414
دفعت التطورات الأخيرة في أوكرانيا ترامب إلى طرح خطة متعددة الجوانب على طاولة المفاوضات مع كييف للمرة الألف مع الحفاظ على مصالحه والسعي لإنهاء الحرب. وأكدت أوكرانيا في بيان أن زيلينسكي تلقى مسودة اقتراح سلام جديد من الولايات المتحدة لكنه لم يكشف بعد عن مضمون الاقتراح.
ووفقًا للتقارير المعلنة نشر أوليكسي هونتشارينكو عضو البرلمان الأوكراني خطة السلام الأمريكية في 20 نوفمبر. وتدعو هذه الخطة المكونة من 28 بند أوكرانيا إلى التخلي عن عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والانسحاب من جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك وتعزيز مكانتها كدولة غير نووية. ونشرت وسائل إعلام غربية لاحقًا مضمون هذه الخطة.[1]
في الوقت نفسه أعربت بعض المصادر الروسية أثناء دراستها لموقف موسكو في هذا الشأن عن مواقف فلاديمير بوتين من الخطة. وبحسب قولهم "لم يُناقش الاقتراح الأمريكي بالتفصيل مع موسكو بعد ولكنه قد يُشكل أساسًا لحل النزاعات".[2] يعتقد بوتين أن أوكرانيا وحلفاءها الأوروبيين ما زالوا متوهمين بإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في ساحة المعركة ولذلك سيعارضونه.[3]
مع ذلك يبدو أن مطالب موسكو الراسخة قد تكررت في هذه الخطة وبناءً عليها، ستُجبر كييف على تقديم عدة تنازلات.[4] في المقابل يتضمن الاقتراح بنودًا لن تكون مقبولة ليس فقط لأوكرانيا بل لروسيا أيضًا في بعض النواحي، ومن القضايا الخلافية التي ستُسبب تحديات وخلافات متبادلة إنشاء جيش أوكراني قوامه 600 ألف جندي. تُمثل مسألة خفض عدد القوات من مليون إلى 600 ألف جندي تحديًا لأوكرانيا مما سيؤدي في النهاية إلى زيادة تعرضها لهجمات من روسيا وتهديدات مستقبلية في ظل الوضع الراهن. [5]
في الوقت نفسه وفي سياق خفض عدد أفراد الجيش الأوكراني طالبت روسيا سابقًا بخفض عدد أفراد الجيش الأوكراني إلى أقل من 100 ألف. لأن عدد الجنود في هذا الجيش البالغ 600 ألف جندي، لا يزال غير مقبول لدى روسيا وقد يُشكل هذا العامل تهديدًا للأمن الروسي. لذلك لن تقبل روسيا هذا الأمر فكريًا فحسب بل عمليًا أيضًا إذ تفتقر أوكرانيا إلى الميزانية والهيكلية اللازميتن للحفاظ على مثل هذه القوة. ونذكر أنه خلال سنوات الصراع مع روسيا، تقلصت قدرات أوكرانيا المالية والاقتصادية بشكل حاد كما تتناقص القدرات البشرية بسبب صعوبة ظروف المعيشة والعمل والبيئة نتيجة الهجرة أو حتى ضحايا الحرب. ووفقًا للخبراء شهدت أوكرانيا أكبر هجرات بعد الحرب العالمية الثانية في السنوات القليلة الماضية. ومن منظور آخر تعاني أوكرانيا في وضعها الحرج الحالي من نقص في السكان والقدرات البشرية.[6]
ووفقًا للمحللين تشير التقديرات إلى نزوح حوالي 5.3 مليون شخص داخل أوكرانيا، وهاجر ما يقرب من 7 ملايين إلى الخارج، منهم 4 ملايين فقط لجأوا إلى الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن الحرب قد شردت ما بين 25 و30% من إجمالي سكان أوكرانيا داخليًا وخارجيًا.[7] لذا من منظور ديموغرافي وسكاني، يُمكن فهم أن مثل هذا المقترح مرفوض من قِبل الأطراف ويتجاوز الخطوط الحمراء لكييف وموسكو. في المقابل لم تُقدّم الولايات المتحدة أي ضمانات لحماية مصالح أوكرانيا في هذا الصدد وهذه الثغرة قد تُضاعف اعتماد البلاد على الغرب والولايات المتحدة.
تتضمن الخطة أيضًا مسألة حظر عضوية أوكرانيا في حلف الناتو والاعتراف بشبه جزيرة القرم ومنطقتي دونيتسك ولوغانسك كروسيا بحكم الأمر الواقع والتي لا تزال تُعتبر أراضٍ حيوية لكلا البلدين ولا تزال في صراع مرير على هذه الأراضي.
من ناحية أخرى فإن المواعيد النهائية التي حددتها الولايات المتحدة للموافقة على إطار العمل المكون من 28 نقطة وضغط ترامب على زيلينسكي للموافقة عليه بسرعة أكبر تكاد تكون مستحيلة. لأنه بالنظر إلى مجمل هذه الخطة الأمريكية والتي بموجبها يجب على أوكرانيا التنازل عن المزيد من أراضيها وتقليص حجم جيشها، والتخلي إلى الأبد عن أمل الانضمام إلى حلف الناتو فقد وُصفت بأنها غير قابلة للتحقيق، حتى أن المسؤولين الأوروبيين والأوكرانيين وصفوا هذه الخطة بأنها "أحادية الجانب ومؤيدة لموسكو" و"وصفة لتشجيع المزيد من الهجمات الروسية"، مما يشير في حد ذاته إلى السعي لتحقيق المصالح الأمريكية ويتناقض مع المصالح الأوروبية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن اقتراح ترامب نقلاً عن مصادر مطلعة باستخدام نحو 100 مليار دولار من أصول روسيا المجمدة في أوروبا لإعادة إعمار أوكرانيا، على أن تذهب 50% من الأرباح إلى الولايات المتحدة أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية.[8] ووفقاً لصحيفة فاينانشال تايمز فإن هذه الخطة التي ستوفر مساعدات نقدية وقروضاً تنموية لإعادة إعمار أوكرانيا وتخصيصها للمشاريع التجارية الأمريكية، ستكون غير سارة للدول الأوروبية وستعتبرها أوروبا بالتأكيد غير واردة.[9] وهذا دليل على أهداف أمريكا ربحية وإجبارية، وستكون أحكامها غير قابلة للتنفيذ وغامضة للأطراف وحتى للداعمين الأوروبيين لأوكرانيا، وسنشهد بالتأكيد شهوراً من الصراع مع تطبيقها.
بشكل عام، من خلال دراسة أحكام هذه الخطة الأحادية الجانب من جانب الولايات المتحدة وردود الفعل المتبادلة بين البلدين، يمكننا الاستنتاج أن هذا الاقتراح قُدّم فقط من أجل المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة وليس لدعم السلام في العالم وإنهاء الحرب في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه فإنه يتناقض مع الخطوط الحمراء لكييف وموسكو، وبينما تخلق هذه الخطة المزيد من الصدام الثنائي فإنه سيؤدي إلى أزمة جديدة في قلب هذه المنطقة.
نوید دانشور
[1] https://www.rbc.ru/politics/22/11/2025/692197ce9a794763ed8638ba
[2] https://ria.ru/20251121/putin-2056705107.html
[3] https://www.gazeta.ru/politics/news/2025/11/21/27240559.shtml
[4] [4] https://parsi.euronews.com/2025/11/20/zelenskys-office-confirmed-ukraine-has-received-a-draft-peace-plan-from-the-united-state
[5] https://www.reuters.com/world/us-peace-plan-contains-unpalatable-proposals-both-ukraine-russia-2025-11-21
[6] https://www.ilo.org/resource/news/how-did-war-impact-ukrainian-labour-market
[7] https://joint-research-centre.ec.europa.eu/jrc-news-and-updates/war-exacerbates-ukraines-population-decline-new-report-shows-2023-03-08_en
[8] https://www.aljazeera.com/news/2025/11/21/trumps-28-point-u
kraine-plan-in-full-what-it-means-could-it-work
[9] https://www.rbc.ru/politics/21/11/2025/6920bf019a79475099d7134c
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال