حين تفرض الوقائع تسليم الصهاينة بهزيمة المشروع الصهيوني 63

حين تفرض الوقائع تسليم الصهاينة بهزيمة المشروع الصهيوني

في 13 كانون الثاني 1987 عقد البرلمان (الكنيست) في الكيان الإسرائيلي جلسة خاصة ناقش فيها موضوعاً على جدول عمله هو «الخطر الديموغرافي الفلسطيني الذي يهدد وجود الدولة اليهودية»، وأجمع قادة الأحزاب في الجلسة على ضرورة إعطاء هذا الموضوع أولوية في خطط الحكومة والجيش والأمن لمنع خطره على الدولة ومستقبلها «اليهودي»، ولا شك أن الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الوقت أعدت الخطط والسياسات والإجراءات التي ستتبناها وتنفذها «لمنع هذا الخطر».

بعد 30 سنة من تلك الجلسة يكشف الصحفي الإسرائيلي نيداف شارغاي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» بتاريخ 18 أيار 2017 أن خطط زيادة عدد المستوطنين في مدينة القدس وجوارها وضمهم إلى «بلدية مدينة القدس الموسعة» لفرض زيادة في عدد اليهود في المدينة مقابل تزايد الفلسطينيين المقدسيين فيها، لم يحقق الهدف المطلوب حتى في مدينة القدس، والحقيقة أن هذه المدينة تعرضت لتنفيذ خطط تهويد مكثفة ومستمرة طوال عقود كثيرة وعلى مستويات عديدة وصلت إلى محاولة فرض وجود المستوطنين في قلب أحيائها الفلسطينية التاريخية وتمكن الفلسطينيون من إحباطها وعرقلة تنفيذها، ولذلك توقع الصحفي شارغاي بموجب معلوماته أن يبقى المقدسيون حتى عام 2040 يشكلون ما يزيد على 45 بالمئة من سكانها أمام اليهود ومستوطناتهم التي جرى إلحاقها ببلدية القدس بهدف زيادة عدد السكان اليهود فيها، وهذا الرقم يشكل انتصاراً لصمود المقدسيين لأن إجراءات الاحتلال تنفذ سياسة منهجية بمعاقبة المقدسيين بالطرد من المدينة ومنع عودتهم إليها لتخفيض عددهم وبإغراق المدينة بمستوطنات من حولها وإعطائها سجلاً يتبع للمدينة، ويعترف شارغاي بأن 400 ألف من اليهود المستوطنين ضمن مدينة القدس وما ضم لبلديتها من مستوطنات حولها كانوا قد غادروا المدينة خلال ثلاثة عقود إما للاستيطان في تل أبيب أو في غيرها من مدن العالم الليبيرالية لكي يتجنبوا مخالطة المتدينين اليهود السلفيين في مدينة القدس وانعدام الأمن الذي تولده مقاومة الفلسطينيين.

هذا يعني أن ما يحبطه الفلسطينيون في القدس بصمودهم ومجابهتهم لخطط التهويد والإبعاد عن مدينتهم، يشكل أحد أشكال المجابهة والصمود التي يشاركهم فيها بقية الفلسطينيين في الضفة الغربية وداخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 ليصبح مجمل عدد الفلسطينيين في كل مساحة فلسطين من غزة حتى الناقورة يزيد بنصف مليون على عدد المستوطنين في عام 2022 بموجب المصادر العبرية.

إضافة إلى ما يكشفه شارغاي في الصحيفة العبرية عام 2017 يقول ميشكا بن ديفيد وهو أحد ضباط قيادة الموساد «جهاز التجسس والمهام الخاصة الإسرائيلي» في السابق، في تحليل نشره بنفس صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 18 أيار 2021 إن «خطر الأغلبية الديموغرافية الفلسطينية على مجمل مساحة الدولة لم يعد ينذر بأخطار سياسية على مستقبل يهودية الدولة بل أمنية مباشرة وبخاصة في المدن المختلطة التي يقيم فيها الفلسطينيون واليهود معاً»، ويقصد القدس وحيفا ويافا وعكا واللد والمستوطنات القريبة من القرى الفلسطينية في الجليل، ويستشهد بن ديفيد الذي تحول إلى كاتب سياسي بعد تقاعده من الموساد، بما قام به الفلسطينيون في اللد وغيرها من المدن المختلطة أثناء عملية «سيف القدس» وتراجع جيش الاحتلال في مواجهته لقطاع غزة وانتفاضة الفلسطينيين في القدس في العام الماضي ويقترح «قيام الجيش بعزل جمهور واسع من الفلسطينيين في هذه المدن ونقلهم إلى مناطق محاصرة معزولة لمنع قيامهم بدعم الفلسطينيين في أي حرب مقبلة ويبرر ذلك بسابقة أميركية حين شنت واشنطن الحرب على اليابان وطلبت من الجيش الأميركي نقل جمهور واسع من اليابانيين الأميركيين إلى ولايات معزولة بعيدة ووضعهم رهائن ضمن معسكرات مسورة ريثما تنتهي الحرب لمنعهم من دعم شعبهم الياباني من داخل أميركا أثناء شنها الحرب على الشعب الياباني في الحرب العالمية الثانية.

وحول الخطر السياسي على مستقبل الكيان الإسرائيلي الذي تولده الأغلبية المحتمة للفلسطينيين يسلم بن ديفيد بأن «كراهية وجود اليهود ولدت حروباً كثيرة مع العرب وستبقى تولد حروباً ولم يبق سوى حل واحد أصبح اللجوء إليه ضرورة وهو السماح بوجود دولة تضم الفلسطينيين وحدهم برغم صعوبة القبول بهذه الدولة من اليهود».

ومع أن هذا الحل لن يلبي حقوق الفلسطينيين الوطنية والشرعية فوق ترابهم الوطني وسيستمرون بمقاومتهم متمسكين كعادتهم بحق عودتهم إلى كل وطنهم التاريخي وبناء دولتهم المستقلة فوق ترابه، إلا أن ما تؤكده الوقائع على الأرض هو أن المشروع الصهيوني وكيانه الإسرائيلي لحقت بهما مجموعة هزائم ملموسة طوال هذه الفترة ومنذ عام 1948 وتمكنت قوى محور المقاومة بكل أطرافها السورية والفلسطينية واللبنانية وبدعم لم ينقطع من الجمهورية الإسلامية الإيرانية من إحباط كل مخططات هذا المشروع وكيانه وجيشه وبدأ الممثلون عنه يعترفون بهذه الحقيقة.

 

المصدر: الوطن

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال