بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، شهدت منطقة غرب آسيا بشكل تدريجي صراعات وجودية، حيث ظهرت خلافات إقليمية وحدودية، وصراعات عرقية، وصراعات أيديولوجية، ونزاعات، وتوترات وصراعات سياسية واقتصادية في هذه المنطقة. ما جعل هذا الإشكال في غرب آسيا يصبح أكثر تعقيدًا وغموضًا هو التدخل السلبي للقوى الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان وجود النظام الصهيوني كضيف غير مدعو في المنطقة، مرتبطًا بدعم الولايات المتحدة، بمثابة حلقة إضافية من التعقيد في نشوء الصراعات الإقليمية. في ظل هذه الظروف، شهدنا محاولات الصين لتكون طرفاً مهماً في التأثير على مجريات الأحداث في هذه المنطقة.
دور الصين في المعادلات الإقليمية
بشكل عام، يسعى شي جين بينغ، رئيس جمهورية الصين الشعبية، إلى تعزيز مكانته كزعيم عالمي وإيجاد انطباع بأن الصين هي لاعب رئيسي عالمي في إحلال السلام والاستقرار. ووفقًا لذلك، فقد لعبت الصين دورًا متزايدًا في قضايا الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وقد يكون من الأهم أن نذكر وساطتها من أجل تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية. بالطبع كانت الصين تسعى منذ عقدين تقريباً للعب دور جاد في التطورات الإقليمية. على سبيل المثال كانت الصين من أقوى المعارضين للحرب التي شنتها الولايات المتحدة وبعض حلفائها الرئيسيين في العراق عام 2003. كما عارضت الصين الاستخدام المفرط للأداة العسكرية في أفغانستان بعد 11 سبتمبر 2001 وفي ليبيا عام 2011، ومنذ عام 2012، عارضت التدخل العسكري في الشؤون الداخلية لسورية خلال أحداث ما سمي "بالربيع العربي".[1]
سعي الصين لحل أكبر التحديات في المنطقة
تسعى الصين لتكون لاعبًا قويًا نشطًا في حل أكبر التحديات في المنطقة، وهو قضية فلسطين. في الواقع تدعم الصين منذ فترة طويلة علنًا قضية فلسطين، وكانت من أوائل الدول التي اعترفت بدولة فلسطين. كما تدعم بكين بشكل منتظم الفلسطينيين في تصويتات الأمم المتحدة. ومؤخرًا استضافت بكين ممثلين عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) من أجل المصالحة وتعزيز مستوى التعاون بين هاتين الحركتين الفلسطينيتين، وهو ما حظي باهتمام كبير. من المهم الإشارة إلى أنه على الرغم من أن الصين تُظهر تعاطفًا أكبر مع فلسطين، إلا أنها لا تزال تؤيد حل الدولتين الذي لا يستلزم تدمير وزوال إسرائيل. [2]
دوافع الصين لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة
يُعتبر استقرار منطقة الشرق الأوسط أحد المصالح الحيوية للصين، حيث تسعى بكين بجد لتنفيذ مشروع مبادرة الحزام والطريق بأفضل شكل ممكن. بالإضافة إلى ذلك تستقبل بكين أكثر من 40% من وارداتها من النفط الخام عبر الخليج العربي، مما دفعها لتعزيز التفاعل الاقتصادي مع الدول العربية. في المؤتمر العاشر للتجارة بين العرب والصين الذي عُقد في منتصف يونيو العام الماضي، وقعت الصين أكثر من 30 عقد استثمار بقيمة 10 مليارات دولار، بما في ذلك عقد بقيمة 5.6 مليار مع السعوديين للاستثمار المشترك في مجال السيارات الكهربائية. [3]
ما هو التصور لدور الصين في التطورات الإقليمية؟
كما تم الإشارة سابقاً، تسعى الصين لتظهر نفسها كلاعب مؤثر من خلال بذل جهود لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. لذلك، من المتوقع أن تلعب الصين دورًا أكبر في تسهيل السلام والاستقرار في المستقبل، حيث ترى في الشرق الأوسط أمنها الاقتصادي والأمن القومي. تعتبر الصين أيضًا إزالة النزاعات في المنطقة وسيلة لإظهار شعورها بالمسؤولية كلاعب دولي قوي. ومع ذلك فإن تخفيف التوتر أو تقليله يعد الخطوة الأولى فقط، وهناك طريق طويل تمتد من مرحلة تخفيف التوتر إلى تحقيق نظام منطقي معقول، وبدون شك ترغب الصين في المساعدة في تحقيق ذلك.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال