منذ أن خُلق الإنسان حتى اليوم، كانت الحرب والصراع من شيمه ويستحيل أن تنتهي هذه الوتيرة حتی ظهور الإمام المهدي (ع)؛ من الحرب على الغيرة حتی الدفاع عن النفس؛ ومع ذلك، قاتل العديد من الأنبياء ومقاتلو السلام على هذا الطريق وضحوا بأرواحهم من أجل الطموح الإلهي الحقيقي، لكن لم تخلد أية منها كخلود ثورة كربلاء وانتفاضة الحسين بن علي (ع). الانتفاضة التي هدفها وطريقها ونتائجها حقّق انتصارًا عظيمًا وتجلت فيها إرادة الله و وجلب رضاه تماما. الثورة التي تصفها زينب سلام الله علیها بالجمال، رغم أنها أفضت إلى استشهاد أخيه وأنصاره وهذا يعني الحقيقة الخالصة. ومراجعة حكاية عاشوراء تظهر سر خلود كربلاء وتكشف عن انتفاضة الإمام الحسين وتعدها ذروة الحرية.
ولكن وقعت عدة أحداث مهمة في عاشوراء؛ الحادثة الأولى هي التضحية وبذل النفس. وحكاية حضور الإمام الحسين مع أهله وبذل كل ما لديهم في سبيل إحياء الدين وقوله الذي تركه بين أصحابه في ليلة عاشوراء تمثل ذروة مفهوم التضحية وبذل النفس في سبيل الله. ويقال في ليلة عاشوراء، أنه قال محمد بن بشار رداً على كلام الإمام الحسين( لما أراد أن یتفرق الأصحاب، حیث قال ذروني، فإن هولاء القوم لا يريدون إلا غيري): “أكلتني وحوش الصحراء حياً إذا خليتك”. ومرة أخرى، قام مسلم بن عوسجة وقال:” هل نحن نخلي عنك وننصرف؟ بما نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ بالله، لن نخلي عنك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ووالله لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به، لقذفتهم بالحجارة. أقسم بالله لن نفارقك حتى يعلم الله تعالى أننا في غياب رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا مؤيديك. أقسم بالله، لو علمتُ أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أذرى، ويفعل بي ذلك سبعين مرة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا. وهذه کانت مجرد جزء من أقوال أصحاب الحسين (ع)، وما تحدثوا عنه كان المفهوم السامي للتضحية بالنفس وحكاية لم يسجلها التاريخ، غير أنها، في يوم عاشوراء، تكررت مرارًا وتكرارًا. ومن بين الوعود الخادعة والمغرية لجيش يزيد، ضحى أنصار الحسين(ع) بحياتهم فداء لإمامهم ولم يسمحوا لبني هاشم بالذهاب إلى المعرکة قبل الآخرين وأظهروا حقيقة ذلك أن عداوة يزيد ليست مع عشيرة الحسين (ع)، بل مع مُثُله الأعلى.
إلى جانب هذا المفهوم، كانت واقعة عاشوراء حقًا ملحمة، وصمود الحسين بن علي عليه السلام ورسالة هذا الإمام العظيم الموجهة إلى أصحاب يزيد دليل على هذا الادعاء وكان الإمام قد قال في وقت سابق رداً على أقاويل يزيد: «مثلي لا یُبایِع مثله»!، الكلمة التي تكررت في يوم عاشوراء مرارا. ولما وصل الحر وأصحابه الى كربلاء لمراقبة حركة الحسين بأمرعبيد الله بن زياد، سقى أصحاب أهل البيت جيشه، إلا أن عمر بن سعد و من معه رغم أنهم رأوا طفلا عطشان لم یبلغ من العمر ثلاثة رموه بالسهم بدلاً من سقايته. ووقعت مشاهد كثيرة من هذا القبيل في يوم عاشوراء وكانت عاشوراء مسرحا لمقاومة وصمود رجال ونساء وقفوا بكل ما لديهم ضد جور الظالم واستکبار المستکبر، بحیث اجتثوا جذوره بدمهم الطاهر. واليوم تجذب الجاذبية الحسيني الملايين من الناس في يوم عاشوراء لإحياء ذكرى الحسين (ع) بينما لم يعد خبر من قتلته ولا توجد لهم مزارات ومقامات ولا أضرحة ويجمعهم التاريخ أيضًا كجلادين وقتلة وظلمة ويحكم عليهم بالفناء والعدم.
المصدر ؛iuvmpress.news
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال