستولوا بشكل كامل على القدس والضفة الغربية.
وأضاف: هذه الحكومة تعتقد أن إسرائيل هي الضفة الغربية، وتعني لهم أكثر من تل أبيب والنقب، ويريدون أن يفتعلوا توترا جديدا في المنطقة كي يكملوا فيها تهجير كامل شعبنا واحتلال باقي الضفة والقدس.
وتابع: "الحكومة الصهيونية الجديدة تريد أن تستولي على جزء من المسجد الأقصى، إذا لم يتمكنوا من السيطرة الكاملة عليه، وعندهم برنامج لتهجير أهلنا حتى في داخل الـ48، لأن لديهم هدفا واحدا، هو تهجير شعبنا والتخلص منه". وفق قوله.
ولفت إلى أن هناك توافق بين الفصائل على إبقاء وحدة الساحات، وأن غزة حينما تخوض أي حروب ليس من أجلها، بل من أجل كل الساحات.
وقال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، "معركة سيف القدس التي خاضتها المقاومة في غزة، كانت من أجل القدس وكل الساحات، وليس من أجل غزة .. سنظل نعتبر أن قضيتنا وحربنا ومهمتنا المقدسة ما زالت قائمة، ما دام مسرى الرسول ومدارج الأنبياء محتلا من قبل الصهاينة". وفق تعبيره.
وأكد العاروري على أن المطلوب تصعيد المقاومة ضد الاحتلال بكل الوسائل الميدانية والشعبية والمقاطعة والحجارة والسلاح.
وأكد أن الشعب الفلسطيني من جنين وحتى رفح شعب موحد ولم ينكسر أبدًا من التضحيات التي يقدمها والتي تزيده عزيمة وإصرارًا.
وخلال الندوة دعا نافذ غنيم عضو المكتب السياسي للحزب إلى الضرورة الملحة والعاجلة للتوافق الوطني على استراتيجية وطنية واحدة يلتزم فيها الجميع قولا وعملا، لتمكين شعبنا الفلسطيني من مواجهة المخاطر المتصاعدة تجاهه كشعب وارض وقضية، لا سيما في ضوء تشكيل حكومة الاحتلال الاسرائيلي اليمنية المتطرفة والفاشية.
وقال غنيم في مداخلته "إننا نريد استراتيجية يشارك في صياغتها الجميع ويلتزم في تطبيقها الجميع، وتتسم بالواقعية الثورية وقابلة للتنفيذ، وجوهرها هو مقاومة ما يسعى ويقوم به الاحتلال من ممارسات ومواقف وسياسات عدوانية، سواء كان ذلك على المستوى الفلسطيني او العربي والاقليمي او الدولي".
وأشار غنيم إلى ان ما يجب ان ترتكز اليه هذا الاستراتيجية من محاور هامة، في مقدمتها الانطلاق من ان العلاقة مع الاحتلال تقوم على اساس الصراع التناحري، والابتعاد عن بدعة اجراءات تعزيز الثقة او التنسيق الامني او التفاهمات او الهدنة، وبما يعنيه ذلك من تنفيذ لقرارات المجلسين الوطني والمركزي، والتي ترتكز لوقف العمل باتفاقيات أوسلو التي تخلت عنها اسرائيل.
وكذلك الاسراع في انهاء حالة الانقسام على المستويات كافة بإرادة وقناعة فلسطينية بعيدا عن خضوع أي من المواقف لمصالح فئوية او شخصية، او لأجندات ليس لها علاقة بمصالح شعبنا؛ مؤكداً على اهمية ان تعالج هذه الاستراتيجية ما يعزز صمود الناس من خلال تلبية حاجاتهم المعيشية ووقف مظاهر التغول على ما يقتاتون به وعلى حقوقهم وكرامتهم، ومعالجة مختلف الاسباب التي تدفع ابناء شعبنا للهجرة خارج الوطن، الامر الذي يجب ان تتحمل مسئوليته الحكومة الفلسطينية استنادا لتعديل أولوياتها.
وكذلك العمل على تعزيز وتفعيل المقاومة الشعبية وفق برنامج طموح ومنظم تديره قيادة موحدة تعمل على ابتداع اشكال واساليب هذه المقاومة ارتباطا بالحالة الملموسة لمختلف الساحات، وتسعى لتطوير الحالة الثورية الشعبية باتجاه الانتفاضة الشاملة على قاعدة الخلاص من الاحتلال والاستقلال وتقرير المصير والعودة، والالتزام بمبدأ ادارة المعركة مع الاحتلال وفقا للأساليب والتكتيكات التي تقر بصورة وطنية وجماعية.
وأضاف قائلا " هناك خطر داهم تسعى اسرائيل وحلفائها له، وهو العمل على تشتيت التمثيل الفلسطيني، والتعامل مع الفلسطينيين كمجموعات سكانية متناثرة، وذلك من خلال ضرب وحدانية ثمثيلهم، أي بمعنى محاولة سحق م.ت.ف وما تمثله كعنوان سياسي تمثيلي وحيد لشعبنا ، الامر الذي يحتاج لتعزيز قوتها وتمتين مكانتها، وذلك من خلال التفعيل الجاد لمؤسساتها المختلفة، واشراك كل القوى الفلسطينية الفاعلة فيها، ووقف أي مظاهر وممارسات داخلية تضعف من شانها، والتفاعل الحي والمبدع مع قضايا شعبنا في الداخل وخارج، وتطوير اداء سفاراتنا بما ينسجم والحالة النضالية التي تسعى الى تحقيقها هذه الاستراتيجية".
من ناحيتهم هنأ ممثلو الفصائل الوطنية والاسلامية الحزب بمناسبة الذكرى، وأشادوا بدوره الوطني والاجتماعي وبصدق مواقفه، مؤكدين على ضرورة واهمية التوافق على استراتيجية وطنية جامعة تمكن شعبنا من مواجهة حكومة التطرف والارهاب الاسرائيلي، وتساعد في مراكمة انجازاتنا نحو الانتصار وتحقيق اهداف شعبنا العادلة والمشروعة، وفي مقدمة ذلك الانهاء الفوري لحالة الانقسام الذي وصفوه بالكارثي والمدمر على المستويات كافة.
مجد عيسى
المصادر:
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال