كما أوضحنا في القسم السابق فقد تراجعت طالبان عن وعودها وسرعان ما منعت الفتيات من الذهاب إلى المدرسة فوق الصف السادس. عندما احتجت النساء والفتيات في كابول وعدة مدن أخرى، ردت قوات طالبان بالعنف وقمعت المتظاهرين. تم إغلاق معظم المدارس الإعدادية للبنات البالغ عددها 1880 مدرسة في أفغانستان حاليًا ولم يبقى سوى عدد قليل من المدارس في مقاطعات محدودة. وفي ظل هذا الوضع تزايدت مستويات المواجهة والعنف إلى جانب الجفاف الشديد والأزمات الاقتصادية المتتالية، وهذا ما جعل الفتيات والنساء الأفغانيات أكثر ضعفاً. أدت هذه التطورات إلى زيادة انتهاك حقوق المرأة كما أن ارتفاع معدل الزواج المبكر وعمالة الأطفال في أفغانستان منذ تولي طالبان زمام الأمور يجعل هذه القضية معقدة أكثر.
الأمر الغامض والمثير للاهتمام بالطبع هو ردود الفعل المتناقضة تمامًا لبعض قادة طالبان فيما يتعلق بتعطيل مدارس الفتيات وحظر تعليم الفتيات الأفغانيات. كانت الانقسامات واضحة في صفوف طالبان، وتفاجأ العديد من مسؤولي طالبان بمن فيهم وزير التربية في ذلك الوقت بالإعلان المفاجئ في آذار عن إغلاق المدارس المرحلة الإعدادية والثانوية العامة إلى أجل غير مسمى لنحو 3 ملايين فتاة. يخشى بعض قادة طالبان من أن يؤدي عدم وجود تغييرات في السياسة في مجال تعليم الفتيات الأفغانيات إلى سقوط حكومتهم وانهيارها.
يواصل العديد من كبار مسؤولي طالبان التأكيد لوسائل الإعلام والدبلوماسيين على أنهم يعملون على إعادة فتح المدارس. ويدرك العديد من الشخصيات في طالبان أنه إذا لم يتم تعزيز التنمية في أفغانستان فستظل أفغانستان دائمًا عرضة للتدخل الأجنبي الأمر الذي يتطلب تعليم كلا المجموعتين من الناس. إن المجتمع الذي يبقى نصفه غير متعلم ومحروم من التعليم بالتأكيد سوف يتراجع.
إن فتح المدارس الابتدائية والجامعات أمام النساء والفتيات في حين أن المدارس الثانوية محظورة عليهن رسميًا يؤكد أن هذه السياسة هي نتاج صراعات داخلية بين فصائل طالبان. أيضًا تم تنفيذ هذه السياسة بشكل غير منظم في جميع أنحاء أفغانستان حيث سمحت المجالس المحلية في مقاطعات محدودة مثل كابول وهيرات للمدارس الثانوية العامة بالبقاء مفتوحة.
يبدو أن أحد الأهداف الرئيسية لطالبان منذ استعادة السلطة كان تغيير نظام التعليم الأفغاني. منذ تشرين الأول تقع هذه المهمة على عاتق ندا محمد نديم الزعيم المتطرف في حركة طالبان والذي تم تعيينه كوزير للتعليم العالي.
نديم حاكم سابق وقائد عسكري تعهد بالقضاء على جميع أشكال التعليم العلماني الحديث الذي ازدهر بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان عام 2001 والإطاحة بنظام طالبان الأول في أفغانستان! كما أعرب عن معارضته لتعليم الفتيات والنساء ووصفه بأنه غير إسلامي ومخالف للقيم الأفغانية! وتؤكد كلماته على حقيقة أن صانعي القرار الرئيسيين في حكومة طالبان ومقرهم قندهار يعارضون هذا الحق المعروف للمرأة تحت ذرائع واهية. أثارت تصريحاته الجدل وأثارت التكهنات بأن طالبان تخطط لمزيد من تقييد تعليم الفتيات الأفغانيات.
يبدو أن وصف تعليم الفتيات الأفغانيات بأنه غير إسلامي من قبل القادة المتطرفين في طالبان غير منطقي وذلك بالرجوع إلى الآيات والأحاديث حول ضرورة التعليم التي خصّت النساء بشكل مباشر. ومن أحاديث رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام أن “طلب العلم واجب على كل مسلمٍ ومسلمة ” بالنسبة لحكومة تدعي أنها إسلامية هل يوجد مصدر أكثر موثوقية من الحديث الشريف لرسول الإسلام صلّ الله عليه وسلم!؟
هذا بينما وعدت طالبان بإصلاح المناهج الوطنية وكشفت عن خططها لإنشاء شبكة واسعة من المدارس أو المعاهد الدينية في جميع أنحاء مقاطعات البلاد البالغ عددها 34 مقاطعة. لكن السؤال الرئيسي هو: هل تعليم الفتيات الأفغانيات والفتيات المتعلمات خطر على نظام طالبان ؟!
بالاعتماد على تحليلٍ لليونيسف نُشر في أغسطس 2022 فإن إبعاد الفتيات عن التعليم الثانوي في أفغانستان سيؤدي إلى انخفاض بنسبة 2.5 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي السنوي. تعتقد اليونيسف أنه إذا تمكنت الفتيات المحرومات من التعليم من إكمال تعليمهن الثانوي والمشاركة في سوق العمل فسوف تساهم الفتيات والنساء بما لا يقل عن 5.4 مليار دولار في دعم الاقتصاد الأفغاني.
تستطيع اليونيسيف أن تضيف إلى هذا التحليل النتائج الإيجابية للسماح للفتيات الأفغانيات بالدراسة مثل الحد من الاكتئاب بين الفتيات الأفغانيات والحد من زواج الأطفال وزيادة وصول النساء إلى تخصص أمراض النساء في الطب وتقليل وفيات الرضع والأمهات أثناء الولادة وما إلى ذلك.
إن الاستمرار في إغلاق المدارس سيؤدي إلى تربية جيل المستقبل في أفغانستان على يد أمهات غير متعلمات أو متعلمات تعليمًا ضعيفًا. الأمهات اللواتي لن يُربين أطفالًا أكفاء في المجتمع سيحدث فيه انقسام عميق حيث سيكون نصف المجتمع بعيد عن العلم والمعرفة. فجوة تؤدي إلى مزيد من التخلف في المجتمع الأفغاني.
لا داعي للكلام بأن المحادثات الدولية مع طالبان حول إيقاف إغلاق مدارس البنات يجب أن تستمر. على الرغم من الأزمة الاقتصادية في أفغانستان يجب على المانحين الدوليين الاستمرار في دفع رواتب المعلمين الحكوميين دون قيد أو شرط حتى لا يكون لدى طالبان أعذار اقتصادية ونقص في التمويل لقطاع التعليم.
ومؤخرا أقيم خلال هذا الشهر في بالي مؤتمر بعنوان “المؤتمر الدولي لتعليم المرأة الأفغانية” تحت الرئاسة المشتركة لإندونيسيا وقطر. وحضر الاجتماع ممثلون من 38 دولة ومنظمة دولية ومنظمات غير حكومية وأكاديميون. وأكد المشاركون على ضرورة دعم تعليم المرأة في أفغانستان وإيجاد حل شامل للمشاكل الحالية التي تواجهها المرأة الأفغانية.
لكن الدعم والحوار وحدهما ليسا كافيين. ما هو على المحك ليس فقط نظام طالبان ولكن مستقبل مؤسسات الحكومة الأفغانية أيضاً، وينبغي أن يبدأ في أقرب وقت ممكن حوار جاد حول إعادة إنشاء آلية وطنية للمساءلة بحضور خبراء أفغان. وهذا يخلق الثقة اللازمة لضمان التزام جميع الأطراف بشفافية ونزاهة من أجل المساعدة.
مع كل يوم يمر دون اتخاذ إجراء بشأن تعليم الفتيات الأفغانيات سيتم حرمانهن ظلماً من حقهن في الوصول إلى أهم الخدمات في تقرير مصيرهن ومستقبلهن.
كلما أسرعت طالبان والمجتمع الدولي في حل مشكلة تعليم الفتيات الأفغانيات كلما أسرعت البلاد في العودة إلى الطريق الصعب المتمثل في إقامة سلام عادل وشامل. هذه قضية مهمة للغاية يعرفها حتى العديد من قادة طالبان.
تعليم الفتيات وتشغيل النساء مطلب عام للمجتمع. كل حكومة لابد أن تكون ملتزمة بالاستجابة وبشكل إيجابي لجميع مطالب المجتمع. إن ضمان مستقبل أفغانستان يتوقف على تنمية المجتمع الأفغاني بوجود الفتيات والأمهات المتعلمات.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال