بعد الإعلان عن وجود فرع لداعش في خراسان عام 2014 في شرق أفغانستان بدأنا نشاهد بين الحين والآخر هجمات إرهابية من قبل هذه المجموعة . لكن بعد سقوط النظام الجمهوري وعودة طالبان إلى السلطة ، أصبحت هجمات هذه المجموعات الإرهابية أكثر حدة. وبحسب التقارير الإخبارية فقد نفذت هذه المجموعة منذ آب عام 2021 م حوالي 260 هجوما إرهابيا في مقاطعات مختلفة من أفغانستان من بينها 77 هجوما في كابول وحدها. واللافت هو أن تسارع عمليات تنظيم داعش خراسان بعد وصول طالبان للسلطة سؤال يثير الإهتمام وأمر مشكوك فيه! لذلك في هذه المقالة سنحاول شرح الأسباب والعوامل ونبيين كيفية منع انتشاره.
يبدو أن وجود تنظيم داعش في أفغانستان قد تم التمهيد له منذ بداية ظهوره في العراق. والسبب في ذلك هو المكانة الخاصة التي يحظى بها هذا التنظيم وقدرته على تحقيق الأهداف الإستراتيجية لأمريكا. وقد أثيرت هذه المسألة في تقرير وكالة الإستخبارات الأمريكية (DIA) في 12 آب عام 2012. إن دور أمريكا في تشكيل وانتشار تنظيم داعش الإرهابي وأهداف أمريكا الاستراتيجية في آسيا وخاصة أفغانستان يزيد من تعزيز هذه الاحتمالية بسبب قرب هذا البلد من إيران والصين وروسيا وآسيا الوسطى.
بالإضافة إلى 20 عامًا من الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان تُظهرُ الدراسات أن الولايات المتحدة لعبت دورًا بارزًا في الحروب والاضطرابات في هذا البلد سابقاً. إن دعم أمريكا المالي وارسال الأسلحة لبعض الجماعات الجهادية الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي ودور هذا البلد في ظهور جماعة طالبان يعتبر من المسلمات والحقائق التاريخية.
بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 والوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان وسقوط حكومة طالبان وتشكل الحكم الجمهوري شهدنا لعبة أمريكية جديدة في هذا البلد. لم تغفل أمريكا بالإضافة إلى تقديم الدعم المالي والعسكري والسياسي للحكومة الأفغانية عن تقوية طالبان كتهديد وكأدات ضغط على هذه الحكومة. خلال عشرين عامًا من وجودها في أفغانستان، دعمت أمريكا دائمًا مجموعة طالبان سراً باعتبارها خصمًا وتهديدًا للحكومة الأفغانية من أجل إبقاء حكومة كابول معتمدة عليها. وبالنظر إلى التغيير في الإستراتيجية الأمريكية وتركيز الدولة على طالبان كبديل للنظام الجمهوري فإن إيجاد بديل لطالبان تم تضمينه أيضًا في إستراتيجية الدولة. يبدو أن داعش خراسان يلعب دور طالبان في المعادلة الجديدة لأمريكا في أفغانستان.
بعد وصول طالبان إلى السلطة وقعت واحدة من أكثر الهجمات الإرهابية دموية لداعش بالقرب من ساحة مطار كابول أثناء عملية إجلاء القوات الأجنبية والتي قُتل فيها ما لا يقل عن 182 شخصًا. على ما يبدو تم تنسيق هذا الهجوم بالكامل من قبل الأمريكيين و كان هذا الهجوم في حقيقة الأمر بمثابة إنذار خطير لطالبان.
لعبة أمريكا الأخيرة التي استمرت لمدة عام ونصف في أفغانستان هي استمرار لسياسة البلاد في السنوات العشرين الماضية بأداتٍ جديدة. بمعنى آخر نرى في مثلث النظام الجمهوري مع طالبان وأمريكا أن الجمهورية الإسلامية الأفغانية أعطت مكانها للإمارة الإسلامية، وطالبان أعطت مكانها لداعش.و تظهر الأدلة أن الولايات المتحدة تحاول جاهدة السيطرة على حكومة طالبان وبالتالي تنفيذ سياساتها في المنطقة. ويبدو أن دعم أمريكا المالي وغير المالي لطالبان يمكن تفسيره بناءً على هذا الهدف وهو إبقاء طالبان تعتمد دائمًا على الولايات المتحدة التي تعمل أيضاً على تقوية داعش كتهديد ضد طالبان أكثر من ذي قبل.
لذلك وفقًا للأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة فإن الموقع الجغرافي السياسي لأفغانستان له أهمية أساسية للولايات المتحدة الأمريكية. الحرب وعدم الاستقرار في أفغانستان من ناحية يبرران وجود الولايات المتحدة في المنطقة ومن ناحية أخرى يمكن للولايات المتحدة الاقتراب من أهدافها الاستراتيجية من خلال تعزيز الجماعات الإرهابية مثل داعش خراسان. لذلك تحاول دائمًا الحفاظ على هذا الوضع في أفغانستان من خلال تغيير الأدوات والأدوار. يبدو أنه بعد التطورات السياسية الأخيرة في أفغانستان وعودة طالبان إلى السلطة أصبح تنظيم الدولة الإسلامية هو الجزء الرئيسي من لعبة أمريكا في أفغانستان ، وليس من المستبعد أن تفكر أمريكا في داعش خراسان على أنه خليفة لطالبان في المستقبل.
هناك حلان متكاملان لاحتواء داعش ومنع انتشار أنشطته في أفغانستان ؛ الأول: التماسك الداخلي والوحدة ، والثاني: التفاعل والتعاون الدولي البناء.
أ) التماسك الداخلي والوحدة: يُظهر تاريخ الحرب التي دامت أربعة عقود في أفغانستان أنه إلى جانب التدخل الخارجي لعب فقدان الوحدة الداخلية دورًا مهمًا وأساسيًا في خلق الحرب واستمرار عدم الاستقرار في هذا البلد. الحكومات التي تأسست في أفغانستان مثل الإمارة الإسلامية الأولى لحركة طالبان، تفتقر إلى الدعم الشعبي بسبب احتكارها لمحور القبيلة والحزب وقضايا من هذا القبيل. إن إزالة القوميات أو الجماعات السياسية الأخرى من السلطة قد أصبح من ناحية منصة لتسلل الجماعات الإرهابية وتوسيعها ومن ناحية أخرى تسبب في تشكيل تيارات سياسية وعسكرية ضد الجماعة الحاكمة. .
لذلك ، من أجل إرساء الاستقرار في البلاد ومنع المزيد من التوسع وتأثير الجماعات الإرهابية والسيطرة على التيارات السياسية ضد الحكومة نحتاج إلى التماسك الداخلي والوحدة. يبدو أن شعب أفغانستان والتيارات السياسية المعارضة لطالبان لديهم الاستعدادات اللازمة للحوار والقبول والتعاطف، والأمر متروك لطالبان لاستغلال هذه الفرصة الاستثنائية وتشكيل حكومة شعبية يقبلها شعب أفغانستان لإنهاء هذه المعاناة التاريخية.
ب) التفاعل والتعاون الدولي البناء: كما ذكرنا سابقاً فإن الوحدة والتماسك الداخليين جزء من حل الأزمة الحالية في أفغانستان. من أجل تحقيق حل أساسي وإنهاء مشكلة انعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي وحل المشاكل الاقتصادية في البلاد كما نحتاج إلى تفاعل بناء مع الدول المهتمة بشؤون أفغانستان وخاصة جيران هذا البلد. لا شك أن الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في أفغانستان له تأثير مباشر على جيرانها ودول المنطقة والعالم.
قد يكون لكل دولة من الدول المتأثرة بالوضع في أفغانستان اعتباراتها الخاصة دون الالتفات إلى مشاكلها وملاحظاتها من جهة والسعي إلى التعاون معها من جهة أخرى، لكن أصبح التغلب على الأزمة الحالية في أفغانستان بما في ذلك احتواء تنظيم داعش خراسان وجماعات أخرى و الإرهابيون النشطون في أفغانستان في غاية الصعوبة ولن يتم ذلك بسهولة.
باختصار يمكننا القول إن داعش مشروع أمريكي مدعوم من الولايات المتحدة نفسها في أفغانستان و الآن من أجل السيطرة على طالبان يتم استخدام داعش كتهديد ضد جماعة طالبان وليس من المرجح أن يُنظر إليها على أنها بديل لطالبان في المستقبل. إن تفرد طالبان وانفصال هذه المجموعة عن الشعب الأفغاني قد أوجد أرضية أكبر لتوسع داعش والجماعات الإرهابية الأخرى.
يمكن أن يكون التماسك الداخلي من خلال تشكيل حكومة شعبية وشاملة في البلاد والتفاعل البناء والتعاون مع الدول المتضررة من الوضع في أفغانستان وخاصة جيران هذا البلد حلاً فعالاً للسيطرة على الجماعات الإرهابية كداعش وضمان للأمن والاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي في أفغانستان.
الجنرال اخلاقى زاده
محلل سياسي في الشوؤن الأفغانية
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال